هل مدارس فقه السلف الأربع هي أربع نسخ من الإسلام

1- إذا علمنا أن الأحكام الثابتة على وجه القطع كأركان الإسلام الخمس، والمحرمات المتفق عليها كحرمة الخمر والزنا، فهذا لا وجه فيها متعدد فالحق فيها واحد وسواه جهل وباطل، لأن الله تعالى أقام عليها أدلة قاطعة، فعلم من ذلك أنها علامات هوية هذه الأمة وهي الفارق بينها وبين الذين تنكبوا سبيل الأنبياء، وما بعدها باطل وضلال مبين، مما يعني أن مدارس فقه السلف ليست أربعا في هذا الحقل، بل هي متفقه عليها والقول فيها قول واحد لا أربعة، فمن أين ستأتي النسخ الأربع من الإسلام، إذا كانت الأحكام متفقا عليها ثابتة بالإجماع، ومن ثم يتهافت السؤال لأنه بني على فرضية أن مدارس السلف هي نسخ متقابلة مع أنها تشترك بينها في الأحكام الثابتة بالإجماع.

2-أما في مسائل الاجتهاد التي ظهر فيها للشارع قصد بالإثبات وقصد بالنفي، كوجوب الزكاة في التفاح، فهناك أدلة عامة توجب إخراج الزكاة من كل ما تنبت الأرض كالتفاح ، وهناك أدلة تبين عدم إخراج زكاة التفاح، من فعل أهل المدينة، هنا نجد اجتهادين مثلا في إخراج الزكاة من التفاح أحدهما بإخراج الزكاة منه والآخر بعدم الإخراج، نظرا لظهور قصد الشارع بعدم الإخراج، فتأتي مدارس فقه السلف على وفق ظهور قصد الشارع بالنفي والإثبات، فالمثبت للزكاة في التفاح مأجور لموافقته قصد الشارع بالإثبات، والنافي للإخراج مأجور لموافقته قصد الشارع بالنفي، وكلاهما مأجور إما بأجرين إن أصاب، أو بأجر واحد إن أخطأ، ولا نعلم من صاحب الأجرين من الأجر الواحد على وجه التعيين، لعدم وجود دليل قاطع على ذلك، وادعاء القطع في مسائل الاجتهاد يتنافى أصلا مع كون المسألة من مسائل الاجتهاد، لأنها لو كان فيها قطع، لما كانت اجتهادية، وهنا يقال: من أين ستأتي النسخة الثالثة والرابعة، إذا كان في المسألة الواحدة اجتهادان فقط، على فرض اعتبار أن هذين الاجتهادين هما نسختان! وهو محل نظر، كما سيأتي.

3-وبما أن الله تعالى أثبت الأجرين لكليهما، عُلم أن هذا الأجر حاصل لهما مع الاختلاف، وأن كلا المثبت والنافي في رضا الله تعالى، وأن كلا منهما شرع من عند الله تعالى، كما فعل الصحابة -رضي الله عنهم- عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم الفريقين من صلى العصر في الطريق، ومن أخر العصر حتى صلى في بني قريظة، ولم يكن هذا نزاعا في الدين بين من علِموا حقيقة الشرع، وكانت مسألة عابرة لم تأخذ من وقتهم كثيرا؛ لأنهم مشغولون بالعمل لا بالجدل، ولم يؤثَر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطأ أحد الفريقين، فمن أين ستأتي النسخة الثالثة والرابعة؟ على فرض أننا اعتبرنا أنفسنا أمام قولين، أو نسختين كما يقال.

4-إذا قال لك المجتهد المثبت للزكاة في التفاح مثلا أنك إذا لم تخرج الزكاة في التفاح تقليدا للمدرسة التي قالت بعدم الإخراج، أنك في عفو الله تعالى، ولست خارجا على الشريعة، بل أنت دائر بين الأجر للمخطيء والأجرين للمصيب، فهل تعد هذان الاجتهادان بين الموجبين للزكاة في التفاح وغير الموجبين نسخا متقابلة، وهما يقولان إننا كلينا شرع من الله تعالى، وثبت رضاه في كلا الأمرين بالأجر الواحد للمخطيء وبالأجرين للمصيب؟ أن أن هناك تأثرا بنزعات الكهنوت في الطوائف التي تزعم القطع في أقوال رجال الدين فيها، وأنهم معصومون؟!

5-فإذا تبين أن كلا الفريقين يكادان يكونان -مع الاختلاف- نسخة واحدة من الشرع، وأنها شرع في رضا الله تعالى، وأن افتراض النسختين لا ينسجم مع أن كلا منهما محتمل للصواب الذي هو عند الله تعالى، وفيهما أجر لكلا الفريقين، فهما مدرسة واحدة هي مدرسة السنة، وهي شرع واحد ولسنا أمام شرائع، أو شرع وغير شرع، ولسنا أمام نسخ منفصلة بعضها عن بعض، وأن محاولة فرض النسختين أو الثلاث أو الأربع، تنطلق من أنها قطعيات متقابلة لا متكاملة ، وتبين خطأ هذا الافتراض، وعليه، يكون طرح السؤال مبنيا على افتراض غير صحيح، ولا يصح السؤال؛ لأنه انطلق من أن مدارس فقه السلف هي نسخ متقابلة قطعية الاختلاف، فسقطت الفرضية التي بني عليها السؤال، وهناك كثير من هذا النوع من الأسئلة التي تبنى على تصورات غير صحيحة، وغالبا ما تكون متأثرة بثقافات مستوردة تقوم على تناقض الدين واللادين، وبما أن المقام مقام اختصار اكتفيت بهذه الكتابة العَجْلى، والله هو الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

الطريق إلى السنة إجباري

د. وليد شاويش

21-6-2016

1 thought on “هل مدارس فقه السلف الأربع هي أربع نسخ من الإسلام

  1. يونيو 21, 2016 - غير معروف

    من اجمل ما قرات بوركت دكتورنا الفاضل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top