هذيان حتى الغثيان…ثَرْثَرة في المنهج الجرأة على نصوص الشريعة مع التوضيح بأمثلة طبية

أولا: الثابت والمتحول بين المشرط والمسلَخ في مذهب أبي الكوارع:

في اجتماع هاديء في مجلس الأطباء، يثير أحدهم خبرا يفيد بأن أحد الجزارين في البلد يدعى “أبو الكوارع” ، يذكر مجلسهم بسوء، ويزعم أن الأطباء لا يطورون من أساليبهم وأدواتهم في الجراحة، فضحك الأطباء في مجلسهم ذاك من ذلك الجزار، واعتبروا مقالة أبي الكوارع مضحكة وممتعة، ولكنهم فوجئوا بأن ما قاله أبو الكوارع بدأ يفشو في المجتمع، في فئة الشباب خاصة، وبعد فترة  إذا بمقالة تنشر في إحدى المجلات التي تهتم بالرأي والرأي الآخر، مقالة أبي الكوارع، تبين وجهة نظره في بعض المسائل الطبية ذات العلاقة بجراحة الجمجمة والرقبة، وكانت المقالة بعنوان: (الثابت والمتحول بين المشرط والمسلَخ الرقبة نموذجا)، وقد أحدثت تلك المقالة دويا في سوق الجزارة والمجتمع، وقد انهالت طلبات القنوات الفضائية على أبي الكوارع لإبداء وجهة نظره وشرحها، بحضور طبيب مختص يمثل الرأي الآخر، حتى يكون اللقاء ثريا ومفيدا لجمهور القناة.

ثانيا: الأطباء مُرْغَمون على قبول التحدي:

عقد مجلس الأطباء جلسة طارئة لدراسة أثر الحدث في المجتمع ومهنة الطب، وكان للمجلس رأي وهو أن الحوار لن يكون علميا؛ لأن شيخ الجزارين لا علاقة له بالموضوع، ولكن تحت ضغط الرأي العام واتهام مجلس الأطباء من قبل الجمهور بأنه عاجز عن المناظرة، قرر المجلس أن يوفد طبيبا مختصا لمناظرة الجزار “أبو الكوارع” صاحب شركة: أبو الكوارع لتجارة اللحوم المكشوفة وحقوق النَّعسان ليميتد، وقد أحضر معه نماذج من رأس ورقبة الماعز، وقام بعرضها بوسائل عرض تقديمية شيقة، لفتت انتباه الجمهور، لاسيما أن الصور كانت للماعز البلدي الذي يغرم به الجمهور، ويعتبرونه مشترَكا ثقافيا واجب الاحترام والتقدير.

ثالثا: وقائع المناظرة التاريخية:

1-أجريت المناظر على قناة “الحق الضائع”، تحدث الطبيب بوسائل عرضه المعروفة طبيا لدى أهل الاختصاص، لكن مشكلته كانت في مصطلحات التخصص غير المفهومة للجمهور، وأكد الطبيب أن الطب مهنة إنسانية لا تفرق بين بين بني الإنسان، وأن التصنيف للمرضى هو حسب معايير موضوعية لغايات العلاج، وليس قائما على الكراهية، وبينما تحدث الطبيب في التخصص الطبي، تحدث أبو الكوارع عن كيفية فتح رأس الخروف بطريقة سهلة، دون الإضرار بالنخاعات داخل الرأس، وكان حديثه وأسلوبه مقنعا جدا، وأكد مقدم البرنامج أن التوثيق ضروري، ولا بد من التأكد من صحة كلام أبي الكوارع، لذلك دعا الجمهور إلى التأكد بأنفسهم من صحة كلام أبي الكوارع.

2-ونظرا لحب الجمهور لتوثيق المعلومة والتأكد منها، ارتفع الطلب على رأس الخاروف عند الجزارين بشكل مفاجيء للتأكد من أن كلام أبي الكوارع موضوعي وصحيح، فليس كل ما يقال في الإعلام صحيحا، وبعد التجربة على عدة رؤوس من الماعز تبين للجمهور أن ما قاله أبو الكوارع كان صحيحا، وأن قناة الحق الضائع كانت أمينة مع جمهورها، لأنها لم تأخذ كلام أبي الكوارع مسَلَّما بل أكدت على أن التوثيق مهم؛ لأنه جزء  من سياسة القناة.

رابعا: الأطباء في حَيـْـرة ودهشة:

بلغ الأمر بالأطباء مبلغا كبيرا، فكيف لأبي الكوارع أن يختطف عقول الناس بهذه الطريقة البهلوانية، ودعا فقيه الأطباء مجلسهم للانعقاد بالسرعة العاجلة لمناقشة الأمر، خصوصا أن أبا الكوارع ما زال يتحدى للمناظرة، وهناك حركة انضمام واسعة من قبل الجزارين الذين اتهموا الأطباء بمصادرة عقول الناس، وأنهم يأخذون أموال الناس مقابل عمليات جراحية سهلة وغير مكلفة فعلا، بينما بإمكان الجزارين المهرة والمرخصين قانونا القيام بها، ويمكن أن يعتمد أي جزار له خبرة بالجزارة أن يقوم بتلك العمليات بكفاءة أكبر، فاجتمع مجلس الأطباء على عجَل وناقش الأمر، ولكنه وصل إلى طريق مسدود لأن الجزارين اشتبه عليهم الإنسان بالحيوان، ولا تنفع معهم المناهج العلمية التي يهتم بها الأطباء، وأهمها احترام التخصص العلمي في مجال البحث، الذي اتفق عليه الخاصة والعامة.

خامسا:أبو الكوارع يجري أول عملية جراحية:

لم يقف الأمر عند المناظرة العبثية التي يناظر بها أبو الكوارع، فقد انضم إليه فئة من الجزارين منهم أبو ساطور للجراحة العاجلة،  وزعَم أنه قادر على إجراء عملية جراحية عاجلة، والتجربة هي خير برهان على الحقيقة التي ينادي بها الجزارون، وتحقيق العدالة والمساواة بينهم وبين الأطباء، وأنه قد آن للأطباء أن يعترفوا بحق الناس في المعرفة، وأنها ليست حكرا على  الأطباء، فالأطباء بشر يمكن أن يخطئوا كغيرهم، وللتأكيد على وجهة نظر الجزارين، أعلن أبو الكوارع أنه سيقوم بأول عملية جراحية في الرقبة، ليؤكد على نظريته الجديدة التي آمن بها جيل الشباب المتطلع للتغيير والإبداع، وحق المساواة بين الجميع: جزارين وأطباء.

سادسا: الجمهور يرحب بإجراء العملية الجراحية:

رحب الجمهور بشجاعة أبي الكوارع وبطولة أبي ساطور رُوّاد التغيير، وقد زاد من ثقة الجمهور أن أبا الكوارع قام بتغيير واجهة مجزرته، وأصبحت تشبه عيادات الأطباء، حيث الكراسي البيضاء، والمجلات الصحية التثقيفية،  وأصبح يفحص المواشي بسماعة الطبيب، للتأكد من الحالة المعنوية للشياه قبل ذبحها، مما عزز ثقة الشباب بمشروعه النهضوي والحضاري، وهنا رحب الجمهور بأول عملية جراحية لإنسان سيقوم بها أبو الكوارع برفقة الجرَّاح الكبير “أبو ساطور”، وأعلن أبو ساطور بأن المجتمع يجب أن يقدم التضحيات في سبيل الحقيقة  وإلا فإنها ستموت، خصوصا وأن الأطباء المتشددين ما زالوا يحاولون يائسين أن يعيدوا الكَرّة لاسترداد خسائرهم المادية والمعنوية في المجتمع، بعد مناظرة أبي الكوارع لهم  على قناة الحق الضائع.

سابعا: لا بد من التضحيات من أجل الحقيقة:

1-أعلن أحد رسل الحقيقة وسفراء المعرفة بأن وقت التضحية قد حان، وأن الشاب الذي سيتقدم لإجراء العملية سيكون شمعة تضي درب المعرفة لمن وراءه من الأجيال القادمة، وأنه قربان الحقيقة الذي سيفضح أمر الأطباء الذين استولَوا على عقول الناس ظلما باحتكارهم المعرفة، فتقدم شاب يعاني من شد عضلي في رقبته، وقدم نفسه قربانا للحقيقة، ولبس أبو ساطور وأبو الكوارع لباس العمليات كالأطباء، وأُدخل القُربان على عَجَل، وانتظر الجميع بشغف نتيجة العملية الجراحية الصعبة التي سيقوم بها الثنائي الـمَلْحَمِي: أبو ساطور وأبو الكوارع.

2-النتيجة مؤلمة جدا، توفي القربان تحت العملية،خرج أبو الكوارع إلى الجمهور الذي يقف على أعصابه منتظرا النتيجة، وهو يخاف من شماتة الأطباء، ولكن أبا الكوارع خرج رابط الجأش، وتكلم أمام الجمهور بشجاعة، نعم يا إخوة لقد غادرنا اليوم أحد شهداء الحقيقة والمعرفة، فلا نامت أعين الأطباء، الشامتين بنا  وبمسيرتنا العلمية الواعدة، صفق الجمهور لشجاعة أبي الكوارع في هذه اللحظة الحرجة في عصر النُّور، وأشاد أبو ساطور بشجاعة أبي الكوارع أثناء إجراء العملية، فقد كانت خطرة، وفي مكان لا تصلح فيه إلا يد أبي الكوارع الماهرة، ولكن الحالة كانت صعبة جدا، ويكفينا فخرا أن هذه هي أول حالة تتوفى بين يدي أبي الكوارع، بينما الوفيات على يد الأطباء كانت أكثر بكثير، وهذه ميزة فريدة لإجراء العلميات في عيادات أبي ساطور للجراحة العاجلة.

ثامنا:الأطباء يضطرون لقبول التحدي مرة أخرى:

1-صُدم الأطباء صدمة كبيرة من هذا الجنون، ولكن الصدمة أكبر هي في الجمهور الذي ما زال يصفق لأبي الكوارع رغم خطيئته بقتل ما سمي بقربان الحقيقة، والفاجعة الأكبر أن أبا الكوارع أعلن  أنه سيقوم بعملية جراحية كبرى، وستتكلل هذه المرة بالنجاح التام بحسب زعمه، وستكون شوكة في حلق الجامدين والمتحجِّرين، وهنا أعلن مجلس الأطباء مضطرا أنه سيقبل التحدي مرة أخرى، وسيرشح طبيبا منافسا لأبي الكوارع، وسيقوم كل من الرجلين منفردا بعملية، يثبت خلالها كفاءته في الجراحة.

2-بعد هذا الإعلان سارت الركبان بأخبار المنافسة، لكن بطريقة مختلفة، حيث اعتبر أبو ساطور  أن هذا أول اعتراف ضمني من قبل الأطباء بأن للجزارين الحق في ممارسة المهنة نفسها مع الأطباء في جراحة البشر، وأكد أبو ساطور في تصريح لوسائل الإعلام إننا مع مبدأ المساواة الشاملة، فكما أنه يجوز للجزارين ممارسة الجراحة على البشر، فإنه يجوز للأطباء ممارسة الجراحة على البقر، وهذا من دقائق مسائل المساواة بين الجزارين والأطباء، وحتى يتحقق التنافس الشريف والمساواة بين الجميع، فعلى الطبيب أن يجري عملية جراحية على بقرة، بينما يقوم طاقم أبو الكوارع الجراحي بإجراء العملية على الإنسان.

تاسعا: الأطباء يرفضون إجراء العملية على البقر:

1-أعلن مجلس الأطباء رفضه القاطع لعرض الجراح البارع أبي الكوارع، حسب تداول وسائل الإعلام الحرة، وفي استطلاع جماهيري قامت به مؤسسة “بهايم نيوز”، أن الجمهور يعتقد أن إعلان الأطباء يعني الهروب من المنافسة القوية مع الجزارين، وهذا يضعف موقفهم كثيرا، حيث أصبح أبو الكوارع وأبو ساطور نماذج الحداثة والتطوير في المجتمع، بينما وقف الأطباء جامدين في مجال الحداثة والتطوير، وأن الزمن سيتجاوزهم، لأن التطور هو سنة كونية، وعلى الجيل القديم أن يترك المجال للأجيال القادمة.

2-وخاف مجلس الأطباء من ضحية جديدة على يد أبي الكوارع، فطالب الأطباء بأن ينعقد مجلس حكماء البلد للبتّ في طلب الأطباء بأن تجرى العملية على البشر فقط، حتى يتضح التنافس بين الجزارين والأطباء، فليس من العدل أن يجري الجزار العملية على البشر، بينما يجري الطبيب العملية الجراحية على البقر، وهنا استجاب مجلس الحكماء لطلب الأطباء، فأرسل الحكيم القدير أبو حَـنـَك للبتّ في المسألة، وقد اختار أبو حنك عضوين محايدين من مجلس الحكماء، ليكون الحكم أكثر عدالة، وتكون اللجنة فردية على ما هو معروف في لجان النزاهة في الدول المتقدمة، وقد قامت اللجنة بدراسة مسحية دقيقة للمشكلة، تابعتها وسائل إعلامية وتحت رقابة المجتمع، وقد خلصت لجنة أبي حنك إلى النتائج الآتية:

بعد إجراء الدراسة على كل من مجال عمل الأطباء والجزارين، وإجراء الدراسات المسحية الدقيقة تبين ما يأتي:

أ-كان الأطباء يجرون العمليات  الجراحية على البشر بينما يجري الجزارون عملياتهم على البهائم.

ب-بما أن البهائم لها عين وقلب ودماغ ورقبة ورئتين وتتشارك مع الإنسان في كثير من المكونات، فإننا نقول إن ما يجمعنا مع البهائم هو أكثر مما يفرقنا، ولا فرق بين الناس والبهائم، وعلينا أن نحيي المشتركات بيننا، ونبتعد عما يفرقنا.

ج-لا بد من إنهاء حالة الإقصاء للآخر من قبل الأطباء، ومن حق الجزارين أن يطالبوا بالمساواة بناء على ما ورد سابقا في (ب)، وأن من حقهم إجراء العمليات الجراحية على البشر بشرط أن يكون الجزار مرخصا حسب الشروط المرعية في النظام والقانون.

د-إن المساواة تقتضي أن يقوم الطبيب بإجراء عمليته الجراحية على بهيمة، تأكيدا على اعترافه بالآخر، وأن رفضه إجراء جراحته على البقر هو إقصاء للآخر، وتشكيك في العدالة والمساواة التي يؤمن بها المجتمع المتحضِّر.

هـ-لا تتحقق المساواة إلا إذا كان الشخص الخاضع للعملية له شكل مقارب للبهيمة تحت العملية، وقد اعتمدت لجنة الحكماء الوزن لتحديد التقارب، ولتكون العملية أكثر مساواة وعدالة، يرجى الالتزام بالبيانات الآتية: وزن إنسان أقل من 60 كغم، يقابله شاة، وزن إنسان من 66-100 يقابله بقرة، وأكثر من 100 يقابله جمل.

و-إذا أصر الأطباء على أن تقتصر العملية الجراحية على الإنسان فقط، فيمكن أن يعطوا هذا الحق بشرط، أن يجري أبو الكوارع العملية على أحد الأطباء مراعاة لطلبهم وإصرارهم، واحتياطا لأرواح المواطنين الأبرياء.

والشيطان ولي التّضليل

https://www.facebook.com/drwalidshawish/#

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

صبيحة الجمعة المباركة 23-9-2016

عمّان الأمان