حدث معي أنا والحُمَة التاجي (الكورونا)

تمهيد:

مرت بدايات الوباء حيث كانت تستدعي الحالة الواحدة نفيرا عاما، وتستحق أن تكون خبرا عاجلا في الإعلام، وكانت لمصاب الكورونا هيبة خاصة، فأما الأطباء والممرضون فهم من كل حدب ينسلون، والجنود والحرس من كل جانب إليه يهرعون، لم أصَب في بدايات هذه المرحلة، بل أصبت في نهاياتها حيث بدأ الحجر المنزلي للمصاب.

1-الرسالة وصلت:

على كلٍّ، ما زال في نهاية تلك المرحلة شيء من الهيبة لمصاب الكورونا، ولما جاءتني الرسالة بأنني مصاب، شعرت بفضول عجيب وهو أنني سأطلع على معرفة جديدة، سعت إلي ولم أسع إليها، فأعلنت لأهل بيتي بأنني مصاب والوقاية الصحية واجبة، فسكنت في صالون المنزل حيث المرافق كافية من إعلام وحمام ومكتب.

2-استغلال الظروف:

صحيح أن الإعلان كان من أجْل الحجر الصحي، لكن الأهداف الحقيقية تقاطعت مع الإعلان، وهو الدخول في عزلة تامة يكون فيها التأمل في المصير، واتخاذ القراءة والحاسوب رفيقين مخلصين لا يعكر صحبتهما سوى طرق الباب لإدخال حاجة الإنسان من الطعام والشراب، مع حالة من الرهبة تعتري مَن يدخل علي، وكأنني في قبر يستوحش الناس منه، وكأنني دفنت قبل أن أدفن، وهي صورة مصغرة من الموت.

3-حرارة معركة طرد الغزاة:

امتلأت الطاولة أمامي بأنواع الأدوية من مسكنات، ومضادات، وخلطات طبيعية، حيث تحول الصالون إلى صيدلية بالإضافة إلى المرافق الأخرى، واعتزلت المسجد، وبقيت أعطي محاضراتي عن بُعد، وهي كالمعتاد سوى حالة السعال التي كانت تخلع صدري من مكانه أحيانا،  فأنظر تارة إلى الأدوية تارة،  وتارة إلى جسمي الذي أحسبه يغلي كغلي الحميم، بسبب الحرب المستعرة بين الجسم والغزاة الجدد، وأنا أشعر بأن تقنيات شركات الأدوية بكل أدواتها عاجزة عن أداء المقاومة في جسمي الضعيف، في تلك المطاردة للغزاة التي تستمر  أسبوعين.

4-لا تنس التأكُّد من ميزان الحرارة:

عندما كنت أقيس حرارتي أجدني في حرارة منخفضة  متجمدا منذ ثلاثة أيام، وتارة أستعر نارا، فقلت: سبحان الله تعالى، كيف يعيش المرء في هذه الحرارة المنخفضة التي تؤكد أنني متوفى منذ ثلاثة أيام، وتارة أشتم رائحة الحرارة تنبعث من أقدامي، ولكن حرارتي -حسب الميزان- طبيعية مع لفَحاتٍ كأنها من ريح السموم، شعرت بأن الأمر ليس مُقْلِقا، فأنا ما زلت بكامل قواي، ولكن المفاجيء في الأمر أن أكتشف بعد الشفاء أن ميزان الحرارة يقيس خمس درجات أقل من الحقيقة، مما يعني أنني عندما كنت أجد حرارتي 37 فهي في الحقيقة 42، وهذه ميزة للميزان الخربان، لأن الميزان الصحيح يوجب علي الذهاب للمستشفى بسبب الحرارة المرتفعة، ولكن انتبه أيها القاريء لميزان الحرارة، فليس في كل مَرّة تسلم الجَرَّة.

5-كرامة الإنسان المتمرد:

لفت  انتباهي وأنا في قبري المرفَّه بالإعلام والخدمات المختلفة كرامة هذا الإنسان المتمرِّد، فإذا كان هذه هو الحَجْر ،أن يطلع من قبره على أخبار العالم، ويأتيه رزقه رغدا حيث شاء، ويغدى ويراح عليه بالأطباق، بالإضافة إلى رسائل وهواتف الاطمئنان بالرغم من أنني جعلت الأمر سرا، وتلك الطاولة التي تحسبها طاولة صيدلاني ازدحم عليه الزبائن، فأخْرَج لهم من كل زوجين اثنين من الأدوية محلي وأجنبي، أفلا يكفي ذلك لساعة من التدبر ،ترُد الإنسان إلى ربه، يدرك فيها ضعفه ونعم الله عليه، بطرد الحُمَة (الكورونا) من جسمه خلال أسبوعين،مع أن ذلك الحُمَة   قلَب السياسة والاقتصاد والطب والمجتمع، وحول تقنيات الإنسان التي افتخر بها إلى خردوات، ناهيك عن انقلابات الفتوى التي قلبت حقيقة الجمعة الشرعية وصُليت الجمعة في البيوت .

6-بعد انتهاء فترة الحجر:

خرجت من بيتي، وكأنني لست من أهل تلك الدنيا، وكأن الشارع ليس هو الشارع، وشعرت بتغيير كبير في نفسيتي حيث كنت منهمكا في دراستي منقطعا انقاطاعا تاما، مستغلا الحجر ،فإنه لحظة ربما لا تعود، ثم ذهبت إلى المستشفى وأجرَيت فحص الحُمَة التاجي مرة أخرى، فكانت النتيجة سلبية، وشعرت بولادة جديدة، وبلطف الله تعالى بعباده، وأن لطفه تعالى يجري وعبده لا يدري. 

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان المحروسة

   10-شعبان  -1442

   24-  3-2021

8 thoughts on “حدث معي أنا والحُمَة التاجي (الكورونا)

  1. مارس 24, 2021 - محمد انس الزرقا

    أجدت في وصف الاصابة بالكورونا، والنجاة منها. الحمد لله الشافي الذي من عليك بالعافية وعلينا بأمثالك.

  2. مارس 24, 2021 - غير معروف

    لا باس عليك دكتور وليد سلامات

  3. مارس 24, 2021 - مثنى الراوي

    الحمد لله على سلامتك فأنا أشعر بما تفضلت به لأني أصبت ولم أكن أعلم بذلك الابعد مضي فترة بعد أن انتقلت إلى عائلتي والحمد لله على كل حال وإليه المآل

  4. مارس 24, 2021 - ابراهيم ابو العدس

    طهور يا مولانا، ربي يحفظكم

  5. مارس 24, 2021 - Khalil Rawaheneh

    الحمد لله على السلامه طهور إن شاء الله تعالى.
    خليل سليمان الرواحنه

  6. مارس 24, 2021 - فتحي حسن ملكاوي

    الحمد لله على السلامة

  7. مارس 24, 2021 - هشام حسين محمد علي

    شافاك الله وعافاك من كل سوء وأطال الله في عمرك ومتعك بنعيمه في الدنيا والآخرة

  8. مارس 28, 2021 - Nayf Torky

    عليك العافيه دكتور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top