وإن تعجب فعجب فتواهم*** بعد فتح المساجد قالوا صلوا في بيوتكم حتى لا تدعوا فرجة للشيطان بين الصفوف

تمهيد:

يعلم الجميع أن كلمة صلوا في بيوتكم كانت صعبة على القلوب المعلقة بالمساجد، ومع ذلك عض المصلون على قلوبهم لوقاية المجتمع من الوباء، وفي حينه ظهرت فكرة المؤامرة على المساجد، بالإضافة إلى حالة غريبة من اعتبار الهجوم الاستشهادي على كورونا نوعا من أنواع الجهاد، وكنت أقول وقتها هذه عاطفة دينية فقدت اتجاهات الفقه وقواعده.

أولا: ولكن بعد فتح المساجد صلوا في بيوتكم:

زعم أحد الدعاة أن التباعد في المساجد بسبب الوباء يُعد فرجة للشيطان، والصلاة في البيت أفضل من صلاة فيها فرجة للشيطان، وعليه صلوا في بيوتكم بعد فتح المساجد، وبعد أن نصح الأطباء بفتح المساجد مع تحقيق شرط التباعد، نكصت فتاوى الشك على عقبيها، وقالت صلوا في بيوتكم ولا تدَعوا فرجة للشيطان، وكأننا في لعبة الغُمَّيْضة، إذا أُغلقت المساجد فهي نظرية المؤامرة، وإذا فتحت المساجد قالوا: صلوا في بيوتكم للوقاية من الوباء، وحتى لا نترك فرجة للشيطان، وقد احتال عليهم الشيطان بالتقوى، فهجروا شعار الإسلام وهو الصلاة في المساجد، وأدى الانحلال من صلاة الجماعة التي هي معلم  المجتمع.

ثانيا: المعدوم شرعا كالمعدوم حسا:

بناء على منع الشارع من التقارب بين المصلين في الصف، درءا لمفسدة الوباء أصبحت المساحة بين المصلين كأنها معدومة حسا، لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا، فكما أن الشارع اعتبر العبادات والمعاملات الفاسدة معدومة شرعا، فصارت كأنها معدومة حسا، فكذلك مسافة التباعد المأمور بها شرعا أصبحت الفجوة كالمعدوم حسا، لأن الشرع نهى عن الصلاة فيها، وتعتبر فجوة شرعا إذا عُيّن مكان للمصلي، فلم يقم فيه أحد، فهذه تعتبر فرجة للشيطان لأن الشارع اعتبرها فرجة، ولا بد من سدها عندئذ.

ثالثا: تقارب المجاهدين في الصلاة:

 فهل يؤمر المجاهدون في صلاة المسايفة مع العدو بالتقارب في صلاتهم لسد فرجات الشيطان، ليسهُل قصفهم من العدو، أم أن الشيطان هو الذي يدعوا لتقارب المصلين في الجهاد ليسهل على عدو المسلمين استئصال شأفة المجاهدين؟ كيف يمكن تفسير السنة بعدم ترك فرجة للشيطان بين المجاهدين،  وهل دخل الشيطان في الفرجات بين  المجاهدين الذين تفرقوا في صلاة المسايفة بحسب ما تقتضيه مصلحة المعركة، أم أن تفرقهم في صلاة المسايفة فر منها الشيطان وجنوده.

رابعا: ما يترتب على المعدوم شرعا كالمعدوم حسا:

اعتبار الفجوات بين المصلين معدومة، فلا يجوز التقدم بين الصفوف يوم الجمعة مع عدم وجود مكان صالح للوقوف بناء على التباعد الواجب شرعا، لأنه لو تقدم لم يجد بقعة للصلاة إلا باقتحام المحظور شرعا، فلم يترتب على تقدمه فائدة شرعية في فضيلة الصف المتقدم لعدم الفجوة المسموح بالصلاة فيها.

خطورة التفسير المادي للشريعة:

إن اعتبار المعدوم شرعا موجودا حسا له اعتبار في أحكام الشرع كاعتقاد العقود الفاسدة والصلوات الفاسدة  معتبرة شرعا،  هو تحكم من الحس والمادة على الشريعة، ومن هذا التحكم في الشريعة هو اعتبار الفجوة الموجودة حسا مع أنها معدومة شرعا كما  في مسألتنا هذه، وهي الفجوات بين المصلين، ولكننا نعيد ونؤكد على القاعدة المعدوم شرعا كالمعدوم حسا في هذه المسألة،  كما نلاحظ هنا  هيمنة الشريعة وحكمها على الواقع الحسي، ولا يصح اعتبار الفجوة المعدومة شرعا موجودة حسا ثم اعتبارها فرجة للشيطان، هو تفسير مادي للسنة، واعتبار ما لم تعتبره الشريعة.

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان المحروسة

 23-شوال -1441

 14- 6-2020

1 thought on “وإن تعجب فعجب فتواهم*** بعد فتح المساجد قالوا صلوا في بيوتكم حتى لا تدعوا فرجة للشيطان بين الصفوف

  1. يونيو 15, 2020 - غير معروف

    سعادةالدكتوروليدشاويش المكرّم
    بارك الله فيك وزادك علمًاوفقهًافي الدين ونفع بك
    أمّةالإسلام.
    فلقدأبحرتَ في أعماق علوم الفقه وأصوله فأخرجتَ
    دررًافريدةًأنارت العقول وطمأنت القلوب لأنهاقبس
    من ذكرالله الحكيم وسنةنبيه عليه أبهى الصلاة
    وأتم التسليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top