هل يجب قضاء الصلوات على تاركها متعمدا متكاسلا ليس الخطأ في الكلي كالخطأ في الجزئي… أولوية ترتيب الأدلة الشرعية في قوة دلالتها

تمهيد

تحدثت سابقا عن إجماع أهل السنة والجماعة أن التكفير لا يكون إلا بالجحود والتكذيب، وأنهم لا يكفرون أصحاب الكبائر: كتاركي الصلاة والزكاة تكاسلا، وأن التكفير يكون بالتكذيب والجحود، ويتأولون ظاهر النصوص المحتملة في ذلك بما يوافق المحكَم والإجماع، ولا يردون شيئا من كتاب ربهم وسنة رسولهم -صلى الله عليه وسلم، خلافا لمن يكفر بظاهر النص أصحاب الكبائر من المسلمين، ولا يفطن أنه قد هدم الشهادتين بتكفير تارك الصلاة تكاسلا، وتجاوز منهجية أهل السنة وإجماعاتهم، واتفقت مدارس فقه السلف الأربع على أن تارك الصلاة تكاسلا مسلم من أصحاب الكبائر، ولكن ما حكم قضاء الصلاة على تاركها متكاسلا.

أولا: السلف على وجوب قضاء الصلاة على تاركها عمدا وكسلا:

1-موقف السلف في وجوب القضاء:

غني عن القول أن المذاهب الأربعة نصت على أن تارك الصلاة تكاسلا يقضي وجوبا صلاته التي فاتته، وأنّ تعمده لترك الصلاة مع إقراره بوجوبها لا يسقط عنه القضاء، مع أن تركه ذلك من الكبائر، وهناك بعض الآراء الفردية تفتي بأن تارك الصلاة عمدا لا يجب عليه القضاء، إما لأنه كفّر المسلم بترك الصلاة تكاسلا، وبعض من قال إن تارك الصلاة تكاسلا مسلم ولكنه قال: الصلاة  لها وقتها الخاص، وفات الوقت فلا يقضي، وفيما يأتي توضيح ذلك.

2-هذا بيان الحنابلة في معتمد المذهب:

اقتضى الأمر أن أخص مذهب ساداتنا الحنابلة بهذا النص، فقد يتوهم بعض الناس أن تارك كافر مطلقا هو مذهب أحمد، والحقيقة خلاف ذلك، فالمذهب أنه مسلم ويقضي ما فاته، نص على ذلك الإمام ابن قدامة الحنبلي ذلك في المغني بقوله: (وَلِأَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ أَحَدًا مِنْ تَارِكِي الصَّلَاةِ تُرِكَ تَغْسِيلُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِر الْمُسْلِمِينَ، وَلَا مُنِعَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ، وَلَا مُنِعَ هُوَ مِيرَاثَ مُوَرِّثِهِ، وَلَا فُرِّقَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ مَعَ كَثْرَةِ تَارِكِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا، وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا فِي أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا لَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ)، المغني لابن قدامة (2/ 332).

ثانيا: شبهات القائلين بعدم وجوب قضاء الصلاة:

1-ورد إذن القضاء في النائم والناسي لا في العامد:

جاء في صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: {أَقِمِ الصَّلَاةِ لِذِكْرِي} [طه: 14]، والحديث يدل بمنطوقه أن النائم والناسي يقضيان الصلاة، ولكن يدل بمفهومه أن العامد لا يقضي، ويلاحظ أن الاستدلال لعدم القضاء وهو بالمفهوم، أي يفهم من النص أن المتعمد لا يقضي، ولكن النص لم يصرح في المتعمد شيئا.

2-الاستدلال بقوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا):

إن الصلاة لها وقتها المحدد شرعا، والأمر بها هو في الوقت المحدد، كما ورد في قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) سورة النساء ، ويفهم من النص الكريم أن من لم يؤدها في هذا الوقت، وهو قادر على أدائها، فلا يجوز أن يقضيها خارج الوقت، وهذا أيضا استدلال بمفهوم المخالفة، وهو ضعيف عند الأصوليين، ومن اعتبره من المذاهب كالشافعية اشترط أن لا يعارض منطوق النص، واشترط معه شروطا إضافية أخرى، ومع ذلك قال الشافعية بوجوب القضاء على تارك الصلاة.

3-لا يوجد دليل يوجب القضاء على العامد!

يرى أنه لم يرد دليل صحيح صريح يقول بأنه يجب على من ترك الصلاة متعمدا أنه يقضي، وإن ما ورد هو فقط في الناسي والنائم، أو دليل عليه، مع علماء الفقه المقارن، وهو ما يعرف بالخلاف العالي، هم من أهل الصنعة الفقهية والأصولية، بينوا أدلة وجوب قضاء الصلاة على تاركها عمدا وعلى ثبوت إسلامه أيضا، وهذا يختلف تماما عمن أعرض عن الصناعة الفقهية والأصولية وأدلة الفقهاء، ثم اتخذ له سبيلا خاصا بالإفتاء من المصادر الحديثية، وزعم أن هناك صناعة فتوى داخل الصناعة الحديثية موازية لصناعة الإفتاء في المذاهب الأربعة المتبوعة، مما أدى إلى صدام بين صناعتين متكاملتين من الصناعات الثقيلة في الإسلام وهي الصناعة الحديثية والفقهية، وأدخل اضطرابات على مرجعية الفتوى في المجتمع، وأدى إلى شَرْذمة المجتمع وتفكيكه إلى هُويات دينية متصارعة، كل يزعم أنه الفرقة الناجية.

ثالثا: أدلة السلف على وجوب قضاء المتعمد:

ذهبت مدارس فقه السلف الأربع إلى أن تارك الصلاة عامدا متكاسلا مقرا بوجوبها أنه مسلم من أصحاب الكبائر،  ويجب عليه قضاء صلاته عمدا، واستدل السلف بما يأتي:

1-منطوق قوله تعالى وأقيموا الصلاة:

قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) سورة البقرة، مطلق في جميع الأحوال، سواء للعامد والناسي والنائم، فعلى أي حال فالصلاة تبقى واجبة الإقامة على المسلم، وعليه فمن قضى الصلاة المتروكة عمدا فقد أقامها قضاء ولم يقمها أداء، فهو محقق لبعض الأمر في إقامة الصلاة، أما من لم يؤدها في وقتها ولم يقضها، فقد هدم الصلاة أداء وقضاء!، وعليه؛ فإن العموم في الآية شامل للقضاء أيضا عامدا وغير عامد،  والسلف في مذاهبهم الأربعة بإيجابهم القضاء قد أقاموا الصلاة قضاء حيث فاتت أداء، وتداركوا في عمود الإسلام ما يمكن تداركه، وهو القضاء للصلاة.

قال في المراقي: ويلزم العموم في الزمان … والحال والأفراد والمكان

مما يعني أن العامد والناسي والنائم وغيرهم يقضي الصلاة إلا من ورد الشرع بعدم القضاء عليه لطروء مانع التكليف بالصلاة: كالحيض والجنون، وهي مسألة مبسوطة في كتب الفقه والأصول، فاتفقت مدارس فقه السلف المتبوعة على وجوب القضاء على العامد، لأنه مشمول في عموم قوله تعالى: وأقيموا الصلاة.

2- منطوق قوله تعالى : وأقم الصلاة لذكري:

ومعنى الآية أقم الصلاة لذكر الله تعالى، فمن ضيع الصلاة أداء وقضاها فإنه ذاكر لله في القضاء مضيع في الأداء، أما الذي اتبع شواذ الفتيا بعدم القضاء فلا هو ذاكر في الأداء ولا في القضاء، فهو مضيع في الجميع، وهذه هي عاقبة تنكب طريقة السلف الذين أخذوا الدين فهما وقولا وعملا عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أولئك الأصحاب الذين أخذوا الدين غضا طريا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، وعرفوا حاله ومقاله.

3-قياس الأولى:

أ-ومثال قياس الأولى، تحريم قول أف للوالدين، في قوله تعالى: فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23 سورة الإسراء، فتحريم التأفف وهو أدنى مراتب الإيذاء يدل على تحريم ما هو أشد كضرب الوالدين وشتمهم.

ب-وما جاء في صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: {أَقِمِ الصَّلَاةِ لِذِكْرِي} [طه: 14]، يدل على أن المعذور وجب عليه القضاء وهو لا إثم عليه، فكيف بالآثم غير المعذور، فكما أن تحريم الضرب أفاده تحرم قول “أف”، فإن القضاء على المتعمد أوجب من القضاء على المعذور، وتحريم المخدرات قياس أولى على الخمر، لأن وصف الخمر في المخدرات مع وجد أوصاف أشد ضررا في المخدرات، فتكون أولى بالتحريم من الخمر.

4-القاعدة الفقهية:

تمثل القاعدة الفقهية عنوانا كبيرا تحته الكثير من الفروع، وعلى رأس تلك القواعد، ومن القواعد الخمس الكبرى قاعدة: اليقين لا يزول بالشك، فقد وجبت الصلاة يقينا في ذمة المكلف ولا تبرأ ذمة المكلف إلا بيقين، ومفهوم المخالفة الذي احتج بها من أسقط الوجوب، لا يقوى على معارضة هذه القاعدة الفقهية التي هي من أمهات القواعد، وهي القواعد الخمس الكبرى.

5-القياس على المفطر في رمضان عمدا وبقية الواجبات:

من المعلوم الاتفاق على وجوب قضاء الصوم على من أفطر متعمدا، مع أن الصوم له وقت محدود، فكان الأجدر أن تكون الصلاة كالصيام، ناهيك عن عموم الأدلة الشرعية الآمرة بعمومها ومنطوقها بقضاء الصلاة مطلقا.

رابعا: هل الفتوى بعدم قضاء العامد تكاسلا شاذة:

1-سبب وصفها بأنها شاذة:

يتضح أن مستند من أسقط وجوب القضاء على العامد هو مفهوم المخالفة، وهو ضعيف لا يقوى على منطوق النص، والأخذ بمفهوم المخالفة الضعيف، هو مخالفة لنصوص شرعية، وقواعد وأصول مرعِية، وهي: وأقيموا الصلاة، والقياس الجلي، والقاعدة الفقهية، ومخالفة الفتوى لواحد من هذه الثلاثة يجعلها شاذة، فكيف وقد خالفتها جميعا، وخالفت مذاهب السلف الصالح، فلا تكاد تجد مستمسكا قويا يشابه أدلة السلف ومنهجهم في إثبات وجوب القضاء على العامد، وكلما نظرت إلى مفهوم المخالفة وجدته في غير محله.

2-التمييز بين الأخذ بالأيسر وتتبع الرخص:

أ-يلتبس أحيانا الأخذ بالأيسر فيما هو دين معتبر كجواز الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر في مذهب معتبر وهو مذهب الشافعي، وبين تتبع الرخص وهو الأقوال الشاذة في الدين التي اصطدمت مع منطوق النص، وقواعد الشريعة، كما سبق بيانه في(رابعا-1)، فمن العجب في هذا الزمن أن ترى متبع الأقوال الشاذة في الدين الذي هو يتتبع الرخص المنهي عنه شرعا، ومع ذلك ينكر على من أخذ بالأسهل المعتبر في المذاهب الأربعة المتبوعة، التي اتفقت الأمة على أنها بين صواب بأجرين، وخطأ بأجر واحد

ب-فلا عجب أن ترى من ينكر إخراج صدقة الفطر نقدا، وهو قول معتبر في دين الله تعالى، وفي مذهب معتمد متبوع وهو مذهب الحنفية، ثم بعد ذلك يفتي الناس بعدم قضاء الصلاة الفائتة على المتعمد، مع أن مذاهب المسلمين الأربعة موجبة للقضاء، وعليه فمن أخذ بفتوى عدم وجوب القضاء للصلاة يكون من تتبع الرخص، وبعدما أضاع الصلاة أداء، كَرَّ عليها مرة أخرى وأضاعها قضاء، مخالفا عمل الأمة ومذاهبها المعتبرة المتبوعة، وعارض نصوص الشريعة المنطوقة بدلالة مفهوم ضعيفة، لو كانت وحدها لا تكفي، فكيف بها وقد هدمت منطوق نصوص الشريعة، وأصولها العامة.

خامسا: الخلل في الكليات أخطر من الخلل في الجزئيات:

هناك مجموعة من الاختلالات الكلية وإن كانت قليلة العدد، إلا أن الإخلال بها يؤدي إلى خلل في جزئيات كثيرة، ومن أمثلة الاختلال في الكليات:

1-تجاوُز فهم السلف ومصادرهم العلمية والتقدم نحو النص دون إجراء دراسة سابقة لفقه السلف وأدلتهم، فهذه مقدمة البحث العلمي، وهي الاطلاع على الدراسات السابقة، وتقييمها، يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي كلمة مهمة في وجوب اتباع السلف، وهي قوله في الإحياء: (فأقول السلف هم الشهود العدول وما لأحد عن قولهم عدول، فما ذكروه حق، وإنما الشأن في فهمه).

2-عدم تقصي الأدلة من المصادر الفقهية والأصولية، بسبب الموقف الذي يراوح بين العِنادية الباردة، والعدائية المتمردة لمذاهب السلف الأربعة بحجة أنها فرقت الأمة، أو بذريعة عدم التقليد، وقد كان لهذا أمر تداعيات خطيرة على الفقه الإسلامي والمجتمع.

3-تصوُّر أن الدليل هو آية كريمة أو حديث شريف بدلالة الظاهر في مصادر الرواية، وهذا تجاهل للاستنباط من الكتاب والسنة، خصوصا إذا علمنا أن المجتهد يستنط الحكم من محل خفي، يغيب على كثيرين، لقوله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ) سورة النساء 83، وكثر في الخلف مقولة : لا دليل عليه حتى كادت تصبح أصل أصول الفقه عندهم، بالرغم من ثبوت عمل السلف، وظهور أدلة السلف في المسألة، وأصبحنا أمام حالة من العدم، تقابل الخطاب الشرعي الذي بينه السلف عملا وقولا وفهما بالبطلان ودعوى الاستدلال دون استقصاء، ثم بعد ذلك يتبين أن السلف هم أحسن تعليلا، وأقوم تدليلا، وقولهم الأعلق بالأقوى والأقرب للتقوى، ولكن كما قال الإمام أبو حامد الغزالي في أقوال السلف، (ولكن الشأن في فهمه).

4-عدم ترتيب الأدلة في قوتها، فلا يصح تقديم مفهوم الخطاب المخلتف في حجيته أصلا، على دلالة المنطوق التي اتفق الفقهاء على حجيتها، ولا مخالف في ذلك.

5-مخالفة قياس الأولى، أو القياس الجلي، وهو في قوة منطوق النص لغة، وتقديم مفهوم المخالفة الضعيف في مواجهة الأدلة الصريحة الأقوى، كقياس الأولى يعني عدم ترتيب الأدلة في قوتها، وعدم إدراك محالها التي تنزل عليها.

6-كان من الممكن لنافي وجوب القضاء أن يقيس وجوب قضاء الصلاة على وجوب قضاء الصيام، لقوة الأشباه بينهما: في العبادة، والوقت المحدد للعبادة، ووجوب القضاء على المتعمد، ومع ذلك تم تعطيل هذا القياس.

7-خطورة نبذ اتباع أئمة الاجتهاد، وسند الفهم والعمل المتصل بالصحابة، مع عدم التمكن من رتبة الاجتهاد، فهذا يعني حالة من الاضطراب في شأن الفتوى،كما هو حاصل حاليا، فهو متمرد على الاتباع ولكنه لم يبلغ رتبة الاجتهاد.

8-عِلم الحديث والفقه علمان متكاملان، فموضوع الصناعة الحديثة طريق إثبات النص، أما الصناعة الفقهية والأصولية فهي ضبط الفهم في النص، ومحاولة إلغاء الصناعة الفقهية الأصولية، وزعم الفتوى على من داخل الصناعة الحديثية هي كزعم صناعة السند والرواية عند الفقهاء، وهو صدام مخترَع بين صناعات الإسلام الثقلية الفقهية والحديثية، وهي طريقة هدمية لكلا الصناعتين معا.

9-لزوم السلف ولا نخرج عن جماعتهم:

 وقد بين ابن أبي زيد القيرواني في خاتمة الرسالة في الفقه المالكي منهج أهل السنة في تلقي دينهم وفهمهم عن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم، مما يطيب لي أن أهديه إلى كل محبٍّ لهذه الشريعة بصفة عامة، ولطلابي في الفقه المالكي خاصة، بمناسبة  الانتهاء من شرح ثلثي كتاب الرسالة في معهد مدارك العلم، ليكونوا على بينة في المنهج والسبيل الذي سرنا عليه سابقا، وسنبقى عليه حتى ينقطع النفس، أما قول ابن أبي زيد فهو: (والعلم دليل إلى الخيرات وقائد إليها، واللَّجَأ إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه، واتباع سبيل المؤمنين وخير القرون من خير أمة أخرجت للناس نجاة، ففي المفْزَع إلى ذلك العصمة، وفي اتباع السلف الصالح النجاة، وهم القدوة في تأويل ما تأولوه، واستخراج ما استنبطوه، وإذا اختلفوا في الفروع والحوادث، لم يُـخْرج عن جماعتهم، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لهذا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) فهذا هو المنهج الذي نسير عليه  لمن سأل عنه.

سادسا: هل الإكثار من النوافل يجزيء عن الفرائض؟

1-أهمية التربية والإرشاد:

إن خطورة فتوى عدم القضاء على العامد تكمن في أنها لا توجب القضاء، أو تمنع القضاء، وهي تدعو من ترك الصلاة للإكثار من النوافل، وهذا تغرير بالمسلم الذي تاب من ترك الصلاة، فلو أنه صلى الدهر كله بنية النافلة لم يجزيء ذلك عن فريضة واحدة، وكذلك الصوم، بينما لو صلى بنية القضاء بناء على مذاهب السلف الأربع المتبوعة، فإنه يقضي ما فاته، فكل فريضة يؤديها تسقط عنه المطالبة بها، ويبقى إثم التأخير في رقبته، وليتب عن ذلك، ومن الأهمية بمكان  اتباع أسلوب الإرشاد ولا يُضيَّق على التائبين، ويوسع لهم في باب القضاء بحسب الإمكان، دون إفراط ولا تفريط.

2-العادي يتكيَّف مع الشرعي وليس العكس:

يذهب بعض الناس إلى القول كيف يقضي من فاتته الصلاة أعواما كثيرة؟ فهذا -في وهمهم- يشق عليه فيرى في الأقوال الشاذة بعدم القضاء أنها المسعف الأخير، ليتخلص من أداء الفرائض واجبة القضاء، ومع ذلك يسارع للنوافل ولا يقضي الفرائض! ولكن كان خيرا له أن يجعل النوافل بنية القضاء، بما يسر الله تعالى له من الوقت، وإن عدم القضاء وتتبع الأقوال الشاذة، هو تتبع الرخص الذي حذر منه الفقهاء، وعلينا أن لا نعمل على تأجيل مشقة القضاء التي يمكن تحملها في الدنيا، إلى مشقة لا يمكن تحملها في الآخرة، بأسلوب تأجيل المشاكل، لأن الأقوال الشاذة لا تنجي عند الله تعالى، وتتبع الرخص لا يفيد صاحبه، وعلى الإنسان أن يسارع إلى ربه ويقضي بنية الفريضة ما استطاع إليه سبيلا، خصوصا أنه يقول سأكثر من النوافل، نقول له ما دمت مصليا، فصلها فرائض بنية القضاء لتسقط عنك، فهذا خير لك، ودعك من الفتاوى الشاذة.

سابعا: السلف هم الأقرب للتقوى والأعْلَق بالأقوى:  

إذا جمعنا أقوال المخالفين للمذاهب الأربعة في أمر تارك الصلاة تكاسلا، نجدهم هدموا الشهادتين بتكفير تارك الصلاة تكاسلا، ثم هدموا قضاء الصلاة المفروضة التي كفر التارك بسبب تركها، وإذا تأملنا منهج السلف نجدهم قد حرسوا الشهادتين بإثبات الإسلام لتارك الصلاة متعمدا متكاسلا، وحافظوا على الصلوات المفروضة بالأمر بقضائها، مما يعني أن السلف هم الأعلم والأحكم، وهم الأقدر على التصرف في الأدلة الشرعية بمنهجية علمية رصينة، وإن خير منازل الخلف هو فهم سلفهم الأول ومنهجهم في النظر، ثم توظيف هذا المنهج في الاستنباط والنظر في المستجدات، والنهوض برتبة “المتبصِّر” بضوابطها، وهي رتبة علمية فوق التقليد ودون الاجتهاد المطلق، ستحفظ الذاكرة الفقهية نشطة، والتحرير الدائم للفقه، وهي رتبة اجتهاد مهمة تتجلى في مجتهد المذهب، وأجاويد طلاب العلم.

مقالات ذات علاقة:

 حوار مع أخي (15) هل تارك الصلاة تكاسلا كافر، أم مسلم من أصحاب الكبائر

 

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة

4-ربيع الآخر-1439

22-12-2017

 

 

4 thoughts on “هل يجب قضاء الصلوات على تاركها متعمدا متكاسلا ليس الخطأ في الكلي كالخطأ في الجزئي… أولوية ترتيب الأدلة الشرعية في قوة دلالتها

  1. يناير 2, 2018 - anwaarsobouh

    بوركت دكتورنا ونفعنا الله بما عندك

  2. أبريل 14, 2019 - غير معروف

    بوركت ونفعنا الله بعلمك

  3. يونيو 25, 2020 - غير معروف

    بارك الله فيك وفي علمك وتأصيلك للمسائل وتذييلها بما هو اقعد وانفع

  4. يونيو 26, 2020 - منى حوامدة

    جزاكم الله خيرا ونفع الله بك العباد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top