حضارة مزيفة تعطيك كل شيء وتأخذ أحسن شيء   رعد وبرق بلا مطر

1-ما فائدة امتلاء الدنيا بوسائل التواصل عن بعد، وأصبحت إجازات العلم تؤخذ على الهاتف والواتس، ولم تعد ترى أبا يوسف مُسْنِدا ركبتيه إلى ركبتي أبي حنيفة، ولا ابنَ القاسم تقَوَّس ظهره بين يدي مالك، ولا مالكًا يستنبط الأحكام من عِمامة ربيعة.

 بل امتلأت (كراتين) الطلاب بالإجازات، ومَن لم يُـجَزْ بالواتس أُجِيز بغيره، وأخَذَت بعضهم العزة بالكراتين، فزعم أن  البخاري متساهل في التصحيح، على طريقة اتهام البخاري بالتساهل أفضل من الجلوس في البيت دون شُغُل.

2-ما فائدة تخمة الحواسيب بنسخ الكتب المصورة بصفحاتها المنسقة ومعانيها العرجاء، والعلم الـمُبَدْأَف (PDF)  ولكنك أخذتَ مني المشيخة التي تفتح للروح الباب قبل أن تكشف عن المسائل الحجاب، فلا أدري بأي كتاب أبدأ، وإذا قرأته فما يدريني أنني فهمت، وإن فهمت من يحكم على فهمي صحة وخطأ، وإن صح فهمي فبمن أقتدي في العمل.

3-ما فائدة أنك أقمْتَ الدنيا لإثبات حجية السنة، ثم أخذتَ تَسُل السنة من مصادرها حديثا بعد آخر، حتى انتهينا إلى أن السنة حجة، ولكن لا يكاد يثبت منها شيء، فماذا لو طبعتَ الصحيحين طباعة فاخرة وملونة، ثم أخذت الصحة منهما، وتركتَ فيهما جثامين الحروف مُسَجَّيات، وأشباح الكلمات النبوية في كفن الطباعة الفاخرة، ثم تُشيَّع في جنازة مَهِيبة، فأين السنة بعدهما، وما بالك بما دون الصحيحين في الرتبة.

4-ما فائدة المصحف الإلكتروني بكل ألوانه وأشكاله الجميلة بتقنية جوجل وهواوي، التي أصبحت أقرب إليك من نفسك، ولكنك تقرأ القرآن منها  لا تدري محكمَه من متشابهه، وإن عرفت متشابهه، فكيف ترد متشابه الكتاب إلى محكمه حتى يكون الكتاب تبيانا لكل شيء، وبلاغا للناس، ولينذروا به، ناهيك عن القراءة باللحن الجلي التي تمزق طبلة الأذن، وتقطع أوصال المعاني.

5-ما فائدة لعن الظالمين في تلاوة القرآن الكريم وإتقان أحكام التلاوة في لعن المرابين، مع إغراق القراء في الحيل الربوية التي أصبحت كالصيد يوم السبت وبقية أيام الأسبوع، والقاريء الواقع في حيل الربا يجود التلاوة في لعن نفسه، ناهيك عن لعن الكاذبين والغشاشين والنمامين، هل يُـجَوِّد الظالم لعن نفسه لأنه تعلم التجويد ليقرأ، ولم يتعلم القراءة ليفهم، ألا يجب علينا تجويد الفهم كما وجب علينا تجويد القراءة، فكلاهما واجب أم أن تجويد الفهم أوجب؟!

6-ما فائدة البحث الإلكتروني الرائع في مصادر التراث إذا كانت النتيحة نسخ عشرات النصوص وأخذتَ مني ضابط الفهم في أصول الفقه ، وتحوَّلَت نصوص الشريعة دون تفقه فيها إلى نشرة أخبار، و مادة للقصف العشوائي، وإطلاق الروايات في كل الاتجاهات، التي تنتهي عادة بالنهاية السعيدة، بالقول الراجح بلا مرجح، على حالة لو أن رواية واحدة منها عُرِضت على إمام مجتهد لقطع الليل مصليا بين يدي الله يسأل الله تعالى أن يفتح  عليه فيها.

7-ما فائدة أن  تبني مسجدا عاليا بمئذنته واسعا بقبته،  وثيرا بسجاده، ثم تلوث الصلاة بالفتاوى الشاذة، وتبطلها في طهارتها وأدائها وقضائها على المصلين المسارعين للصف الأول.

8-ما فائدة تخويف الناس من الله تعالى بأحسن المواعظ والكلام، ثم تفسد إيمانهم بالله، بجعل مخلوقات الله -سبحانه- صفات الخالق، وبذريعة الإثبات أفسدت قطعي التنزيه، وفرَضْت نظرية آينشتاين النسبية في وعاء الزمان والمكان على رب الزمان المكان .

 -فإن أردتَ أن تسأل عن أعمالك الصالحة فستجدها في صندوق النظرية النسبية، جزاء ما سعيت في إحياء المشتركات في صفات الله بين الله تعالى ومخلوقاته، وجعلت الله واحدا إلا بالقدر المشترك في المعنى مع مخلوقاته، فما فائدة صلاتي إذا ذهبت إلى بريد الزمان والمكان، بوصفهما مشتركات في الحقيقة بين الخالق والمخلوق، أم أن الصلاة أصلا باطلة بالفتاوى الشاذة، فلا داعي لوصولها، لأن الصلاة الباطلة إلى العنوان الخطأ كضرب الأعور على عينه العوراء.

9-ما فائدة أن تحدثني عن العبادة والموت في سبيل الله، وتعطل صفات  الإله، وبذريعة التنزيه أفسدتَ قطعي الإثبات، وجعلت الله معنى مطلقا عَدَمِيا لا وجود له في الحقيقة، فإلى أين تذهب روحي وهي ساجدة للوجود المطلق في الذهن لا في الحقيقة الأصيلة، وبعد أن ضحيتُ بها في سبيل العدم، فما فائدة تضحيتي عندئذ؟!، وماذا كان يضرك لو حرَسْتَ محكمات الإثبات في الصفات، وقطعي التنزيه لله عن المخلوقات، بدلا من التجسيم والتعطيل بسبب العكوف على المتشابهات.

10-ما فائدة الحديث عن حب الوطن والفداء والتضحية إذا كان الوطن صار قفصا حسب مواصفات القوى الاستعمارية (سايكس بيكو) التي قطعَت يدي الممدودة لأخي في العقيدة الذي يُذبح خلف الأسلاك الشائكة، بِـيَـد المواطن الجغرافي الباطني المعادي للأمة، ثم البكاء المزيف على النسيج الوطني الجغرافي، بينما لم تبك على أيدي الإخوة في الإيمان الذين خدَشَت الأسلاك الشائكة ظهورهم وأيديهم وهي تُـمَد إلى الضحايا .

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان المحروسة

  5 -صفر  -1442

 23 – 9 -2020

3 thoughts on “حضارة مزيفة تعطيك كل شيء وتأخذ أحسن شيء   رعد وبرق بلا مطر

  1. سبتمبر 24, 2020 - Sahoomalmomani@gmail.com

    رائعه جدا دكتور وليد الله يفتح عليك

  2. سبتمبر 25, 2020 - غير معروف

    أحسنت وابدعت بوركت وجزاك الله خيرا افرحتني من كل قلبي حفظكم الله وجعلك درع لدينه ولرسوله والأمة

  3. سبتمبر 26, 2020 - غير معروف

    ما شاء الله تبارك الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top