نموذج الشك الديني العام  ورفع الحصانة عن السنة

تمهيد: مقدمات الشك العام:

  مرحلة الشك العام تعني أنه أصبح فيها كل شيء مختلف فيه حلالا وحراما وكفرا وإيمانا، وكانت مرحلة الشك مدعومة بالمتشابهات، محرومة من المحكمات، وظهرت حالة المشاقَّة في الدين، مما يعني  ضرورة الحديث عن الخطوات التي مهدت لمراحل الشك العام الآتية: 

1-التشكيك في المنهج الأصولي:

يمثل المنهج الأصولي القواعد الأصولية التي تضبط المسافة العادلة بين النظر الإنساني والنص الرباني، بحيث يبقى النص حاكما والإنسان محكوما، وإن أي اختلال في هذه المسافة يعني التفسير النفسي الانطباعي للنص الذي سيطيش بالميزان، ويعيد إنتاج رجال الدين الذين يتحكمون في النص، بحسب ما يظهر لهم، ثم تظهر تناقضات الغلو والانحلال من الشريعة، ويعاد إنتاج الطوائف من جديد، ويُعَدُّ الإجماع الثابت ومعالم أهل السنة في ثبوت النص وفهمه، قواعدَ صارمة تحمي من استغلال المتشابهات في هَدْم المحكمات.

2-التشكيك في المدرسة الفقهية السنية في مذاهبها الأربعة المتبوعة.

تمثل المدرسة الفقهية السنية المتبوعة مدونة العمل والفهم للشريعة المتصلة بالسلَف، وتمثل ثمرة الأصول الواضحة البينة، وإذا نظر الفكر المعاصر إلى تلك الفروع في معزل عن أصولها رآها مخالفة للتفسير الانطباعي عنده المجرد عن تلك الأصول،  وكان نظره من غير أصول اجتهادا بلا مجتهد، وعرسا بلا عروس، وترجيحا بلا مرجح، ثم  تناقضت عليه ظواهر الشريعة بسبب التفسير المكتفي بدلالة الفتوى من أول نظرة، وتحولت النصوص إلى ظواهر يُلغي بعضها بعضا، وأدى ذلك إلى حالة عدمية للأدلة، مع الحفاظ على التفسير النفسي على أنه نوع من التجديد والعودة إلى المنابع الصافية،  التي كانت في الحقيقة هدم البناء الفقهي، والعودة إلى الصفر.

3-الأئمة ليسوا معصومين:

تم في هذه المرحلة هَدْم الاجتهاد في رُتَبه المتعددة، بدعوى عدم عصمة المجتهدين، وأقال مَن لا رتبة له في الاجتهاد الإمام الشافعي بقول الشافعي نفسه: إنْ صَحَّ الحديث فهو مذهبي، وإحالة الإمام مالك إلى التقاعد بقوله كل يؤخذ من قوله ويُرَد، وأصبحت كلٌّ يأخذ من مالك ويَرُدّ، وتم إنتاج نُسَخ مُدَبلجة ومتصارعة من الشافعي ، وازدحم مدَّعو الاجتهاد على غير وضوء في محراب الاجتهاد، وصارت الرواية عن مالك، ولكن رُكِّب عليها  معنى محدَث بحسب ما يراه التفكير الديني المعاصر، وهي حالة تُوضَع فيها الأحكام على ألسنة الأئمة بناء على افتراض أنهم لو اطلعوا  على جوجل والمكتبة الإلكترونية لوجدوا كثيرا من الأحاديث فاتتهم.

5-الصحابة ليسوا معصومين:

حتى إذا بلغنا رتبة الصحابة رضي الله عنهم وحصل توهم الفكر الديني المعاصر معارضة قول الصحابي للسنة بعد هدم رتب الاجتهاد بدعوى الأخذ من النص مباشرة، ظهرت دعوى أن الصحابة ليسوا معصومين، وأننا متعبدون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو المعصوم.

6-وصول الشك إلى جوهر الرسالة:

بعد الانتهاء من هدم المدرسة الفقهية في جيل الصحابة ومن بعدهم، جاءت المرحلة الآتية، وهي ولا بد من عرض السنة على الكتاب فما تعارض مع الكتاب طُرِح وأُخِذ بالكتاب، وكَثُر وهْمُ تعارض السنة مع الكتاب في أذهان المقتحمين بدعوى اتباع الدليل في أنفسهم من غير أصول ولا مدارس فقهية متبوعة،  وبنَوا حصونهم على الأقوال المنقطعة والمضعفة، والروايات المهجورة،  ثم بعد ذلك أصبح الكتاب بين أيديهم مُـجْمَلات ومحتمِلات ومشترَكات ومباديء عامة لا تفصيل فيها، نتيجة طبيعية لتسلسل الخطوات السابقة، ولكل امريء منهم ما اكتسب من الشك.

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان المحروسة

   13-جمادى الأولى  -1442

   28- 12 -2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top