الفرق بين الحِج بالكسر والحَج بالفتح… أهمية علم الصرف للنظر في النص الشرعي

تمهيد:

إن النص الشرعي هو البحر الذي تكمن فيه ثروة الأحكام الشرعية، ولا سبيل لاستخراج تلك الأحكام إلا بالآلة المناسبة، وإن الأحكام الفقهية كالثروات البحرية، لا يوصل إليها إلا بالصناعات الثقيلة وهي: الصناعة الحديثية، والأصولية، واللغوية، وإن اقتحام المياه العميقة من غير تلك الصناعات، عاقبته الغرق في دوامات المتشابه من النصوص دون ردها للمحكم، ذلك الغرق الذي ينتج اضطرابات الغلو والتحلل، التي تهدد بناء المجتمع، وقد رأيت أن أُلمِح إلى أهمية الصناعة الصرفية، بوصفها غواصة محكمة الصُّنع تجري في نصوص الشريعة العميقة، ونستخرج بها اللؤلؤ والدر، وبغيرها نستخرح الانحطاط والحجر، وليس هذا ذنبَ البحر، بل ذنب المقتحمين في عصر اتسع فيه الخرق على الراقع، في زمن لا يفرق فيه بعض الناس بين الحجر والألماس.

أولا: ما الفرق بين الحِج بالكسر والحَج بالفتح:

1-معنى الحَج بالفتح:

نقول الحَج بالفتح: من حج يحُج البيت بالضم بمعنى قصد البيت، لأن القياس الصرفي أن الفعل إذا كان متعديا، وكان الفعل مضاعفا، أي أي عينه ولامه حرف متماثلان، مثل حج، أصلها حجَجَ على وزن فـَـعَل، ولامه ج وكذلك عينه، فإن مضارعه يكون بالضم، مثل حج البيت يحُجه، وشدّ الحبل يشده، وحلّ العقدة يحُلها، وهكذا في بقية الأمثله على هذا القياس، وهو ضم العين في الأصل إذ الأصل يحجُج، ونقلت حركة عين الفعل وهي الجيم إلى إلى فاء الفعل وهي الحاء وأدغمت عين الفعل ولامه.

2-معنى الحِج بالكسر:

ونقول: الحِج بالكسر، من الفعل حج يحِجُّ إلى البيت، بمعنى قدِم إلى البيت الحرام، ذلك لأن الفعل إذا كان مضاعفا ولازما، أي يصل إلى مفعوله بحرف جر، فإن القياس  في مضارعه أن تكسر عينه، فتقول حج سعيد يحِج إلى البيت بالكسر، بمعنى قدِم إلى البيت، لذلك نقول شَدّ في الجري يَشِدُّ، وقلنا سابقا في التعدي يحُج البيت ويشُدّ الحبل كلاهما بالضم، وهذا كله على القياس إذ الأصل يحجِج، ونقلت حركة الجيم التي هي عين الفعل، إلى الحاء التي هي فاء الفعل، فصارت الحِج بالكسر.

 وكذلك لاحظ التعدي والتضعيف في قولهم حلّ العقدة يحُلها بالضم، ولاحظ اللزوم والتضعيف في قولنا:وحل الطعام يحِل بالكسر، وهذا يوضح أن التضعيف مع التعدي يجلِب الضم، فقلنا: يحُلّ العقدة بالضم، أما التضعيف مع اللزوم فإنه يجلب الكسر، فقلنا: يحِلّ الطعام، أما السماع  فهو على خلاف القياس، وشذوذ الكلمة عن القياس لا ينافي فصاحتها، لأنها مسموعة من كلام العرب، وفي القرآن الكريم من المسموع الفصيح المخالف للقياس، وقد تقصّى ابن مالك وابنُ زين في اللامية وشرحها القياس والسماع في ذلك.

ثانيا: الفائدة من تعدد القراءة القرآنية:

وقد قريء في الكتاب {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، بالكسر “حِج”، وبالفتح “حَج”، ومعنى ذلك أن تلاحظ في قراءة الكسر معنى القدوم، أما في قراءة الفتح فإنك تلاحظ معنى القصد، وهذا يوضح ثراء القراءات القرآنية للمعنى، ولو وضعت قراءة الكسر في آية مستقلة، والفتح في آية مستقلة لأدى ذلك إلى كبر حجم القرآن الكريم بما لا يطيقه الخلق، فجاءت القراءات للإثراء في المعاني والاختصار في المباني، فترى الكتاب ثريا في المعنى قليلا في اللفظ، وهذا هو الفصاحة بعينها، حيث بينت الفتحة نية الحج وهي القصد، أما القدوم فهو أفعال الحج، والحج في الفقه هو النية والأركان، أي القصد والقدوم، والآية بالقراءتين شملت القصد والفعل.

ثالثا: أهمية الصرف في معنى الكتاب العزيز:

يعتبر الأصوليون أن النحو شرط من شروط المجتهد، ويعدون تصريف الأفعال أهم من تصريف الأسماء، ذلك لأن تصريف الأفعال يتعلق به أمر الشرع ونهيه أكثر من الأسماء، مع أن تصريف الأسماء مهم كما لا يخفى، ولذلك هناك العديد من الأحكام الفقهية تتضح بالصرف، ويدل عليها الصرف، وعدم فهمها أدى إلى إشكالات مروِّعة، تظهر بين الحين والآخر على ألسنة الحكواتية، الذين يهدفون إلى الدهشة والغرابة، وليس لهم في صناعة الصرف والنحو ناقة ولا بعير، ولا يملكون فيها شَرْوى نَـــقِير، كما أنهم يعانون من صعوبات في القراءة ومخارج الحروف، كما بينتها سابقا في التفريق بين صوم وصيام.

رابعا: نشر الطُّرة على الطـُّـرة:

1-اللاميَّة تعب شهر وندامة دهر:

وقد رأيت أن أنشر الطُّرة على الطُّرة، وهي تعليقات لي على لامية الأفعال لابن مالك، وشرحها لابن زين، وقد كتبت تلك التعليقات بين يدي شيخي الشنقيطي: أحمد المصطفى -حفظه الله تعالى، وكان ينقل قول الأشياخ في اللامية: تَـعَبُ شهر وندامة دهر، ومعنى ذلك أنها لا تأخذ وقتا في التعلم يزيد على شهر، ولكن من جهلها ولم يتعب شهرا في تحصيلها  ندم الدهر كله.

2- الطُّرة على الطرة :

 وقد شرحت الطرة صوتيا للطلاب، في جامعة العلوم الإسلامية الموقرة، ولكن لم يتسع الوقت لأُخرجها في كتاب سهل العبارة للطلاب، لذلك رأيت أن أنشر هذه اللامية كما هي بتعليقاتي عليها، خشية أن تضيع مني بسبب التنقل والترحال، كما ضاعت كتب أخرى عليها تعليقاتي، التي دونتها بين يدي شيوخي الشناقطة، الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

للمزيد:

1-ضجة التفريق بين الصوم والصيام…ولزوم ما ليس فيه إلزام…وسع صدرك

2-الشرح الصوتي للامية الأفعال 

3- تحميل الطرة على الطرة 

 

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة

7-7-2017

 

1 thought on “الفرق بين الحِج بالكسر والحَج بالفتح… أهمية علم الصرف للنظر في النص الشرعي

  1. أغسطس 19, 2018 - أبو بسام

    بارك الله فيك يا دكتورنا الفاضل وجزاك الله خيرا أسأل الله تعالى أن يرفع بكم الأمة ويجعله لك في الميزان حسناتك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top