مناظرة الحكواتية الحكواتية اللُّوْثَرية وعلاقة ذلك بكهنوت رجال الدين

1-كان رجال الدين في العصور الوسطى يحتكرون تفسير الكتاب المقدس، وبعد حركات الردة عن الدين بسبب جرائم الكنيسة ضد العلماء في العصور الوسطى، أصبحت هناك حالة ردّة عكسية، تزعم بأنه لا يجوز أن يحتكر تفسير النص رجال الدين، وأن لكل أن يقرأ الكتاب المقدس ويفهمه كما يشاء، وأنه لا يجوز لأحد أن يمنح صكوك الغفران، أو الحرمان، وأن مجرد الإيمان باليسوع هو شرط للغفران دون أي عمل آخر، إلى غير ذلك من المقولات، التي تزعم أن من مات على الكفر يدخل الجنة، مما يعني إبطال الرسالة المحمدية، ما دام الذين يموتون على الكفر في الجنة حسب مقولات القِس مارتن لوثر.

2-ولم يكن دور الحكواتية إلا نقل تلك الثقافات التاريخية إلى المسلمين على أنها هي الحداثة، وأرادوا يهدموا المرجعية السُّنية العلمية، التي لا تؤمن بسلطة دينية أصلا، على اعتبار زعم الحكواتية أنها سلطة دينية غصبا عن الحقيقة، ليتمكنوا من أداء دور مارتن لوثر مع الكنيسة في ديار المسلمين، ثم تطبيق فكر القِسّ مارتن لوثر على الإسلام، وهو أن من حق الجميع تفسير القرآن الكريم والسنة بما يراه مناسبا، وأن الفقهاء لا يجوز لهم أن يتدخلوا بالحلال والحرام، لأنها وجهات نظر صواب وخطأ، ولم يجعل الله الجنة بيد أحد، ولا أحد وصي على الدين، وأن الإيمان كافٍ للنجاة دون عمل أو تحديد ما هو الإيمان على التفصيل وبدقة، وهي جميعا ردود مارتن لوثر على الكنيسة وليست على دين المسلمين، لأن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (ليس لك من الأمر شيء)، وأن دوره صلى الله عليه وسلم هو البلاغ، وأن كتاب الله نطق على الكافرين بالحق، وسنة نبيه وحي من الله، فالكل من عند الله، وليس دور الفقهاء من ورثة النبوة إلا البيان عن  الله ورسوله، وفق قواعد علمية موضوعية، تحارب كهنوت رجال الدين، وتكشف زيف رجال اللادين.

3-يعني باختصار كان الحكواتية في مقولاتهم مقلِّدين تقليدا فجًّا للقسيس مارتن لوثر وغيره، في بيئة إسلامية لا تعتقد أصلا بمقولات الكنيسة، ولا بردود مارتن لوثر عليها، إذ إن لأمتنا نظام معرفي علمي مختلف تماما في التلقي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم، فجاء حديث الحكواتية نشازا مبتورا عن الواقع، فهم قوم يؤذِّنون في غير عصرهم، ويستوردون تاريخ أوروبا ومشكلاتها التاريخية إلى ديار الإسلام، مع أن عندنا من المشكلات الحقيقية من فقر وتخلف علمي بحثي ما يكفينا، ويزيد زيادة كبيرة صالحة للتصدير.

4- إذن، لم يتحدث الحكواتية من بُـنَيَّات رؤوسهم، بل جاءوا إلينا ليحدثونا عن الإبداع والعقل، وهم ساجدون في معبد التقليد الأعمى للمستشرقين، ويحملون المباخر والمجامر في معبد التقليد، ويقومون بالتدخين لأرواح المستشرقين  التي هلكت من أجل فناء الإسلام، ولكن بقي الإسلام وهلكوا، وسأبقى أقولها دائما: من تمرَّد على الحق سجد في أوحال الباطل، وما ذلك إلا علامة من علامات الحرمان لأهل العناد والجامدين على مقولات القس مارتن لوثر والمستشرقين وتغليفها بألفاظ شرعية، فيجعلون لوثر هو القلْب وألفاظ الشريعة هي القالَب، لتسويق بضاعة فكرية مضروبة، وهذا الغش ليس فكرا، بل هو حالة من التزوير والتدليس على مستهلكي الثقافة الرديئة.

 5-سأبقى أنشد دائما قول الشاعر:

إذا أنت أَفْنَيْت العَرانين والذُّرى    رمَـتْك الليالى من يد الخاملِ الذِّكْر
وهَبْك اتقَّيْت السهم من حيث يُـتـَّــقى فَمَن لِيَدٍ ترميك من حيث لا تدري

علينا بعرانين الفقه والأصول، والشُّمّ الكرام من جهابذة علم الحديث، أئمة المعقول والمنقول، ولا فائدة من نقاش المُوَسوَسين من الحكواتية وأتباعهم، حيث تختلط هستيريا التقليد بوهم الإبداع، وعلينا تعليم أبناء المسلمين أصول المعقول والمنقول عند أئمة السلف الصالح، هذا أفضل من الوقوع في فخ الاستنزاف الذي نصبه لنا اللَّواثرة، وإن انشغالنا ببناء مجتمعاتنا والتعليم أولى، وأبناؤنا أحق بوقتنا.

6- أما اختلاف الناس في مناظرة الحكواتي فإني أراه مقلِّدًا فَجَّ التقليد لسيده مارتن لوثر، ولا تجدي معه مناظرة، لأن العبد مشغول بخدمة سيده، وإن كان من فائدة في المناظرة، فإنما هي ما يظهر من حجج وبراهين على قوة بناء هذه الشريعة في معقولها ومنقولها، ما يعجز عن فهمه أولئك المُقلِّدة، وهم أيضا عاجزون عن فهم جهود سلفنا الصالح الذين أقاموا بنيان الفقه على تقوى من الله، وكما أنني آمنت بالله ورسوله، فإنني سأبقى مؤمنا بتلك الأمة التي آمنت بالله ورسوله، وعلى الباغي تدور الدوائر، والله هو الهادي إلى سواء السبيل.

الطريق إلى السنة إجباري

walidshawish.com

3-6-2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top