هل يجوز بيع تأشيرات الحج والتجارة فيها؟

الملخص

نظرا لاشتراط الشرع أن يكون المبيع والثمن (محل العقد) له قيمة مالية، وتحريم الشرع تحقيق أي مكسب مالي عن طريق النفوذ الذي يتنافى مع الرضا في التجارة، وهو ما يعرف في الشرع بثمن الوجه أو عوض الجاه، فإن بيع تأشيرات الحج يعتبر باطلا، يحرم الدخول فيه ابتداء، وتجب منه التوبة انتهاء إن وقع ، ويجب إعادة الحال كما كان عليه قبل التعاقد؛ لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حِسًّا، ولمشتري التأشيرة الحق في الرجوع بثمن الوجه على من باعه، ولا يحق لبائع التأشيرة إلا المصاريف الفعلية، كثمن نقل أو اتصال وشبه ذلك، ويوصَى أصحاب النفوذ والجاه بتزكية جاههم ونفوذهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح ذات بين المسلمين، ويحرم عليهم تحقيق أي مكسب مالي مقابل جاههم ونفوذهم.

أولا: الأسس التي يبنى عليها الحكم الشرعي في هذه المسألة:

1-محل العقد لا بد أن يكون متقوما ماليا:

محل العقد هو المعقود عليه ففي بيع السيارة محل العقدة هو السيارة وثمنها، فالسيارة لها قيمة مالية شرعا، والثمن هو مقابل ما ينتفع به شرعا، ومما هو غير مشروع الانتفاع به كبيع الأفلام والمسلسلات والمواد الإعلامية التي تتعارض من الإسلام أحكامه وأخلاقه فلا يحل الثمن للبائع لأن الانتفاع بهذه المادة محرم شرع، وأخذ الثمن هو أكل لأموال الناس بالباطل، لأن المال المبذول من المشتري واقع دون مقابل شرعا، وهو ما بينه الله تعالى في كتابه: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)  سورة البقرة، وفي هذه الحالة تعتبر القيمة المالية للمادة الإعلامية الفاسدة هدرا من الناحية الشرعية، وعلى البائع أن يرد الثمن للمشتري.

2-تحريم التكسب بطريقة النفوذ والجاه:

بينت الشريعة مقاطع الحقوق وأن الحق ما يقرره الشرع، ولا يجوز استخدام القوة والنفوذ في إنشاء الحق وتقريره، لأن الحق يثبت من جهة الشرع، وبعد ثبوت الحق من جهة الشرع، تأتي القوة الشرعية لإقامة الحق في المجتمع، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقوة الحاكم، والقضاء, يعني أن الوجه والقوة لا مكان لهم في تحقيق أي مكسب مالي وأن الكسب المالي لا بد أن يكون ناشئا عن صفقة تجارية محضة لا دخل للقوة فيها لأصحاب الجاه والنفوذ، والتكسب بالمنصب أو الوجاهة الاجتماعية حرام شرعا، لأن الوجه لا توجد له قيمة مالية من الناحية الشرعية، بل يجب بذله لله تعالى في الإصلاح بين المسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثانيا: ماذا يعني  بيع تأشيرة الحج:

تأشيرة الحج هي إذن بدخول الدولة لأجل أداء فريضة الحج، وهذا الحق لا توجد له قيمة مالية، ولا يعني أن التأشيرة حق الدخول أن لها قيمة مالية، فكثير من الحقوق ليست لها قيمة مالية، مثل الحقوق في مجال الأسرة، والوالدين فهذه لا تباع ولا تشترى، وكذلك  التأشيرة فهي لا تتضمن في ذاتها ونفسها منفعة تقوم بمال، بل هي حق اقتضته الظروف في اتفاقات بين الدول الإسلامية لتنظيم الحج، وتحويل التأشيرة إلى سلعة هو فرض قيم رأسمالية على شأن ديني محض وهو العبادة، وهي تعنى تسليع الحق في الحج،  وإخضاعه لقوى العرض والطلب في السوق وهذا يتنافى مع الحقوق والواجبات الشرعية  وعلى رأسها الحج الأكبر .

ثالثا: الحكم الشرعي (المعدوم شرعا كالمعدوم حِسًّا):

1-إن من يحصل على تأشيرة حج ابتداء لا يدفع ثمنها، وهو قد أخذها مجانا، ويكون قد حصل عليها بوجاهته ومنحت له بصفة خاصة  وله الحق أن يتنازل عنها مجانا لمن يرغب،  وعندما يتاجر بهذه التأشيرة، يكون قد استفاد من مركزه ونفوذه ووجهه في تحقيق مكاسب مالية، وخرج التبادل عن كونه لأسباب تجارية بحته إلى تكسب بالقوة والنفوذ، وإدخال النفوذ والقوة في التكسب المالي يتنافى مع التراضي في العقود الذي يحل به مال المسلم لأخيه، ويحرم الدخول في هذه الصفقة ابتداء، لأنها أكل لأموال الناس بالباطل.

2-وعلى فرض حصل عقد واتفاق على بيع التأشيرة فيعتبر العقد لا غيا من الناحية الشرعية، ولا يجب على المشتري أن يسدد الثمن للبائع  لبطلان العقد،  ويحق للبائع الأجرة الفعليه التي دفعها من تنقل وسفر واتصال ، أما ما دفعه من ثمن وجه للبائع السابق، فلا حق له فيه، ويرجع  على البائع السابق بثمن الوجه ، لأن الوجه لا ثمن له شرعا، ويُرَدُّ المال إلى صاحبه، ويحق لمن حصل على التأشيرة أن يحج بها  وحجه صحيح، وعليه التوبة من البيع الباطل الذي اشترى به التأشيرة, ونتعامل مع العقد الباطل على أنه غير موجود حسا ولو كان موجودا صورة، للقاعدة الفقهية: المعدوم شرعا كالمعدوم حِسًّا.

رابعا: خطور ة التدين العاطفي المشوّه على الشريعة:

الحج ركن من أركان الإسلام، وقد كتب الله تعالى الحج على المستطيع، ومن ليست له قدرة على الحج بالوسائل المشروعة سقط عنه فرض الحج إلى أن يستطيع إليه سبيلا، وتحويل ركن من أركان الإسلام إلى حق مالي لمن يدفع المال هو تعويم للعبادة وإخضاع لها لقوى العرض والطلب، مما يعني رسملة أركان الإسلام وإخضاعها لقيم الاقتصاد الرأسمالي،  ومع أن الاقتصاد الرأسمالي لا يجيز أن تكون بعض الحقوق محلا للمعاوضة المالية كحق الترشح والانتخاب للمجالس البرلمانية،  فإن من المؤسف أن يصبح التدين العاطفي المنسلخ  عن التدين المعرفي، رأسماليا أكثر من الرأسمالية نفسها وفي ركن من أركان الإسلام وهو الحج،  لذا أهيب بكل مسلم محب للحج أن يحذر من تسليع الدين أي تحويل الدين إلى سلعة قابلة للطي والفرش وكل وجوه الاستعمال المنحرف، لأفراد لا يعنيهم الحج، بعد أن اتخذوا دينهم لهوا ولعبا.

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة

صبيحة الجمعة المبارك

19-8-2016

 

2 thoughts on “هل يجوز بيع تأشيرات الحج والتجارة فيها؟

  1. أبريل 8, 2018 - غير معروف

    مقالة ملئتني علماً وأسرجت نورها في صدري
    جزاك الله خيرا شيخي ومعلمي فضيلة الدكتور وليد شاويش

  2. يونيو 16, 2019 - ابو بكر

    جزاك الله خيرا استاذنا الفاضل ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top