هل اعتبر تحريم التصوير من العهد البائد… التدين بين صناعة الواقع وصناعة الأدلة الشرعية

الملخص

تظهر العديد من الفتاوى المتأثرة بالواقع، ولم تستوف شروط الاستدلال الشرعي، ثم تسود هذه الفتاوى، وبما أنها نتيجة الواقع وليست نتيجة الاستدلال الشرعي مستكمل الشروط، فإنها تكون وقتية سيلغيها واقع جديد، وأن الصراع حولها سينتهي بتغير الواقع، ومثال ذلك تلك الكتابات التي حاولت مقاربة الإسلام مع الفكر الاشتراكي أو الرأسمالي، أو الغربي في مجال حقوق الإنسان والمجتمع، وهذا يعني أننا واقعون اليوم تحت وطأة بعض الفتاوى والمقولات الدينية التي تستنزف أفكارنا وأوقاتنا دون طائل، لأن هذه الفتاوى متأثرة بالرؤى المذهبية للجماعة، أو الحزب، أكثر من تأثرها بالأدلة الشرعية، ولو كانت بناء على الأدلة فعلا لَحَملها الدليل الشرعي عبر الزمان كما حمل مدارس فقه أئمة السلف الأربع المتبوعة إلى يومنا هذا.

أولا: التصوير الشمسي في العهد البائد:

لا أنسى فتاوى تحريم التصوير الشمسي (الفوتوغرافي) السائرة في المجتمع، والتي بلغت حد المسلمات حينا من الدهر، ثم جرى استثناء الصورة الشخصية لجواز السفر للضرورة، وقد أغلق بعض السادة المتدينين محالهم المختصة بالتصوير، في نموذج تدين صادق وواثق بهاته الفتوى في التحريم، مع أن الغريب أن السادة الذين حرموا التصوير الشمسي كانوا يظهَرون بصفة شبه دائمة على شاشات التلفاز، ولا أدري ما هو الفارق المؤثر في الحكم الشرعي بين التصوير التلفزيوني والشمسي، إلا أن التلفزيوني هو تكرار الصورة بسرعة بحيث لا تلحظها العين المجردة، مع العلم بأن الحديث هو في حكم شرعي أصلي لا يتغير بتغير الظروف.

ثانيا: التصوير الشمسي في العهد الجديد:

لكن في وقتنا الحالي نرى أنه لم يعد من حرج في التصوير بعد انتشار “السِّلفي”، واختفت تلك الفتاوى بالتحريم ولم يعد يلتفت لها أحد، ورجع صاحبنا فاستعاد فتح محل التصوير (استوديو) وهو شخص معروف لي بعينه، بل بعينيه الاثنتين! ولكن الذين حرَّموا التصوير الشمسي-في علمي المتواضع- لم يقوموا بمراجعة علمية أصولية للتفتيش عن مكمن الخلل، والفجوة التي أدت إلى هاته الحالة، إذ إن الخلل إذا دخل إلى فتاوى الشرع، هو أخطر من حوادث الطائرات، لأن الشرع يترتب عليه مصالح الدنيا والآخرة، كما أن الاضطراب في الفتوى وتحويلها إلى مهرجان موسمي هو إساءة للفتوى وحرمتها وهيبتها، ويحولها إلى عمل جماهيري لا يراعي أصول الفتوى الشرعية.

ثالثا: هل بعض الفتاوى اليوم هي صناعة أدلة أم ستصبح من العهد البائد:

وما الذي يمنع أننا الآن واقعون تحت تأثير الواقع في بعض الفتاوى السائرة والدائرة التي هي مثار للنزاع، وستصبح بعد حين من العهد القديم لأنها لم تكن على وفق منهجية الاجتهاد الصحيح وشروطه، وأن بيننا من يعيش على فتاوى بنيت على تجمعات حزبية وجماعية ولم تكن نتيجة طبيعية للنظر في أدلة الشريعة، أو وفق رؤى اتجاهات دعوية، أو مصلحية فئوية تجاوزت النص الشرعي وهجرته زورا بدعوى المقاصد الشرعية المزيفة، التي تشوه المقاصد الشرعية الأصلية التي يحملها النص الشرعي بين جناحية اللفظي والمعنوي، ومثال ذلك ثقافة الحيل في المسائل المالية، وما يسمى بالرؤى المقاصدية المنحرفة عن جادة الاجتهاد وتشوه المقاصد الشرعية، حيث أصبحت الرؤية المقاصدية المشوهة حيلة لتمرير الثقافة الغربية، وإعادة إخراجها بالثوب والعمامة، كما مر سابقا تمرير الاشتراكية والداروينية عبر فتاوى التي أصبحت اليوم من فتاوى العهد القديم.

رابعا: خطورة الارتكاز على رؤية الجماعة أو الحزب في الفتوى:

1-لو أتيت لك بالعديد من الفتاوى، وكتبت لك أسماء بعض الفئات أو الجماعات على الساحة، وقلت لك صنف هذه الفتاوى حسب قائمة الجماعات، فإنك ستعرف الفتوى التي تليق بطريقة تلك الجماعة غلوا أو تحللا، أو أنها موضوعية تتبع الأدلة، وان فتاوى كل فئة ممهورة بختمها وشخصيتها، وكأن الفتوى أصبحت حسب قواعد الجماعة وميثاق الحزب، وليس حسب أصول الاستدلال والفهم عن الله ورسوله.

2-خصوصا إذا علمنا أن الفقه متعلق بفعل المكلف، لا بوصف انتمائه لحزب أو جماعة، وأن الفقهاء والأصوليين لا يعنيهم في الحكم إلا الظروف الموضوعية للمكلف بصرف النظر عن انتماءاته الاجتماعية والسياسية أو الدينية، مما يعني أن الاضطراب في الفتوى لا ينتج من طبيعة الأدلة، بل من هيمنة الواقع على الثقافة والتدين، وأن التدين أصبح يُصنع تحت ضغط الواقع لا بناء على توجيه الأدلة الشرعية.

للمزيد: حوار مع أخي، المشترك اللفظي وحمل ألفاظ الشرع على المعاني الحادثة، هل التصوير حرام؟!

الطريق إلى السنة إجباري

العاصمة المقدّسة

صبيحة الجمعة المباركة

7-ذي الحجة-1437ه، الموافق 9-9-2016

د. وليد شاويش

4 thoughts on “هل اعتبر تحريم التصوير من العهد البائد… التدين بين صناعة الواقع وصناعة الأدلة الشرعية

  1. سبتمبر 9, 2016 - Hivron Alrachi

    يسعد صباحك د وليد موضوع غايه في الروعه ما أحببت الإشارة إليه قولك أن التدين اليوم أصبح يصنع تحت ضغط الواقع ما رأيك أن نقول أن التدين كان يصنع تحت ضغط الفهم الضيق والإجتهاد القائم على الخوف من كل جديد وعليه ما المواقف الجديدة من الرسم وربما النحت

  2. سبتمبر 9, 2016 - د. وليد شاويش

    شكرًا أخت هيفرون على الملاحظة وأظن إن كل ما تفضلت به هو أمثلة على ضغط الواقع وتؤول في النهاية إلى تضييع الأدلة الشرعية

  3. سبتمبر 9, 2016 - محمد

    جزيت خيراً يا دكتور
    أتمنى لو أمكن أن تمثل لنا بشيء من الفتاوى التي بنيت على الحزبية والانتماء السياسي .

  4. سبتمبر 23, 2016 - د. وليد شاويش

    إن شاء الله وهو قادم قريبا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top