بعد فتح المساجد للصلاة لم يطلع الصبح بعد*** حيَّ على النوم ، صلوا في بيوتكم   

حدثني بعض الأئمة أن بعض المصلين لم يحضروا الصبح في الجماعة بعد حملة الشك الموسمية التي تعرضت لها أوقات الصلاة والصيام، وتحلل أصحابها من فريضة الصوم فتسحروا بعد الصبح، وأفطروا قبل الغروب، وبعد ضجيج فتح المساجد وقد فتحت -بحمد الله- صلى بعض أتباع الشك في بيوتهم الصبح، والشيخ يؤذن ويقيم للصلاة في المسجد، كل ذلك يعني أن جروح الشك أعمق من مسألة بعينها، بل هي نموذج عام يلتبس بالشريعة كلها، وأصبحنا أمام شريعة المحتمِلات الموهومات لا القطعيات المحكمات  والظنيات الراجحات.

أولا: المكلف مطالب بالعمل بالاجتهاد الصحيح:

ومن صلى العصر ثلاثا ظانا أنها أربع سقطت المطالبة بإعادتها، ولا يأثم عند الله تعالى وهو معذور شرعا، وكذلك من نسي طَوْفة من الطّوْفات بالبيت في الحج والعمرة، لأن المكلف قد أتى بما كلف به في حدود طاقته وعلمه، ورفع الله عنه إثم ما لاطاقة له عليه، وكذلك لو غلطت الأمة في تقدير الأول من ذي الحجة ووقفة يوم عرفة  في العاشر بدلا من التاسع فقد صح حجهم، وبناء على ذلك فإن العبد لم يكلف بإصابة الأمر في نفسه، بل كلف ما هو في حدود طاقته.

ثانيا: ما الواجب على المكلف:

إن المكلف مخاطب بالعمل فيما تقضي به جهة الاختصاص الأكاديمي العلمي، بينما في فضاء العولمة لم يعد شيء من الاعتقادات والشرائع يثبت والسبب أن المكلف الذي حقه السؤال أراد أن يصيب الواجب الشرعي في نفس الأمر الذي يعجز المجتهد عن الجزم به، مع أن الشريعة عذرت المكلف في إصابة الوقت في نفسه إذا سلك مسلك الاجتهاد المعتبر، فمن تحرى أنه على طهارة في نفسه ثم صلى بموجب ذلك التحري أجزأته وهو معذور إن كان فعلا على غير طهارة، ولا حساب عليه يوم الدين لأنه أتى بما وجب عليه.

ثالثا: العامي يعين المجتهد:

الذي حصل أن المكلف يعتقد أن إصابة الأمر في نفسه هو الواجب شرعا، مع أنه مكلف بمسار الاجتهاد الصحيح، لا بالإصابة في نفس الأمر، ويعذر فيما بعد ذلك، ومسار اجتهاد العامي في هذا الأمر هو تعيين المجتهد المختص، وهي الجهات العلمية المعنية بتعيين أوقات الصلاة، مثل المراكز الفكلية والمؤسسات الجغرافية المعنية بالأمر، بالإضافة إلى جهة الولاية الراعية للمسجد التي تعتمد في الجوانب الفنية على المراكز والمراصد المختصة.

رابعا: الخطأ في الاجتهاد معذور خلافا لأتباع الشك:

 وإن أخطأ فهو معذور لأنه أتى بما وجب، أما متتبعو المتشابه في الشريعة والفلك فهؤلاء تظهر فيهم  فتنة الشك، وحسبهم أنهم صدُّوا العامة عن بيوت الله تعالى، ولا زالت الأصوات تأتيك من وادي الشك السحيق تزعم أنها تريد أن تبريء ذمتها أمام الله وهي تصد الناس عن الصلاة، كورع الذي ترك الصلاة في المسجد بسبب فرجات الشيطان بين المصلين، لا شك أنه ورع منه ولكنه كان فريسة سهلة للشيطان.

خامسا: المتشابهات في الفلك أيضا:

إن الشك هو علامة التيه في هذه الأزمنة، والعامي مكلف بتقليد جهة الاختصاص بصفتها المؤسسية الفلكية والعلمية، ولا يعني ذلك إجماع الفلكيين أصلا، بل إن الآراء المنفردة والشاذة موجودة في الفلك، والاجتهاد المؤسسي الفلكي كفيل بتحاشي سلبيات الآراء الفردية من المختصين فيه، ولكن الذي تعود في الفقه أن يعيش في الروايات في الهامش ولم يعتد الاطمئنان في وسط الصفحة، سيروق له أن يبقى في الهامش في الفلك أيضا، فالعيش في الهوامش والأقوال الشاذة في الدين تصبح عندئذ حالة نمطية تنسجم مع الحالة الفردية في التدين، التي هي أساس العولمة.

سادسا: صلوا في بيوتكم وحالة الشك النّمَطي:

إن طريق الشك في الشرعيات لا نهاية لها ذلك أنها حالة نمطية تتبع نفسية الشك، وهذه النفسية ستبقى تنتج الشك، ولا يفيد فيها بينة ولا قرينة، لأن غور الشك بلا قاع، ولكن المشكلة في صدهم العوام من المسلمين عن بيوت الله تعالى، وتشكيك الأمة بسبب هجران المركز والعيش في الأطراف، والواجب هو تحصين المجتمع من نمطية الشك في الشريعة، وحث المصلين على طرح الشك والإقبال على الصلاة في المسجد، خصوصا أن حالة الشك أصبحت نموذجا مستوطنا وليس عابرا، والتعامل مع النموذج بوصفه كُلاًّ أفضل من التعامل مع الجزئيات، لأن التعامل مع الجزئيات سيكون حرب استنزاف.

سابعا: وما أنا من المتكلفين:

إن الذين تكلفوا الإصابة في نفس الأمر وأعرضوا عن طرق الإثبات الشرعية  في بداية رمضان وشوال والصبح والغروب وشروط الصلاة وفي القضاء بين المتخاصمين قد اضطربوا لتعدد الاجتهاد في الاختصاصات العلمية من طب وفلك وغيرها، فلا هم أصابوا الأمر في نفسه، ولا هم بقُوا مع الشرع، ورجعوا من غير فلك ولا شرع، وهذا هو سبب الفساد في المعرفة، وهو التردد في الشك، فلا هم إلى الفلك اتبعوا ولا إلى طرق الثبوت في الشرع أطاعوا.

مقالة ذات علاقة: 

حالة نموذج الشك العام الموسمي الشك  في وقت صلاة الصبح

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان المحروسة

 10-ذي القعدة -1441

 1-7 -2020

1 thought on “ بعد فتح المساجد للصلاة لم يطلع الصبح بعد*** حيَّ على النوم ، صلوا في بيوتكم   

  1. يوليو 1, 2020 - منى حوامدة

    من كتاب صيد الخاطر الجوزي
    عجبني ما تصيد منه من الخواطر
    ما أكثر تفاوت الناس في المفهوم
    حتى العلماء يتفاوتون التفاوت الكثير في الأصول والفروع: فترى أقوام يسمعون أخبار الصفات فيحملونها على ما يقتضيه الحس
    كقول قبائلهم ينزل بذاته إلى السماء وينتقل !
    وهذا فهم ردئ لأن التنقل يكون من مكان إلى مكان
    ويوجب ذلك كون المكان أكبر منه ويلزم منه الحركه وكل ذلك محال على الله عز وجل
    فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر”
    فكيف ينزل الله وعلومه لازم له فنقول:
    هذا يحار فيه العقل لكن يجب علينا أن نصدق ونؤمن بأنه ينزل :والله اعلم بكيفية هذا ،لان الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته
    وهذا في الأصول
    فأقل موجود في الناس الفهم والغوص على دقائق المعاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top