مصرف العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب

الصوتية 48: مصرف العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب.
أولا: مصرف العاملين عليها:
1-التعريف بالعامل:
العامل من الفعل عمل، ومصدرها العمالة، وما يعطى عليه من أجرة يسمى العُمالة أو العِمالة، وهو يستحق الأجرة على عمله ولا بد أن يكون منصبا من قبل الحاكم، ويجعل له الحاكم أجرة أو مكافأة على هذه الوظيفة، وينبغي أن يكون عالما بأحكام الزكاة إن كان مفوضا تفويضا عاما من قبل الحاكم، حتى يأخذ الزكاة من أهلها ويعطيها لأهلها.
2-شروط العامل: بالغا عاقلا، عالما إن فوض له الأمر، أما في حال وجود تعليمات فينفذ التعليمات، والحاكم الآن هو مؤسسة الحكومة، ويجب أن تعين حاكما يجبي الزكاة، ولعل هذا من الأمور المعطلة.
3- هل يعتبر الموظفون في جمع التبرعات من العاملين عليها؟
وهناك بعض الناس يتولون جمع التبرعات لمسجد أو دار أيتام أو مساكين، وقد يكون نسبة متفقا عليها مع الجهة التي تفوضه، أو قد يفوض نفسه لنفسه بنسبة مما يجمع من مال، أو مبلغا مقطوعا، وذلك بذريعة أنه يعطِّل يومه وله نفقة سيارته، وله حق في هذه النسبة، ويقررها لنفسه بقوله تعالى: والعاملين عليها، وغالبا لا يوجد مسلم متدين يأخذ المال سرقة أو رشوة ، ولكنه يستند إلى اجتهاد وظن منه، فأفتى لنفسه بأنه من العاملين عليها، وهذا لا يجوز شرعا، ولا يستحق منه فَلسا واحدا، وشرط العاملين عليها أن يكون منصَّبا من قبل الحاكم، ولا بد من وجود نظام مالي للمحاسبة، ولكن هناك من نصب نفسه للأخذ من أموال المسلمين دون تفويض، مع العلم بأن من يدفع الصدقة نصف دينار أو دينار لا يحسب أنه يدفع مصاريف شخصية لمن يجمعون التبرعات، وهذا من أكل أموال الناس بالباطل، والأصل في أموال الناس التحريم ولا تستباح إلا بيقين، ومثال ذلك أيضا كأن يقول الموظف أنا ظُلمت في العمل ولا يعطونني إضافي فيأخذ عمولات لا تجوز من تحت الطاولة، ويستحل أموال الناس، ويكون هو الخصم والقاضي والشاهد لنفسه، ونذكر هؤلاء بقول النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث عمرو بن خارجة في معجم الطبراني، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ وَبَرة من بعيره، وما على جلد البعير يقال له وبر، أما الشعر فهو للماعز، والصوف للنعاج: قال الناظم: لإبل وأرنب يُعزى الوبر*** والصوف للنعاج والباقي شعَر.
فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- وبرة من بعيره وقال أيها الناس: لا يحل لي من مالكم هذا بعد الذي فرض الله لي (وهو الخمس ولا حظوا “فرض الله” لي ولم أفرض لنفسي) وما لأحد من بعدي من الغنيمة أزيَد من هذه الوبرة، ليس لنا من أموال الناس إلا ما أباحه الله، فكيف تستباح أموال المتصدقين بهذه الجرأة.
إذن العاملون عليها معينون من قبل الدولة، حسب نظام مالي ومكافآت وأجور، ويحاسَب بناء على نظام، وإن كنت تأخذ لنفسك يا جامع التبرعات ضع عند صندوق التبرعات لافتة اكتب عليها 15% من التبرعات هي أجرة لي، لن يجرؤ على كتابة ذلك لأنه لن يعطيه أحد، وعلى الجميع أن يبذل من ماله ومن نفسه لله تعالى، ولا يجوز استحلال شيء من أموال المسلمين إلا بالأمر الواضح.
ومن الأسماء في مجال جباية المال: العاشر، وهو الذي يأخذ عشور التجارة، والزكاة تحتاج إلى محاسبين وسيارات وسواقين لِنقْل أموال الزكاة إلى بيت مال المسلمين،  وهناك من يحرس أموال الصدقة، وهناك ما يعرف بالنقيب، وهو من يعرف الأغنياء حتى إذا أتى الساعي يدله على الأغنياء، وهناك “الحاشر” الذي يجمع الأغيناء لجابي الزكاة.
4- تكاليف الإدارة:
ونحن الآن يمكن أن نستفيد من الإدارة الحديثة في جباية الزكاة، فمثال ذلك يأتي الجابي إلى رجل عنده مائة طن قمح وجبت فيها الزكاة وفيها العشر، فتكون مؤنة التحميل على صاحب المال، والنقل على العاملين عليها، لأن المزكي مثل البائع، والمال في حوزة المزكي، فكما أن البائع عليه أن يحمل البضاعة فإن على المزكي أن يحمل مال الزكاة في سيارات الزكاة، وتكاليف عزل مال الصدقة عن المال يقع على المزكي لأنه عزل لمال الزكاة من مال المزكي، فإن كان العامل موظفا في الدولة ويتقاضى راتبا فلا يجوز له أن يأخذ من العاملين عليها.
5- اختلاف العامل والمزكي:
إن اختلف العامل مع المزكي في نصيب الزكاة، فقال العامل عليك شاتان لأن لديك 121 شاة، ولكن قال المزكي عندي 120 وفيها شاة واحدة، هنا لا يجوز للعامل أن يأخذ الزكاة مع الشك، فقد يظلم صاحب المال إذا أخذ شاتين، وإذا أخذ واحدة فقد يظلم الفقير، فلذلك يجب إعادة العد والحساب مرة أخرى، ولا بد أن نأخذ النصيب بيقين، ولا توجد أحكام في الدين تقوم على الشك، بل الشرع يقوم على البينة.
وبعد أخذ الزكاة من المزكي تصبح الأموال بيد مؤسسة الزكاة، فأيهما أفضل نعجل إخراج الزكاة لمستحقيها خشية أن تتلف أموال الزكاة قبل وصولها للفقراء أم نؤجل؟  فقد تتلف وهي بأيدي مؤسسة الزكاة بالإضافة إلى الكلفة على مال الزكاة في الرعاية والحفظ.
 وإذا هلكت بسبب تقصير من العامل كأن تهرب منه فإنه يغرمها، وأي تقصير من العامل يلزمه الضمان، أما في الجوائح كالفيضان فلا يضمن، وفي هذه الحالة هل يستحق الأجرة أم لا، فذهب الجمهور إلى أن العامل يأخذ الأجرة إذا تلفت الزكاة من غير تقصير، ويقدم حق العامل على الفقير لأنه مقابل عمَل وهو معاوضة، وأما الحنفية فقالوا: لا يعطى؛ لأن العامل يعطى من باب الكفاية وليس أجرة على عمل، فالعاملون لهم حقوق على مال الزكاة، ولكن هل حقهم من باب الأجرة أم إعطاء الكفاية.
6- الزكاة مؤسسة مستقلة ماليا:
وكأن الله تعالى يريد أن يقول للناس إن هذه الزكاة لا تكلفكم شيئا، ومصاريف الزكاة على مال الزكاة، ولا تخافوا على ميزانية الدولة، ولا تنفقوا على الزكاة من جيوبكم شيئا، فما الذريعة التي تعطل بها الزكاة؟ لاسيما وأن في الزكاة منفعة للناس، ولو طبقت الزكاة فإنها تكفينا مهمة وزارة الشؤون الاجتماعية، وتكون  حاجة هؤلاء الفقراء من مال الزكاة، ولا بد أن توجه الدولة الناس لإخراج زكاة المال، فما وظيفة الإعلام إن لم يحث على الزكاة؟! فمثلا: أيها المسلمون نحن في موسم القمح أو الزيتون فلا تنسَوا الزكاة، والناس فيهم الخير ولو أنهم يُذكَّرون فإنهم يتذكرون، والحكمة من بعث العمال لجباية الزكاة تذكير للناس بفريضة الزكاة، وتعليم لهم لإخراجها، فمنهم من لا يعلم كيف يخرج الزكاة.
ثانيا: المصرف الرابا:
ذهب الحنفية إلى انقطاع هذا السهم بعزَّة الإسلام، فلا حاجة لنا لإعطاء هؤلاء، أما الجمهور فقالوا إن سهم المؤلفة قلوبهم باقٍ ولكن ذهب الشافعية إلى عدم جواز إعطاء الكافر، وذهب الحنابلة والمالكية إلى جواز إعطاء الكافر من مال الزكاة إذا: تألفنا قلوبهم للإسلام، وإنقاذا لمهجتهم من النار، كمناطق كفار إذا وصلت لهم المساعدة، شعروا بطيب الإسلام وسماحته فيتألف المسلمون بهذه الأموال قلوب الناس فيدخلون فيه، أو يكرَم بعض الكفار تألفًا لقلوبهم للإسلام وكفًّا لشرهم عن المسلمين، ومع الأسف هناك من يخرج من المسلمين من الدين لعدم وجود رغيف الخبز، ومع الأسف الشديد هناك تقصير من المسلمين لتحقيق الكفاية للمسلمين، وهناك جهات تستغل حاجة المسلمين الفقراء وخصوصا الفقراء الجهلة الذين لا يعرفون الإسلام.
وقد يكون المؤلفة قلوبهم من المسلمين ممن لم يثبت على الإسلام بعد كأن يعطي بعض الزعماء رغبة في تأليف غيرهم وليس المال هو سبب الدخول في الإسلام للدفاع عن أرض المسلمين ومن يليهم من المسلمين الضعفاء، وهذا لا يكون للجان الصدقات ولا بد أن تحكم هذه المسائل بالأنظمة والتعليمات بمشاركة اجتماعية واسعة للمسلمين، ولا يكون ذلك من اختصاص الأفراد يتصرفون كيف يشاءون في أموال الزكاة، وأذكر أن أحد الدعاة مثل عبد  الرحمن بن سميط، الذي كان عمودا من أعمدة الإسلام في افريقيا وقد أتي برضيع يوشك على الموت فأحياه ب 25 قرشا، أنقذه من الموت، وهذا الشاب حفظ كتاب الله تعالى.
رابعا: مصرف وفي الرقاب: وهم العبيد الذين كانوا يباعون ويشترون، وقد فتح الإسلام المنافذ  لتحرير الرقيق، ويكون الولاء لبيت المال، ويعتبر السيد عصبة للرقيق فبعد أن يأخذ أصحاب الفروض فروضهم، ويرث السيد المعتق العبد بالعصبة، ومال الزكاة مال الفقراء لا يكون الولاء للمزكي بل ولاؤه للمسلمين لأن الزكاة مال المسلمين.
خامسا: تعظيم المنفعة في الزكاة:
بالنسبة للغني يشتري كل ما يحتاجه وبسهولة والألف دينار مثلا لا تمثل له قيمة، والدينار لا يساوي شيئا بالنسبة للغني، ولكن الدينار يساوي الكثير للفقير فقد ينقذ حياته، وتعظم قيمة الدينار عند الفقير، بينما النسبة 2.5 % لا تؤثر في قيمة الثروة للغني، ولكنها بالنسبة للفقير هي حياته ودواؤه وغذاؤه.
وهي أيضا تعظم المنفعة بالنسبة للغني في الآخر فقد ادخر حسنات فيها حياة الغني في الآخرة، وهذا معاني الزكاة وهو الصلاح للغني والفقير.
والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top