فتوى تحريم لعن إسرائيل والدعاء عليها في الميزان الفقهي والأصولي

ظهرت في الآونة الأخيرة فتاوى وآراء تحرم الدعاء على إسرائيل، ورحى الحرب تدور على المسلمين في غزة، نظرا لأن إسرائيل -وكما ورد في القرآن الكريم- هو اسم سيدنا يعقوب عليه السلام، وبناء عليه؛ فإن اللعن أو الدعاء على إسرائيل هو دعاء على نبي الله يعقوب عليه السلام، وهذا حرام شرعا، وقد استغرب الكثير من عامة المسلمين بفطرتهم ذلك، لسبب بسيط وهو أنهم لا يمكن بحال أن يدعوا على نبي من أنبياء الإسلام، وإنما قصدهم في دعائهم هو ذلك الكيان الغاصب الذي تعدى على دين الأمة ومقدساتها ودمائها، وفيما يأتي مزيد من التوضيح.

أولا: محاولة خطأ للرد على الفتوى:

وقد حاول بعض الإخوة أن يرد على هذه الفتوى، وذلك بأن الدعاء على إسرائيل يقع على تقدير محذوف وهو أن الدعاء على دولة إسرائيل بحذف كلمة (دولة)، فيكون الدعاء بتقدير حذف المضاف وهو (دولة) وتبقى كلمة إسرائيل، وحَذْف المضاف أمر معروف تشهد له اللغة، ولكن يؤخذ على القول بحذف المضاف بأن الدعاء هو على دولة إسرائيل، هو تسليم ضمني بأن إسرائيل هو يعقوب عليه السلام، ولا ينفك الإشكال على تقدير هذا المحذوف، فيكون الدعاء فعلا على دولة يعقوب عليه السلام، مع أن يعقوب عليه السلام بريء من شرك اليهود وفسادهم ودولتهم المارقة، وليس هؤلاء منه ولا هو منهم، فيبقى الإشكال في بقاء إسرائيل بمعنى يعقوب عليه السلام قائما، والقول بأن الدعاء على تقدير محذوف هو الدولة يبقى متضمنا المحظور شرعا، طالما أن (إسرائيل) تدل على يعقوب عليه السلام.

ثانيا: الصحيح حمل كلام الناس على عرفهم ومقاصدهم:

أما في الميزان الفقهي والأصولي القائم على: أن كلام الناس يُحمل على عرفهم ومقاصدهم، لا على المقاصد اللغوية ولا الشرعية الخاصة، فيندفع الإشكال، وهو أن الناس في دعائهم على إسرائيل، يراعى عرفهم في أقوالهم ومقاصدهم من الناحية الشرعية، وهو أن الدعاء واللعن ينصرفان إلى ذلك الكيان الغاصب المعتدي، ولا علاقة بين اسم نبي الله يعقوب (إسرائيل) والدعاء باللعن والهلاك على (إسرائيل) من قريب ولا من بعيد؛ لأن ذلك بعيد كل البعد عن مقاصد المتكلمين والداعين على الكيان الغاصب بالهلاك، فــيـَــعْجَب المرء من أن يصيب عامة المسلمين في دعائهم بفطرتهم وصدقهم الشرع، ويخطيء ذلك من تعلم الفقه والأصول!

ثالثا: أمثلة على الخطأ في أن الأصل مراعاة عرف الناس ومقاصدهم في كلامهم:

1-مثال على هذا اللون من الأخطاء عندما يسأل أحدهم الآخر فيقول كم عمرك، فيقول: مضى من عمري كذا؛ لأن الأعمار بيد الله، وأنا لا أدري كم عمري الذي يمتد إلى الموت، هذا مع أن المتكلم لم يسأله عن مجموع عمره إلى الموت، بل سأله عن العمر منذ الولادة إلى لحظة السؤال، فيصبح الجواب مضى من عمري كذا وكذا تنطعا واستطرادا لا قيمة له.

2- ومثال آخر تقول أحيانا لقد لقيت فلانا صدفة، فيأتي أحدهم ويقول لا يوجد صدفة بل الأمر قدر معلوم في علم الله، ونحن نؤمن بالقدر فلا يوجد شيء صدفة، ولم يكن قصد المتكلم من قوله (صدفة) أنه ينكر القدر أبدا، فيحدث جدال لا معنى له بسبب الجهل بأصل شرعي مهم، وهو أن الناس يجري عليهم في كلامهم عرفهم وقصدهم، لا ظاهر لغتهم بحسب ما تنطق به قواميس اللغة ولا بالمصطلح الشرعي، ولكن يعامل اللغويون باصطلاح اللغويين، والفقهاء والقانونيون والاقتصاديون كلا باصطلاحهم، وكذلك كلام العامة يعاملون فيه بعرفهم.

3-يسأل أحدهم الآخر فيقول هل أنت صائم، فيجيب الآخر: أنا فاطر، فتقوم الدنيا ولا تقعد كيف تقول فاطر، هذا اسم من أسماء الله، بمعنى خالق!، والصحيح أن تقول: مفطر، ولا تقل فاطر!! مع أن قصد المجيب هو أنه مفطر لا خالق، وهذا عرف المتكلم الذي أمر الشرع بمراعاته، فيدخل الحرج على الناس بلا مسوغ شرعي بسبب الجهل بأصل شرعي قيم، وهو الشرع -كما بينت- يراعى عرف الناس وقصدهم في قولهم لا اللغة ولا النحو، ولا مصطلحات الفقهاء الشرعية لأنهم لا يعرفونها ولا يقصدونها أصلا حتى تحاكم أقوالهم على ضوئها، فأرجو الانتباه.

والله ولي النَّصر وعلى الباغي تدور الدوائر

وكتبه الفقير إلى عفو ربه

وليد شاويش

عمّان الحشد والرباط: في 7-8-2014

4 thoughts on “فتوى تحريم لعن إسرائيل والدعاء عليها في الميزان الفقهي والأصولي

  1. مايو 10, 2021 - د محمد انس الزرقا

    جزاك الله خيرا كثيرا علي علمك وايضاحك

  2. مايو 11, 2021 - غير معروف

    محفوف بالرعاية الإلهية دكتورنا

  3. مايو 11, 2021 - غير معروف

    بوركت وجزاك الله كل خير

  4. مايو 11, 2021 - محمد

    بوركت وجزاك الله خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top