خطورة الفتاوى الشاذة على أركان الإسلام

مع العلم بأن اتفاق المذاهب الأربعة ليس إجماعا تحرم مخالفته، إلا أن الحق يبعد أن يكون خارجها، حيث تمثل المذاهب الأربعة جذع الشريعة الإسلامية، وعمودها القويم، إلا أن التفسيرات الفردية المعاصرة للسنة التي تستند إلى شبهة دليل من النص الشرعي، أو من آثار السلف، كان له آثار خطيرة على أركان الإسلام، سبب ذلك هو الرؤية الفردية في التدين، وعدم تمييز المتشابه من أدلة الشريعة من محكماتها، خلافا لماعليه مدراس فقه السلف الأربع، التي تمثل مدرسة اجتهادية مؤسسية، وفريقا بحثيا مفتوحا في الزمان والمكان، خاضعا للتحرير والمراجعة الدائمة، كما تشهد به مصادر الفقه الإسلامي، ضمن مرجعية أهل السنة والجماعة، وفيما يلي أعرض جمعا من الفتاوى خارج المذاهب الأربعة وخطورتها على أركان الإسلام.

أولا: فتاوى هدم الشهادتين:

1-تمثل فتوى تكفير تارك الصلاة تكاسلا  هدما للشهادتين، وهي فتوى منبرية وموجهة لعامة المسلمين عبر فضاءات التواصل الاجتماعي ومنابر الخطبة يوم الجمعة، بل تتجاوز التكفير إلى حث المرأة على ترك بيتها إذا كان زوجها تاركا للصلاة، لأنها لا تحل للكافر، وقد وقفتُ على حالة بعض النساء المسلمات اللواتي استجبن لهذه الفتوى الشاذة، وتزوجت برجل آخر، وحملت من زوجها الجديد، مع أن عقد زواجها الأول صحيح باتفاق المذاهب الأربعة، مما يعني أن الفتوى الشاذة تفتك بالبنيان الاجتماعي للأمة الإسلامية، ولكن هل يبين لنا المفتي بتكفير تارك الصلاة تكاسلا  نسب الولد في العقد الثاني الباطل، الذي تزوجت فيه امرأة متزوجة بفتواه الباطلة؟! وزد على ذلك فتوى إباحة بقاء المرأة إذا أسلمت مع زوجها الكافر ، حيث أصبحت المرأة المسلمة بين تناقضات الفتاوى الفردية الشاذة، بجواز بقائها مع زوجها الكافر، والغلو بتكفير زوجها المسلم.

2-ناهيك عن فتاوى الغلو في التكفير بالحاكمية والولاء والبراء والشرك الأكبر، دون الرجوع إلى مصادر أهل السنة والجماعة وإجماعاتهم في التكفير، كما هو مبسوط في مواضعه في كتب الفقه، وفي مصادر العقيدة الإسلامية، وكل ذلك يحصل بسبب الإعراض عن مرجعية أهل السنة والجماعة في المذاهب الأربعة، التي راجعتها الأمة وأعملت فيها يد التحرير والتدقيق، خلافا للتفسيرات الفردية المعاصرة للنصوص، حيث يرى أصحاب تلك التفسيرات أن المرجعية الفقهية السنية في مذاهبها الأربعة تقييد لها ولحريتها في الرأي والتفسير.

ثانيا: فتاوى هدم الصلاة أداء وقضاء:

1- فتاوى هدم الصلاة أداء:

أ-ردة تارك الصلاة تكاسلا:

إذا أُفتى بردة تارك الصلاة تكاسلا، فهذا يعني أن صلاته باطلة إذا صلاها، لأن الصلاة لا تصح من الكافر، أما إذا أسلم وأراد أن يصليها، فيمكن أن يحقن بجرعات من الفتاوى التي تبطل الصلاة، تلك الفتاوى المخالفة للمرجعية السنية في مذاهبها الأربعة وذلك بأحد الأمور الآتية:

ب-قصر الصلاة للمغترب:

قصر الصلاة لشهور وسنين طويلة إذا كان مغتربا، وذلك بناء على وهم أنه مسافر، وعدم التمييز بين المسافر والمغترب المقيم، فيصلي الصلاة الرباعية قصرا، وهذا باطل لأن من يأوي في بيته شهورا، ويدرس بالشهور وبالسنوات في بلاد الغربة، وعنده خطة إرشادية في الدراسة مدتها سنين عديدة، لا يعتبر مسافرا، وبذلك تكون هذه الفتوى الشاذة سببا في هدم ركعتين من الصلاة من غير موجب شرعي، بسبب عدم تحقيق الفرق بين المسافر والمقيم.

ج-الصلاة خارج الوقت:

فتجيز الفتاوى الشاذة الجمع بين الصلاتين للطالب المغترب أثناء دراسته، بناء على خطأ فادح وهو تنزيل حكم المسافر على المقيم، الذي اعتبرته المذاهب الأربعة انقطع من السفر وأصبح مقيما، وكذلك جمع الصلاتين في وقت الأولى من غير الأعذار التي نصت عليها المدرسة السنية في مذاهبها الفقهية الأربع، بناء على التفسيرات المعاصرة لرفع الحرج حسب تلك الفتاوى،  الذي أصبح يسقط التكاليف الشرعية بالمشقة التي لا تنفصل عن أي تكليف، وأوجبت الشريعة احتمالها، وتحولت نعمة اليسر إلى وسيلة لإسقاط التكاليف الشرعية والتحلل منها.

د-الصلاة من غير طهارة:

وذلك بالمسح على الجوارب الرقيقة التي أُسقطت فيها عزيمة غسل القدمين، وكذلك عدم غسل القدمين أو الوضوء بعد نزع الخفين اللذين مسح عليهما، ناهيك عن التشكيك في نجاسة الدم وأنه لا دليل على نجاسته، أما سجدة التلاوة فهي من غير طهارة ولا قبلة ولا يجب فيها ستر العورة.

2-هدم الصلاة قضاء:

من ترك الصلاة متعمدا متكاسلا فلا يجوز له القضاء، أو لا دليل على وجوب القضاء، وعليه تكون الصلاة في تلك الفتاوى الشاذة هدمت في القضاء وهدمت في الأداء.

ثانيا:هدم الزكاة:

بناء على القول بتكفير تارك الصلاة تكاسلا، فإن زكاته باطلة وصدقاته باطلة، لأنه كافر ولا تصح العبادة من الكافر، ولا زكاة مقدرة شرعا في عروض التجارة لأنه لا دليل عليها من الكتاب والسنة، ولكن يخرج شيئا قليلا من الزكاة، فتكون الزكاة هنا ضربت في مقدارها أيضا ولم تعد مقدَّرة، وكذلك هدم زكاة الأوراق النقدية، فلا زكاة فيها لأنها ليست أموالا بل هي سلة أوراق، وينسحب الأمر على زكاة الحسابات الجارية ذات الملايين في عصر الفقر، ناهيك عن الاقتصار في زكاة الحبوب على القمح والشعير، وعدم الإخراج في غيرها، وحيلة احتساب الزكاة من الدين على المعسر بأثر رجعي في نية الزكاة، أما صدقة الفطر فبعد الجدل في إخراجها عينا أم نقدا أول النهار، تم إسقاط وجوبها عينا ونقدا بعد صلاة العيد، مع أنها وقتها يستمر أداء حتى غروب الشمس، ولا تسقط من الذمة أبدا، يعني: تم هدم زكاة النقود، والعروض، والزروع.

ثالثا: هدم الصيام:

بناء على فتوى كفر تارك الصلاة تكاسلا فلا يصح صومه، لأن الصيام لا يصح من الكافر، وعلى فرض أنه يصلي وأراد الصوم، فإن الإمساك قبل الفجر بدعة منكرة، وعليه إذا وضع الإناء في فمه وقد طلع الصبح فلْيشرب أثناء النهار، ليكون متبعا صادق الإيمان، فإن لم يشرب أثناء النهار فهو مقترف لبدعة الإمساك، ناهيك عن موضوع الجرأة على الأكل والشرب بعد أذان الصبح بسبب التشكيك في مواقيت الصبح، فبدلا من أن يُـحمل الناس على الاحتياط والاحترام، حُـملوا على الانتهاك والاقتحام، وما قيل في طلوع الصبح يتكرر في غروب الشمس مع الأسف، وزد على هذا دعوى جواز صيام الحائض، بناء على  القول بأنه لا يوجد دليل يمنع من صيام الحائض.

رابعا: هدم الحج:

بناء على تكفير تارك الصلاة تكاسلا فإن حجه باطل، لأن الكافر لا تصح منه عبادة الحج، كما أنه لا يوجد دليل شرعي يوجب الطهارة في الطواف، وعليه يكون الطواف باطلا، مما يعني بطلان الحج على المذاهب الأربعة، أما تفسير كلام النبي صلى الله عليه وسلم افعل ولا حرج فقد أصبح افعل ولا حج، فحسب التفسيرات المعاصرة للسنة، يمكن أن تسعى أولا ثم تطوف!.

خامسا: خطورة الفتاوى الشاذة على الدين:

إن ما تم ذكره هو غيض من فيض من الفتاوى الشاذة الخارجة عن مرجعية أهل السنة في مذاهبهم الأربعة المتبوعة، تلك الفتاوى الخطِرة التي تسبح في فضاء التدين من حولنا، مما يعني أنه يجب أن نحاصر الآراء الفردية في التدين، وأن نحيي الاجتهاد الفقهي الجماعي المؤسسي ضمن المرجعية السنية، لضبط الفتوى، حيث تواجد أصول حاكمة وقواعد ناظمة، وأن الشريعة ليست في مذهب واحد منها، بل هي في مجموع الأربعة، من أجل صناعة الوحدة الإسلامية والتجانس الثقافي.

سادسا: كيف نتجنب الأقوال الشاذة في الدين:

بما أن صاحب الفتوى الشاذة رأي هذا الرأي لنفسه، فلماذا لا يقدم إلى جانب رأيه ما توافقت عليها المدرسة الفقهية السينة فيقول للناس هذا رأي وهذا ما عليه المسلمون في مدارسهم العلمية المتبوعة، وذلك من باب الأمانة العلمية في نقل الفتوى، وكذلك على المستفتي أن يسأل صاحب الفتوى الشاذة ويسأله: هل ما تفتي به في أحد المذاهب الأربعة المتبوعة المجمع على اعتبارها شرعا، وهي أسئلة مختصرة يمكن أن يحتاط بها الإنسان المسلم لنفسه، حتى لا يقع في فخ الآراء الفردية الشاذة في الدين، حماية لدينه من الآراء المضطربة في التدين.

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

عميد كلية الفقه المالكي

13-رمضان-1439

28-5-2018

1 thought on “خطورة الفتاوى الشاذة على أركان الإسلام

  1. سبتمبر 23, 2021 - جمعة محمود الزريقي

    بسم الله الرحمن الرحيم ، السلام عليكم ، هذه الفتاوى موجودة فعلا ولكنها ليست في كل المذاهب الأربعة والأخرى ، وبعض المسلمين يأخذون بها ، وعليهم وعلى القائلين بها ما يستحقون من الله ، ولن أقول مخالفين أو متوافقين مع الدين ، وربما يكون لهم تأويل آخر على كل حال ، كان يجب عليك يا أخي ان تحدد المدرسة التي تكثر فيها هذه الفتاوى ، فلا تنسب لكافة المدارس الإسلامية ، وبيان السبب في ذلك ، أي من مِنَ العلماء الذين قالوا بها ؟ كنت أتمنى أن تقوم بذلك، ولكم الشكر والتقدير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top