حوار مع أخي الحلقة (9) ما علاقة قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) بقوله تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)

يكثر التساؤل عن وجه التلازم والعلاقة بين قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) وقوله تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، وفي سياق الآية الكريمة جرى الحوار الآتي:

بعد الانتهاء من مسألة سابقة في قاعة الدرس

خالد: الأصل في الشـرع عدم التعدد، لقوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، فإباحة التعدد طارئة على الأصل واحدة.

محمود: الأصل هو التعدد لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً).

عائشة: ما وجه الملازمة والمناسبة بين قوله (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) وقوله تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، لأنه بناء على فهم هذه الآية، يتضح الحكم الشرعي.

وليد: المعنى الظاهر من الآية أنه إذا خفتم ظلم النساء اليتيمات إذا تزوجتم بهن، فتزوجوا بغيرهن، أو إذا خفتم من الجور على اليتيمات، فخافوا من ظلم الزوجات إذا كثر عددهن وعجزتم عن العدل بينهن، فتزوجوا من النساء بحيث تستطيعون العدل بينهن، وبما لا يزيد على أربع نسوة، وعليه؛ لا يجوز زواج الثانية إذا كان الزوج عاجزا عن العدل.

خالد: ولكن السؤال ما زال قائما، ما علاقة من ليس عنده يتيمات بالتعدد، وهم أكثر الناس، وبصراحة أنا تابعت في هذا الموضوع، وما ذكر لي هو نفس ما ذكرت من وجه العلاقة، وبصراحة لم أجد تفسيرا يبرز وجه الترابط بين الخوف من ظلم اليتيمات وجواز التعدد.

عائشة: في قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) فعل شرط، وقوله تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) جواب الشرط، يعني شرط إباحة التعدد هو خوف عدم القسط بين اليتامى، وأنا مثل كثيرين يستاءلون ما وجه العلاقة بين فعل الشرط وجوابه؟!

وليد: لا يوجد تلازم بين قوله تعالى(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) فعل شرط، وجواب الشرط في قوله تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، ومهما حاولنا البحث عن وجه التلازم سنعجز، لأنه لا تلازم، والعلماء لم يشترطوا لجواز التعدد، أن يكون عند الزوج يتيمات يخاف ظلمهن.

محمود: كيف هذا؟! لا تلازم بين فعل الشرط وجواب الشرط!!، يعني إذا قلت إذا نجح خالد أعطه جائزة، يعني إذا لم أعطه جائزة، فهذا يعني أنني لم أُخلِف وعدي، وعليه لا توجد شروط أصلا بناء على ذلك.

وليد: حسنا يا محمود، هل تعرف أنواع الجملة الشرطية؟

محمود: بصراحة لا، ولكن الفطرة والعقل يقولان: إنه يجب أن أعطي خالدا جائزة إذا نجح.

وليد: وماذا يقول العقل والفطرة في (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) فعل شرط، وقوله تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، أليس من شرط جواز التعدد أن يكون للزوج يتامى حتى يعدد، وهذا بناء على فهمك للجملة الشرطية، وأن العلاقة بين فعل الشـرط وجوابه اللزوم، وهل تعرف مذهبا معتبرا قال بأنه يشترط في تعدد الزوجات أن يكون عند الزوج يتيمات يرعاهن.

محمود، ومجموعة من الطلاب: نريد المزيد من التوضيح يرحـمْكم الله، وحبذا أمثلة عملية فهي أوضَح من التجريدات العقلية.

وليد: سأعطيك مثالا من البيئة الجامعية، خالد مثلا يغيب أحيانا، فعندما يحضر الأستاذ، يحصل ظرف لدى خالد ويضطر للغياب، واجتهد خالد في الحضور، فجاء إلى المحاضرة في وقتها، وإذا الأستاذ غائب، فظن أن الأستاذ سيغيب في المحاضرة التالية، بسبب مؤتمر، فغاب المحاضرة التالية، ولكن حضر الأستاذ، فقال خالد: سبحان الله! إذا غبت حضـر الأستاذ، وإذا حضـرت غاب الأستاذ، فهل ترون أن هناك تلازما بين غياب خالد وحضور الأستاذ، أم أن الأمر حصل في الواقع، واتفق غياب الأستاذ وحضور خالد، دون أن يكون هناك تلازم بين حضور الأستاذ وغياب خالد.

محمود: الأمر فعلا اتفاقي في الواقع، دون وجود لزوم بين الفعل والشرط، ولكن هل من مثال على علاقة اللزوم بين فعل الشرط وجوابه، حتى تتضح الصورة؟.

وليد: نعم، إذا طلعت الشمس فالنهار موجود، وإذا قُطعت رقبة الإنسان فإنه يموت، فيلزم من طلوع الشمس وجود النهار، ومن قطع الرقبة الموت، وإلا لما جاز لك أن تحكم على قاطع رقبة البريء بالقصاص، لأنه سيقول لك لم أرِد موته، لأنه لا يلزم من قطع الرقبة الموت، ولكن هذا مردود، لأن العلاقة بين قطع الرقبة والموت لزومية، لا اتفاقية.

خالد: واضح أن الجملة الشرطية تكون على نوعين، لزومية، مثل: إذا طلعت الشمس فالنهار موجود، واتفاقية لا تلازم بين طرفيها، مثل قول خالد: إذا غبت حضر الأستاذ!!

وليد: نعم هذا صحيح.

عائشة: نريد أمثلة على ذلك من القرآن الكريم.

وليد: حسنا، قال تعالى: (وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) سورة الكهف، جزء الآية (57)، تأملوا هذه الآية الكريمة، هل عدم هداية الكافرين، هي بسبب أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الهدى، يعني، هل سبب غواية الكافرين هي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهم؟!!! ومعاذ الله أن يكون هذا صحيحا والله تعالى يقول: (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ)، سورة المؤمنون، الآيتان: 73، 74.

عائشة: وبناء على أن الجملة الشرطية هنا اتفاقية، أي لا تلزم غوايتهم من دعوتك، بل إن غوايتهم وتنكبهم الصراط يتفق حصولها عندما تدعوهم إلى الصـراط المستقيم، ولا تلازم بين الدعوة وحصول الكفر منهم، ومن زعم ذلك فلا يختلف في طريقة تفكيره عن الجاني الذي قطع رقبة البرئ وقال: لم أقصد قتله!!!

محمود: المزيدَ المزيدَ من الأمثلة.

وليد: خذ المثال الآتي من الكتاب العزيز، وهو قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ)، سورة آل عمران، جزء الآية: 154، فهل لو بقي المسلمون في بيوتهم، ولم يخرجوا للقتال، سيُقتل الكفار، أم أن إرادة الله نافذة في استئصال شأفة الكفار، ولو بقيتم في بيوتكم المسلمون؟

محمود: إرادة الله نافذة في أمر الكفار، ولو بقيتم في بيوتكم، مع أن بقاءكم في بيوتكم ليس هو السبب في قتل الكفار، ولا تلازم بين بقاء المؤمنين في البيوت، وقتل الكفار.

وليد: ما علاقة هذا الحديث في الجملة الشرطية واللزومية بموضوع الآيات التي نحن بصددها، وهي: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) وقوله تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، هل تستطيع أن تبين ما نوع العلاقة في الجملة الشرطية في الآية الكريمة، هل هي شرطية لزومية أم شرطية اتفاقية.

عائشة: الأمر واضح، أن العلاقة اتفاقية، والبحث عن وجه الملازمة بين طرَفَـي الجملة الشرطية في الآية، هو كالبحث عن العلاقة بين غياب خالد وحضور الأستاذ، فليس الأمر أكثر من أمر اتفق دون أي وجه للزوم.

وليد: إذن بعد هذا التوضيح، اكتب عندك الأسئلة الآتية، لتجيب عليها في المحاضرة القادمة:

س: ما نوع الجملة الشرطية في قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، وبناء على تحديد نوع الجملة الشرطية بين مدى صحة الاحتجاج بالآية الكريمة على أن الأصل هو عدم التعدد، مع الأخذ بعين الاعتبار أيهما هو الأصل في الأعراض الحِل إلا ما حرمه الشرع، أم التحريم إلا ما أحله الشرع.

س: تدبر قوله تعالى:قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا، سورة الكهف، الآية: 109، وبين نوع الجملة الشرطية في الآية الكريمة، والمعنى المترتب على نوع الجملة الشّرْطية.

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة

صبيحة الجمعة 15/5/2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top