من هو الفقير الذي يعطى من الزكاة؟ ليس حسنا…ليس حسنا مرة أخرى

أولا: وصف الفقير تاريخيا:

أوجب الله تعالى الزكاة للفقراء، فقال تعالى : (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، ولكن الشرع لم يحدد ضوابط للفقر عند تنزل الوحي، وترك ذلك للمجتهدين بحسب أحوالهم، فاجتهد الفقهاء في تعيين الفقير والمسكين وفق ظروف زمانهم، فدارت الضوابط بين من يملك قوتا ولا يكفيه، أو لا يملك أصلا، أو عدم وجود ما يسد الحاجات الأصلية بحسب ظرفهم، وعلى ذلك جرى تنزيل الآية الكريمة حسب الوقائع المختلفة في الزمان والمكان.

ثانيا: النص الشرعي متسع لوقائع كثيرة لا حصر لها في الزمان والمكان:

1- وما وضعه الفقهاء في وقتهم، هو ضابط عرفي بحسب الزمان والمكان، والمسلمون اليوم ينزلون النص نفسه على وقائع مختلفة عن الوقائع السابقة، ويلاحظ هنا أن النص الشرعي عام في كل فقير ومسكين، ولم يحدد ضوابط لما هو فقير ومسكين، لِعِلم الله تعالى الأزلي بمستجدات الحياة الإنسانية، وأن الحاجات في العصور الماضية، لن تبقى هي الحاجات الأصلية دائما، بل سوف تستجد حاجات إضافية أخرى، نتيجة تطور الحياة البشرية في: الصناعة، والطب، والتجارة، والاجتماع، مما يولد حاجات جديدة لم تكن موجودة حين تنزل النص الشرعي.

 2-والتقييد بالنص الشرعي على ما كان من الحاجات في ذلك الوقت، هو قصر للنص على ذلك الزمن، لذلك أطلقت الشريعة في الضوابط للفقر، وتركت ذلك للمجتهدين والفقهاء، في تعيين ضوابط الفقر، في كل زمان ومكان وفق ما يقتضيه حال الناس، وعدم ضبط الشريعة لوصف الفقر حسب حاجات البشر في عهد التنزيل، هو سر من أسرار قوة النص وصلاحيته، وليس الأمر –حاشا لله- أن يكون غفلة، بل هو كتاب وسنة من عند العالم بما كان وما هو كائن وما سيكون، وهذا مثال واضح على اتساع النص الشرعي، لجميع ظروف الزمان والمكان، خلافا لمن جعل التاريخ دينا، وما زال يقول الفقير أو المسكين من يملك قوتا ولا يكفي أو لا يملك أصلا، دون أن يراعي الواقع الذي يعيش فيه، وينزل النص الشرعي على محله بشكل صحيح.

ثالثا: ليس حسنا أن يحول التطبيق التاريخي دينا إلى يوم القيامة:

1-أما في زماننا فليس حسنا أن نتحدث عن الفقير أو المسكين حسب التوصيف التاريخي لهما، وهو من يملك قوتا لا يكفيه، أو لا يملك أصلا، لأننا عند ذلك نستدل بالتاريخ، وحوَّلنا التاريخ شرعا، ونسينا الأصل الشرعي في ذلك وهو قوله تعالى:( إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، وإن تنزيلها على الواقع يكون بتحديد الوصف المناسب الذي تتنزل عليه الآية في واقعنا اليوم، وليس في واقع القرون الأولى في الإسلام، والنظر الفقهي اليوم يكون بتقدير الحاجات الأصلية للإنسان وفق الواقع الجديد، وهو أن الفقير أو المسكين، لا تتوفر لديه الحاجات الأصلية، وهي: الطعام، والشراب، والمسكن، والملبس، والدواء، والمواصلات، والماء والكهرباء وتكاليف التعليم للأبناء في المدراس، فهذه الأوصاف في الفقير أو المسكين يستوعبها النص الشرعي، لأنه لم يضع ضابطا وفق العرف السابق للفقر عند تنزل القرآن، حتى لا يصبح النص الشرعي حَبِيسا لذلك العرف الماضي.

 2- ويمكن أن نستفيد من الدراسات التي حددت مستوى الفقر المطلق والفقر المدقع والحاجات الأساسية للإنسان في إعطاء مؤشرات للمزكين لمعرفة الفقراء، حيث بلغ خط الفقر في الأردن على سبيل المثال في سنة 2010، لعائلة من ستة أفراد هو 815 دينار، ويمكن أن تعطى الأولوية للفقر المدقع، وهو فقر الغذاء عند توزيع الزكاة وفق الإحصاءات التي تبين جيوب المناطق الأكثر فقرا، وهذا مهم في حكم نقل الزكاة إلى المناطق الأكثر فقرا، وكل ذلك يتسع له النص الشرعي العابر للزمان والمكان، وقَصْرُه على التطبيقات التاريخية الماضية ليس حسنا.

رابعا: ليس حسنا مرة أخرى قَصْر النص على التاريخ:

كما رأيت أن هناك من المصلحين والفضلاء من يسحب الحالة التاريخية إلى واقعنا اليوم ويجعلها أصلا، ويترك الأصل وهو النص الشرعي، وهذا يلتمس له العذر ونحسن به الظن،ولكن هناك خطأ آخر، بل هو خطيئة كبرى، وهو من يجعل الدين تاريخا، كطائفة اللادينيين الذين يجعلون التاريخ سلطانا على النص، ويريدون أن يحجروا على  كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم، تحت سلطان الواقع والتاريخ، وهو أن يبقى النص الشرعي حبيسا للواقع التاريخي الذي نزل فيه. هذا بالرغم مما رأينا سابقا قوة النص الشرعي في واقعنا اليوم، وقدرته على استيعاب صور الفقر الجديد في المجتمع اليوم، وهنا يظهر سؤال ضروري، وهو ما الفرق بين هذه الطائفة  وبين سلفهم من المشركين الذين قالوا في كتاب الله تعالى: (إنْ هذا إلا أساطير الأولين)، فأخبروا أن هذا الكتاب هو أخبار ماضية ليس إلا،  أليس من يسمون أنفسهم حداثيون من القائلين بتاريخانية الشريعة، وأنها لا علاقة لها بالواقع الآن، هم مقلدون تقليدا أعمى لأسلافهم من أعداء الرسل والأنبياء.

مقالة ذات علاقة: أسئلة الفقر في الأردن بين الظلم الاجتماعي والطَّـــرَم المعرفي

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة 4-6-2016

2 thoughts on “من هو الفقير الذي يعطى من الزكاة؟ ليس حسنا…ليس حسنا مرة أخرى

  1. يونيو 4, 2016 - احمد موسى صيصل

    جزاك الله دكتور .

    لكن يا دكتور / بالنسبة التعريف المذكور آخيرا

    بعض الأشياء المذكورة فيه ليس من اساسيات الحياة
    التي يتعرف بها الإنسان فقيرا ً ام لا !
    كالكهرباء مثلا ، والمواصلات
    فهذه تكون معدومة تماما في بعض دول العالم
    لا توجد لديهم كهرباء لطول الأبد
    والمواصلات ممكن تكون على الماواشي وغير ذالك !

    هل هذا يعد من علامة الفقر ؟
    وطبعا هذه الحالات تختلف من بلد لآخر ، والقران جاء لكافة الناس لم يفرق بلد عن بلد ! فيكون النص عام لكل الناس !

    وشكرا جزيلاً لك يا دكتور

  2. يونيو 4, 2016 - د. وليد شاويش

    الأخ أحمد ليست الزكاة في الضروريات بل هي في الحاجيات ويعبر الفقراء عنها بالحوائج الأصلية وبفواتها يلحق صاحبها الحرج والمشقة وليس الهلاك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top