حجية الإجماع الثابت … تحريم المخدرات نموذجا في حماية السِّلم المجتمعي

1-الإجماع على قياس المخدرات على الخمر في التحريم:

حرم الله تعالى الخمر بالنص الشرعي ، فقد يشكك أحدهم في حكم التحريم باحتمال النسخ، أو التخصيص، أو خطأ المجتهد، فـيُردُّ عليه بانعقاد الإجماع على نفي تلك الاحتمالات، ثم تظهر آفة المخدرات، فيقوم المجتهد بالنظر، فيقيس المخدرات على الخمر بعلة الإسكار، وعلة الإسكار مستنبطة غير منصوصة، وهي من عمل المجتهد المحتمل للخطأ، فيبقى الحكم الشرعي بتحريم المخدرات ظنيا راجحا غير قطعي، ويمكن أيضا أن يستفاد من القياس اللغوية، بحيث يطلق على كل ما يسكر خمرا، وعليه تصبح المخدرات خمرا تتناوله الآية مباشرة بطريق اللغة، دون علة الإسكار، ومع ذلك يبقى ظنا راجحا لاحتمال خطأ المجتهد في تنزل حكم الخمر على المخدرات.

2- الإجماع الثابت حجة على المجتهدين فكيف بغيرهم:

فإذا انعقد الإجماع على صحة قياس المخدرات على الخمر، سواء كان من جهة قياس العلة أم قياس اللغة، يكون الحكم الاجتهادي الفردي الظني ارتقى بالإجماع المستند للقياس الذي أصله النص الشرعي بنوعيه (اللغة والعلة) السابقين، إلى درجة القطع، الذي لا يحتمل المخالفة، ومخالفته حرام، ويُهدم كل اجتهاد يخالف التحريم، ولو كان من إمام مجتهد في الاجتهاد، لأنه يحرم على المجتهد الذي توافرت فيه شروط الاجتهاد مخالفة الإجماع، وهذا الضابط الشرعي يقضى على أي احتمال لِـبُداية تشكل جنين رجل دين صغير، له قداسة فوق الأمة ومجتهديها، بل فوق الدين نفسه.

 3- إنكار حجية الإجماع تدمير لوحدة الأمة وكيانها:

وفي حالة التشكيك في حجية الإجماع، سيصبح تحريم المخدرات وجهة نظر، والمبيح للمخدرات معذور شرعا في حالة إنكار حجية الإجماع، ولِمنكري حجية الإجماع أن يطلعوا على ردود أهل السنة على منكري الإجماع وهم الشيعة والخوارج ومن لفَّ لفَّهم من عَـرِّيطة المناهج آخر الزمان، وهو مسعى واضح لنسف قطعيات الشريعة وتحويلها لظنيات، ثم تحويل الظنيات لمتشابهات، تمهيدا لإسقاط الإسلام جُملة، ولن تقوم قائمة لأمة ليس لها ثوابت قطعية، خصوصا وهي تعاني اليوم من مظاهر الفوضى السياسية والفكرية، التي يمكن أن تتحول في حال الفتنة إلى حرب مسلحة، بسبب عدم وجود أرضية القطعيات الشرعية الجامعة للأمة والتي تشكل ملامحها وشخصيتها.

5- الإجماع أساس الاستقرار والسلم المجتمعي:

إن الإجماع بوصفه حجة قاطعة نهائية غير قابلة للنسخ والتخصيص، هو ركن في جمع كلمة الأمة بعد تقسيمها على سنة الشيخين سايكس وبيكو، والآن هناك من يسعى إلى تقسيم الدولة القطرية عرقيا ومذهبيا، مع دعم كامل للطوائف الباطنية العابرة للقوميات، بينما ترى دعما لكل ما يقسم أهل السنة حتى في القطر الواحد ويهدم مرجعيتهم من الغلاة والجفاة، وإن الحرب الفكرية على الإجماع بوصفه حجة شرعية قاطعة عند أهل السنة، هو أبعد من الرأي الشخصي، بل هو جزء من محاربة مرجعية الأمة، تشنها ميليشيات التجسس الثقافي للاستمرار في تفتيت الدولة القطرية وتحويلها إلى عشوائيات يتزعمها رجال العصابات من الغلاة والجفاة الأكثر فتكا بدماء المسلمين، وإن لم يكن الإجماع هو حبْل الله تعالى الذي أمرنا بالاعتصام به في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا)، فلا أعلم لله حبلا يستمسك به في هذه الأرض الفانية.

6-مراجع حجية الإجماع عند أهل السنة:

للخوارج والشيعة ومن تابعهم في إنكار حجية الإجماع، أن يطلعوا على ردود أهل السنة على منكري الإجماع، في هذه المصادر: الرسالة للشافعي، الإحكام لابن حزم، أصول السرخسي، المستصفى للغزالي، وغيرها كثير، حتى نُساهم جميعا في منع ظاهرة السلطة الدينية المطلقة باسم الإسلام، وتفرض وصايتها عليه ثم يبدأ تحريف الأحبار والرهبان لإسقاط الشريعة، بسبب إنكار حجية الإجماع، على يد رجال دين أصبحوا فوق الدين نفسه، ويحكمون على الإسلام افتراء عليه، وهو الحاكم العدل عليهم.

مقالة ذات علاقة: هدم الإجماع يعني بداية تشكل طبقة رجال الدين …وما الحالة التي يجب فيها الإجهاض؟

وكتبه عَبْد ربه وأسير ذَنْـبه

د. وليد مصطفى شاويش

الطريق إلى السنة إجباري

صبيحة الجمعة المباركة

8-7-2016

عمان المحروسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top