حوار معي أخي (13) (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)

دعاني بعض الإخوة لحضور درس في مسجد قريب من الحي، ورغَّبني في الحضور أيـَّما ترغيب، فالمحاضر هو من كبار الدعاة حسبما قال الداعي، فرغبت بالحضور وشـنـَّـفْت أذنـَيَّ للسماع، خصوصا وأنني رأيت حركة سير غير عادية في ساحة المسجد والطرق المؤدية إليه، ومما حفزني أكثر على الحضور أنني رأيت جمهورا واسعا يكتظ بهم المسجد، فقلت لأسمعن اليوم كلاما ما سمعته من قبل، لعله ينفعني في دنياي وآخرتي، فما كثرة الحضور هذه إلا لأن الداعي اليوم له باع في التعليم والدعوة، وليست تلك الجموع سوى شاهد على ذلك، وحاولت أن أكون قريبا من محراب المسجد، لأكون أقرب السامعين لمحاضر اليوم، وبعد الصلاة ظهر المحاضر في ثياب بيض أنيقة ولحية كثة وعمامة بيضاء كأحسن عِمَّة تراها، تحفه جموع الشباب من ذوي اللحية الخفيفة التي لَمْ تــرَ -في ظني- شفرة قط ، وبدأ محاضرنا درسه ولكن حدث ما حدث …

المحاضر: أيها الإنسان اعلم أن فيك نفخة من الله تعالى، قال تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، سورة الحجر، الآية 29، أنت أيها الإنسان نفخة من الله تعالى، وتكررت كثيرا في الدرس، وكان كلما كررها جولتُ النظر في وجوه الحاضرين وهم مستحسنون لما يقول، وبعد انتهاء المحاضرة حاولت الجلوس قريبا من الشيخ لعلي أعرف سر تكرار تلك الآية فقد أوهم الشيخ أن الروح في الإنسان هي روح الله وأنها من ذات الله تعالى، وسألت الله تعالى أن لا يكون ظني في محَلِّه.

وليد: كيف حال أخي، وجزيت خيرا، ولكن أراك قد كررت الآية: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين، فما سر تكرارك الآية؟

المحاضر: واضح أن في الآية تكريم عظيم للإنسان، فقد نفخ الله روحه في الإنسان، فالإنسان مكرم بهذه النفخة، التي هي من الله في الإنسان.

وليد: قولك هذا يوهم أن هذه النفخة هي من ذات الله تعالى!!! وهذا محال في العقيدة الإسلامية أن يحل شيء من ذات الله تعالى العلِية في شيء من مخلوقاته.

المحاضر: الآية واضحة وصريحة وهي أن هذه الروح هي من الله يعني من ذات الله!

وليد: هذا يعني بصراحة تقول: أن هذه الروح شيء من ذات الله في الإنسان؟

المحاضر: لست أنا الذي أقول الآية هي التي تقول!!!

وليد: أليست العقيدة النصرانية تقول إن عيسى هو ابن الله، أو هو الله لفهمهم الخاطيء بأن اللاهوت قد حل في الناسوت؟

المحاضر: نعم، وتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

وليد: مالفرق بين ما قال النصارى في عيسى عليه السلام، والذي تقوله أنت الآن، وهو أن فينا نفخة من روح الله تعالى، وهي شيء من ذاته العلية؟!!

المحاضر: أكيد في فرق؟؟؟!!!

وليد: … ما هو؟؟؟

المحاضر: الآية واضحة ونفخت فيه من روحي؟؟؟

وليد: حسنا، ربما أشكلت عليك الإضافة هنا وهي إضافة روح إلى ياء المتكلم وهو رب العالمين سبحانه، وهي إضافة التشريف كقولنا بيت الله، وناقة الله، ولو قلت لك هذا قلمك، وهذا ثوبك فهل يعني ذلك أن قلمك هو جزء منك، أم ملك لك؟!

المحاضر: يعني من روحي مضافة لله، وهذا ما أقول أنا…!!!

وليد: أخي لا تعجل، فهذه إضافة التشريف، فالله يشرف بيته بإضافته له، فنحن نقول عن المسجد “بيت الله”، وقال تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، سورة الحج، جزء الآية (26) فهل بيتي في الآية الكريمة هنا جزء من ذات الله تعالى.

المحاضر: أكيد “بيتي” ليست جزءا من ذات الله تعالى.

وليد: لم جعلت روحي من ذات الله تعالى، ولم تجعل بيتي من ذاته، ما المعيار الذي تتصرف فيه في معاني كتاب الله تعالى؟

المحاضر: يا أخي ما هذا التدقيق الشديد، الأمور سهلة، ولا تعقدوها؟؟!!

وليد: (مفترضا) لو أن أحدهم قال لك أنا أريد أن أسجد للجزء الذي من الله -سبحانه- فيك، هل تمنعه؟

المحاضر: طبعا أمنعه!!

وليد: (مفترضا) لماذا يا أخي هو يريد أن يعبد جزء الله الذي فيك؟؟!!

المحاضر: لا…لا…لا

وليد: (فرضا ومجاراة للمحاضر) يا أخي لا تعقدوها الأمور سهلة، الرجل يريد أن يعبد الإله الذي فيك ؟؟؟!!!

المحاضر: عندك دليل على أن الروح ليست من ذات الله في قوله تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين.

وليد: نعم: قال تعالى: (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) سورة الزخرف الآية (15)، ألست ترى الآية نصا في المسألة، وهي توضح نفسها بنفسها، وهي تنفي أن يكون شيء من خلق الله يحل في ذاته-سبحانه، أو أن تحُل ذاته –سبحانه- في شيء من خلق الله، وهذا من جوهر التوحيد في الإسلام.

المحاضر: منصرفا ملوحا بيده ومسلما يقول الآية واضحة، الآية واضحة، ….

وليد: (مداعبا المحاضر) أي الآيتين واضحة: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين، أم قوله تعالى: (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) ، فبالنسبة لي الآيتان واضحتان، ولكن أخشى أن لا يكون لديك المعنى في الآية الأولى واضحا، مع الرجاء لك ولي بالتوفيق والسداد في رضا الله تعالى.

جاء في تفسير البحر المحيط لأبي حيان (6/ 476): ونفخت فيه من روحي أي: خلقت الحياة فيه، ولا نفخ هناك، ولا منفوخ حقيقة، وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيي به فيه. وأضاف الروح إليه تعالى على سبيل التشريف نحو: بيت الله، وناقة الله، أو الملك إذ هو المتصرف في الإنشاء للروح.

 

د. وليد مصطفى شاويش

مساء الجمعة المباركة

16/رمضان/1436هـ

3/7/2015

عمان المحروسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top