زكاة عروض التجارة: شرط أن لا يجتمع سببان من أسباب وجوب الزكاة في العروض

الصوتية: 42:
زكاة عروض التجارة
شرط أن لا يجتمع سببان من أسباب وجوب الزكاة فيها
(لا ثَني في الزكاة)
أولا: توضيح معنى العروض والتجارة:
الحديث عن معنى العروض: وهي جمع عَرَض، وهو ما سوى الأثمان، وهي العملات، وكل ما سوى العملات فهو عروض، ويشمل المكيلات والموزونات والمذروعات، والمعدودات، وغيرها، العملات مثل: الدينار، الدولار، والعروض مثل الأسمنت والحديد وهي موزونات، الماء والعطور مكيلات، والعدديات المتقاربة مثل البيض والجوز والبطيخ، وما ليس كذلك كالثياب، والتجارة، على وزن فِعالة، وهو اسم  مهنة مثل السفارة، والحدادة، وهي اصطلاحا: تقليب المال بغرض الربح، وعروض التجارة كل ما قصد الاتجار به، وتملكه التاجر بمعاوضة سلعة بسلعة أو بنقد وحال عليه الحول، مثل صاحب البقالة والمعرض، أما لو ملكه بميراث أو بهبة فيسيأتي فيه التفصيل.وفيما يأتي عرض لشروط زكاة عروض التجارة:
ثانيا: أن لا يجتمع في عروض التجارة سببان من أسباب الزكاة:
إذا اجتمع في عروض التجارة سببان، سبب يوجب الزكاة في عينها، وسبب يوجب الزكاة في قيمتها، وذلك كالماشية المعدة للتجارة، فهل تزكى زكاة عين حسب الأنصبة المقدرة لزكاة الأنعام، أم تزكى على أنها عروض تجارة، ويقال مثل ذلك في محلات صياغة الذهب والفضة فهل تزكى بالوزن ذهبا وفضة، أم بحسب قيمتها وما فيها من المصنعية، وكذلك الأرض الزراعية فهل تزكى الثمار فقط، أم الثمار زكاة عين والأرض عروض تجارة، وفيما يأتي التفصيل:
1-             الماشية المعدة للتجارة:
مثال: اشترى سعيد مائة رأس من الغنم ليبيعها في 10 ذي الحجة، فهل يزكيها زكاة ماشية في عينها، بمعنى في كل أربعين شاة، أم عليه أن يزكيها عروض تجارة فيقيمها ويخرج 2.5% على فرض حولان الحول، إذن اجتمع هناك سببان، واتفق الفقهاء أنه لا ثَنْي، في الزكاة، فإما أن يزكيها زكاة أعيان في كل أربعين شاة شاة حسب الأنصبة المقدرة شرعا، وإما أن يزكيها عروض تجارة بالقيمة، فذهب المالكية والشافعية أنها تزكى زكاة أعيان، لأن الإجماع منعقد على زكاة العين وليس كذلك في التجارة، والذهاب للقيمة محل اجتهاد ونظر، وعليه يخرج سعيد في الأربعين شاة واحدة حتى 120، وفي 121 شاتان.
وذهب بعض الفقهاء مذهبا آخر وهو أنها تزكى بالقيمة لا بالعين، فلو قلنا قيمة الشاة 200 دينار، وعنده مائة شاة، فتكون القيمة 20000 دينار، و 2.5 % تساوي 500 دينار وهو مذهب الحنفية والحنابلة وقالوا زكاتها بالقيمة أفضل للفقير لأنها لو زكيت زكاة أعين كانت شاة واحدة قيمتها 100 دينار، فقالوا الأفضل أن تعامل معاملة عروض التجارة، وإخراج القيمة إذا زكيت مع العين يجوز على بعض المذاهب مع الكراهة.
لكن ماذا لو اشترى سعيد 35 رأسا من الغنم، فعند الحنابلة لا زكاة في عينها، لكن قومت بالتجارة 7000 دينار، وهو فوق النصاب،  فقالوا تخرج من عروض التجارة، إذا كانت دون النصاب في زكاة العين وهو 40 شاة مثلا، لما فيها من الحظوة للفقراء، وهو اتجاه معتبر في مصلحة الفقراء، لأنه هو الضعيف، خصوصا أن من المسلمين من لا يخرج الزكاة، ونتوسم الخير في الصالحين الذين لا يخرجون الزكاة، والمرء معذور في مسائل الاجتهاد فيها، وحكم الله يعلم بالأدلة التي نصبها الله تعالى لمعرفة حكمه، كالخرائط التي تهدي إلى المدن، ومن أخرج الشاة أو الخمس مائة دينار فهو ناج عند الله تعالى، وهذا اجتهاد معتبر، ولا يعبد الله تعالى بالفتاوى الشاذة المخالفة للإجماع كإباحة فوائد الربا في البنوك، والشريعة عالية الانضباط، فلا يجوز مخالفة النص، والإجماع، والقياس، والقاعدة بلا معارض راجح، وأي اجتهاد خرج عليها لا يجوز به فتوى، ولا عمل، ولا قضاء، لأنه مصادم لنص الشريعة، قال الناظم:
إذا قضى حاكم يوما بأربعة *** فالحكم منتقض من بعد إبرام
خلاف نص وإجماع وقاعدة *** كذا قياس جلي دون إيهام
فاتباع ضوابط الاجتهاد تخلص المسلمين من الفوضى في الفتوى، وإذا أصبحت هذه الضوابط محل نظر ولم يعد النص الشرعي ضابطا، فما هذا الدين الذي لا ينضبط بالنص، لذلك الفقه الإسلامي في منتهى الانضباط، وعلم أصول الفقه ضبط الفهم في النص،  وضبط المحدثون صحة النقل، فمِن أين سيدخل الشيطان إلا من جهة الهوى، ولا يجوز الإنكار على من أخرج 500 دينار أو أخرج شاة؛ لأنها إنكار على الاجتهاد المعتبر وهو شرع ودين، فإذا أنكر أحدهما على الآخر فهذا ضيق في الأفق، وجل مشاكل المسلمين ناجمة من عدم استيعاب تعدد الاجتهاد، والتاء في الاجتهاد للمعالجة، وفيه معاناة وبذل جهد، ومنه قوله تعالى: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، فالتاء في “عليها ما اكتسبت” هي تاء المعالجة لما في الدخول في الحرام من الحيلة والمعاناة، ومن الاجتهاد المعتبر قوله تعالى: وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم … ففهمناها سليمان، وكلا آتينا حكما وعلما، فالتعدد المعتبر هو على عِلم، وفيه سعة للأمة ومساحة للاختيار، وفي الشريعة التعدد المنضبط، وهذا الدين جاء للدنيا جميعا، وليس التعدد الفوضوي من الدين كأن يقول الإنسان ما يشاء، وأن هذا الدين هو محض رأي.
2-             زكاة الصائغ ما عنده من الحلي:
أما في الحلي ومثاله الصائغ حسن مثلا، تحقق فيه النصاب زيادة على 85 غم ذهب، ودخلنا عليه قائلين جئناك بخير الدنيا والآخرة، كيف تزكي محلك؟ فهل يزكي الذهب والفضة وزنا؟ أم يحسب قيمة هذه الحلي بما فيها من اللؤلؤ والأحجار الكريمة والياقوت؟ فهل يزكي الذهب فقط وزنا، أم يقيم ما عنده عند الحول، ولنا في الثمن الشامل وليس في قيمة الذهب وزنا؟
من عاملوا الذهب عينا قالوا يخرج على الوزن دون اعتبار قيمة المصنعية، أما على القول بالسعر الشامل للمصنعية، فلا نسأل عن وزن الذهب، وجمهور الفقهاء يزكى بالقيمة الشاملة، وهي أعلى من الوزن، لما تتضمنه من المصنعية والأحجار الكريمة، وهي الأفضل للفقراء، والأفضل أن يفتى بالسعر الشامل، ولكن هل السعر الذي يشتري به، أم يبيع به، هل بسعر الجملة أم التجزئة، وهذا سيأتي ونحن هنا نتحدث عن اجتماع سببين، زكاته ذهبا أم عروضا، والحنفية على أنه يزكيه ذهبا بالوزن، أما على فرض الزكاة  بالقيمة فماذا إذا وجدنا عنده خاتم ذهب رجالي محرم استعماله؟ فماذا يقول الذين ذهبوا إلى الزكاة بالقيمة؟ قالوا إذا زكي بالقيمة كان اعترافا بالمصنعية المحرمة! وبناء عليه فما فيه من مصنعية محرمة فإنها مخالفة للشرع، مثلا: خاتم ذهب رجالي قميته مصنعا 150 دينار، وقيمته وزنا دون مصنعية 130 دينار فيزكي 130 دينارا لا 150، لأن من شروط البيع الانتفاع به شرعا، وهذا الخاتم لا ينتفع به على ذلك الحال، كالخمر غير معتبرة القيمة، كبيع السم الذي كان للقتل، والآن يمكن الانتفاع به للأدوية، ويجب كسر الخاتم الرجالي وإعادة صياغته، وكذلك أصنام الذهب: كعصفور من ذهب، فهو يقيم ذهبا دون مصنعية، وبعضهم رأى أن قيمة المصنعية المحرمة تؤخذ وتجعل في مصالح المسلمينن كالمال الحرام، وكذلك آلات الطرب فلا ينتفع بها شرعا عند المذاهب الأربعة، وبيعها أكل أموال الناس بالباطل، فلا تُقيَّم في الزكاة، لحرمة الانتفاع بها على هيئتها، فكل ما هو غير متقوم شرعا لا يزكى لأنه يحرم بيعه.
هل يجوز للمرأة أن تتخذ إبريقا من الذهب، لا بل يجوز لها من الذهب والفضة كل ملبوس فقط، ولو نعلا من الذهب، لا مكحلة ولا مشط، ولا قطعة في سيارتها، ويمنع أيضا اتخاذ خواتم ذهب رجالي للادخار لأنه ذريعة الاستعمال، وكل ما قيل حرام سدا للذريعة هو حلال في الأصل، وكل ما أبيح للضرورة هو حرام في الأصل، والذريعة هي: التوصل بالمباح إلى ما فيه جناح، فلا يجوز بيع السلاح وقت الفتنة، وتصرفات الدول والسياسات مبنية على سد الذرائع، ومثال ذلك منع اقتناء السلاح بالنسبة للأفراد، لما قد تؤدي إليه من استباحة الدماء، ومثال سد الذريعة السرعة الزائدة، ولم تحدث الحوادث بسبب السرعة الزائدة دائما، ولكنها تحرم سدا للذريعة فالمنع هو من باب سد الذرائع، وقد أوجبته الشريعة، ودليله قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا، بمعنى: علمنا وانتبه إلينا، ولكن لما استخدمها اليهود بمعنى محتمل وهو الرعونة، وقولهم راعنا، ووقف عليها بالسكون، فشابهت كلمة المسلمين، الصحيحة، فحرم الله الحلال خشية الالتباس بالمحرم، وقال تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)، وشتم الأصنام الباطلة يؤدي لشتم الله الحق، فجواز الاتخاذ لخاتم الذهب للرجال يعني القول بجواز التصنيع، ومن يصنعه يقول إنما أصنعه للاتخاذ، وكما تكتب عبارة التدخين يضر بالصحة نكتب يمنع إخراجه من الخزانة مثلا، ويمكن أن يدخر من يرغب بالادخار حليا ذهبيا نسائيا، ويجوز ذلك للرجل لأن له وجها من الاستعمال المشروع، كأن يعده لابنة أو زوجة، وبعض العلماء لا يقولون بسد الذريعة، ولكن اتفق الجميع على منع الوسيلة، وهو ما يؤدي إلى الحرام قطعا كحفر حفرة في طريق الناس، أما سد الذريعة فهو ما يؤدي إلى المفسدة غالبا، والنادر لا يعطى حكم الذريعة، والمسلمون لم يمنعوا زراعة العنب لأنه قد يؤدي لصناعة الخمر، قال في المراقي:
وانظر تدلي دوالي العنب *** في كل قطر وكل مغرب
وما يؤدي إلى المفسدة نادرا فلا حكم له، ولا يجوز التوسع في سد الذرائع، حتى لا نضيق على أنفسنا، وقد غاب عنا فتح الذرائع، وهو فتح الطرق إلى الواجبات، وفتح الطريق إلى الواجب واجب مثله، قال في المراقي:
سد الذرائع إلى المحرم *** حَتْم كفتحها إلى المُــنْحَتِم
والمنحتم هو الواجب كالقضاء على البطالة، وفي النهاية نقول لا بد من الورع، والورع في ترك الاتخاذ حتى لا نقع في المحرم شرعا، واقتناء الحلي وزكاته هو ربع عزة، وهي من المسائل التي تعددت فيها اجتهادات المجتهدين، وهناك الحرام الذي لا يوجد له وجه استخدام مشروع كالدخان، والمخدرات فهو محرم، أما ما كان له وجه استخدام مباح وممنوع، فكل ما كان له وجهان ممنوع أو مشروع جاز بيعه، ولا يوجد شيء له استخدام مشروع دائما، كمن ينتحر بالسكر إذا كان مريضا به، فله وجهان، فما بالك بالسيارة وشبهها.
3- زكاة الأرض الزراعية المعدة للتجارة:
أما الأرض الزراعية المعدة للبيع، فهل يزكيها زكاة زروع أم عروض تجارة، فقال الحنفية يزكي زكاة عين فيزكي الزرع، وذهب بعض الفقهاء إلى تزكية الثمار زكاة مزروعات، والأرض زكاة عروض تجارة، وتزكى بالقيمة، وهذا لا ثني فيه لأن الزكاة ليست على محل واحد، بل على محلين، هما الزرع، والأرض، وكل زكي بحسب ما يناسبه.
والله أعلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top