مما يصعب على العقل فهمُه وعلى القلم رسْمُه…هل ديننا دين العقل أم دين النص؟

تمهيد:

يسأل أحدهم: هل ديننا دين العقل أم دين النص، فلا أجد لسؤاله جوابا إلا أن أقول: هل محمد صلى الله عليه وسلم إنسان أم نبي، وهل المرأة إنسان أم أنثى، وهل الإنسان يأكل أم يتنفس؟ وهذا الجواب، ليس جوابا شرعيا يقوم على تأصيل علمي فقهي أصولي، ولكنه محاكاة لعقلية السائل، وهذا يسمى دليل خطاب، ويعتمد على أسلوب الإقناع، لا على التأصيل الشرعي العميق، والبرامج الحوارية المتلفزة ينتصر فيها من كان أكثر لباقة وقدرة على الوصول إلى قلوب الجماهير، بخلاف صاحب التنظير العلمي الذي سينطلق من أسس علمية تحتاج إلى تدريس وتعليم وخبرات سابقة لدى الجمهور، وهذا يفسر رواج سوق الحكواتية في الإعلام هذه الأيام، بسبب طبيعة الجمهور لا بسبب غياب العلماء، وهذا لا يعني دور العلماء دور كاف، بل ما زال يعتريه جانب من القصور.

أولا: التأصيل الشرعي للجواب على السؤال:

إن التأصيل الشرعي يقوم على تقسيم الأحكام إلى ثلاثة أقسام: الحكم العقلي، والعادي والشرعي،

1-أما العقلي: فقد أحالت عليه الشريعة مطلقا، مثل علم الرياضيات والعقلي القطعي الذي لا يختلف فيه الناس، مثل لكل فعل فاعل، ومثل ذلك استنتاجات ضابط الشرطة، في تتبع المجرم عن طريق الاستنتاجات المنطقية من سير الأحداث، وهذا لا يختلف فيه الناس بل هو العقل الطبيعي القطعي الذي لا فرق فيه بين البشر.

2- أما العادي: مثل الفيزياء والكيمياء والنظم الإدارية التي تعرف بالعادة، مثل قانون السير فإن الشريعة أحالت الناس على أصول كلية، مثل: المصالح، وسد الذرائع، وارتكاب المفسد الدنيا لدفع المفسدة العليا، وقد سرحت الشريعة العقل في العقليات والعاديات مسرحا واسعا، وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في تأبير النخل: أنتم أعلم بأمور دنياكم، وهذا المجالان القطعي والعادي اتفقت فيهما البشرية ولا يختلفون في ذلك البتة.

3-أما ما يتعلق في الفكر والسلوك: مما لا يعرف بالعقل مستقلا أو بالعادة، فقد جاءت الشريعة ببيانه وتفصيله، مثل أحكام الزوجية والطلاق وبيان الصلاة والزكاة، وتحريم الغرر والقمار والربا في المعاملات، فهذا مما يضطرب فيه البشر، ويكون سببا في الوقوع في التظالم، فجاءت الشريعة ببيانه بيانا كافيا في الوحي بشقيه الكتاب والسنة، وتُعدُّ الإجماعات العقدية والفقهية، حواجز الأمان للبشرية من الوقوع في التظالم، وهذا هو باب النبوة وأنها هي الرحمة بالعالمين، حتى لا يصبح البشر فريسة النصابين من رجال الدين ورجال اللاّدين، ويتضح لنا أن الشريعة أطلقت في العادي والعقلي وهذا هو المتغير دائما، أما الشرعي فهو ما تعلق بدليل شرعي تفصيلي، وله جانب حمائي كبير للبشرية من الوقوع في التظالم. 

ثانيا: لا فصل بين النص والعقل:

1-يتبين مما سبق أن الشريعة سرَّحت العقل في العقليات والعاديات مسرحا واسعا، وأطلقت له العِنان، في التطوير والاكتشاف في الكون، وحيثما يمكن أن يتخبط العقل كتخبطه في الاشتراكية والرأسمالية، أحالته على النبوة كتابا وسنة، فينظر العقل في الوحي ويستنبط وفق قوانين وقواعد حاكمة، يكون فيها العقل السليم، ذلك الدّلو النقي الذي ينزح من  معين الوحي الصافي ماء سلسبيلا صافيا سائغا للمستفتين عن الحكم الشرعي.

2-هذا مع العلم بأن الشريعة هي المهيمن الذي أحال على العقل والعادة، بمعنى أن المرجعية العليا في الإحالة على العقل والعادة هو الشرع، ومسرح العقل ضروري في الفهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكن العقل يسير في الوحي كتابا وسنة بقوانين منضبطة تكفل موضوعية وانضباطية الحكم الشرعي، وتضمن صحة تسمية الفقه الإسلامي علما له منهج علمي يناسبه، كما أنه يسير في بحثه في المختبر وفق منهجية علمية ضرورية للوصول لنتائج صائبة.

ثالثا: أين تكمن المشكلة (تحويل الدين إلى تاريخ والتاريخ إلى دين):

1-إن المشكلة الحاصلة اليوم في حالة الصدام بين الفكر اللاديني الذي يريد أن يحول الشريعة إلى تاريخ، وإلى حقل الأحكام العادية، والفكر المتدين الذي يريد أن يحول التاريخ إلى دين، ويريد أن يقحم الأحكام العادية في الشريعة، فالفكر اللاديني ما زال يعيش تناقضات النصوص الدينية، مع العلم والنص في الكتب المحرفة، التي تلاعبت بها يد الأحبار والرهبان، وهو يعيش في متاهة العقل والنقل.

2-ولا تعنينا حالة الوسواس القهري بين العقل والنص في الفكر اللاديني المستورد، نتيجة صدام الكنيسة مع العلم في أوروبا في العصور الوسطى الأوروبية، ونحن لا نستورد العقد النفسية والتاريخ، وإن أردت مثالا على هذا الوسواس فهو هذا السؤال: هل ديننا دين العقل أم دين النص؟، وهو يعبر عن حالة هيمنة إعلامية في حقل الثقافة، وأقول ختاما: أعيدوها على قواعد إبراهيم.

مقطع فيديو لتوضيح أنواع الحكم: العقلي والعادي والشرعي.

الطريق إلى السنة إجباري

عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

غفر الله له ولوالديه

عمان المحروسة

صبيحة الجمعة المباركة

27-1-2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top