الطائفية الباطلة أقوى من الوطنية المزيفة أما الأمة (أهل السنة والجماعة) فهم شيء مختـلِف (يُـــؤفَك عنه مَن أُفِك)

1-عندما تجمع الطائفيات التي انشقَّت عن الأمة أصحابها على عقيدة باطلة عابرة للحدود الوطنية والقومية وخريطة التَّالِـــفَـين سايكس وبيكو، عندئذ تصبح أقوى من الذين تخلَّوا عن الأمة لصالح الجغرافيا والمكاسب الدنيوية المؤقتة، وأصبحت الجغرافيا والفئوية مهددا كبيرا يعمل على تفكيك الدولة الوطنية نفسها، بسبب إثارة النعرة القومية والجغرافية وروابط الدم الضيقة بين أبناء هذه الأمة الواحدة على حساب الجامع الكبير وهو الإسلام، ويحدث ذلك-مع الأسف- في أمتنا أهل السنة والجماعة.

2-في هذا الوقت لن تفلح التربية الوطنية القائمة على مقولة: (من يشربْ من البِـير لا يُلقي فيه حَجَرا) لأن الجميع ليسوا على قدم المساواة في الشرب من البير، فهناك من لا يصل إليه ليشرب منه أصلا، مما يعني أن من لا يشرب فله أن يلقي فيه حجرا، وهي تربية قائمة على الفكر الانتهازي النفعي القائم على  عبادة المنفعة والمصلحة، والأنانية المفرطة، ويصدق على أصحاب هذه المقولة، قول الشاعر : (إذا مِتُّ ظمآنا فلا نزل القَطْرُ)، وأصبح البير الذي يتخذه بعض الناس رمز الوحدة والوطن نـُـصُبا يذبح عنده الإنسان، في صراع دنيوي مصلحي مؤقت، لا قيمة فيه لدم من يشرب ومن لا يشرب، حتى تلوث البئر بدماء الشاربين وغير الشاربين، وحتى صار حال بعض بلاد المسلمين إلى : (وبئر معطَّلة وقَصْر مَشِيد)!!

3-ولكن حماية أمتنا من حالة التفكيك المتواصل والانشطار المستمر الذي أصبح يهدد الدولة القطرية نفسها، بعد شطرها سابقا عن جسم الأمة على سُنة التالِفَـيْن سايكس وبيكو،  هو أن نقف صفا واحدا وراء نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم، صفا لا يقف عند مصلحة دنيوية خاصة مؤقتة، بل هو صف واحد ثابت ثبات العقيدة نفسها، ويرى أن مكسبه الكبير هو حط الرحال في الجنة، وهو أمر غير قابل للتفاوض عليه من أجل لعاعة من الدنيا ولا من أجل الشرب من البير، وأن عمق العقيدة الذي مر بخلق أبينا آدم في الجنة والمار في الدنيا برسالة الرسل عليهم السلام سوف ينتهي بنا مرة أخرى في الجنة إن شاء الله، عندها ننزع فتيل النزاع على البير، وسيشرب الجميع بالعدل والإحسان، هذا عندما يصبح الإيمان هو المحدَّد وهو الموجه، وليس عبادة المنفعة الاقتصادية، وسيصبح للوطن مع الإيمان معناه الحقيقي في الحياة الطيبة والعادلة للجميع من المسلمين وغيرهم، بسبب توافر القوة الكبيرةالضامنة للعدالة، والماثلة في الأمة (أهل السنة والجماعة).

4-أليست التربية على العقيدة الـحَقَّة، أقوى من التربية على مقولة: (الذي يشرب من البئر لا يلقيه فيه حجرا)، وأن التربية على العقيدة الإسلامية تتجاوز مقولة البئر الهشَّة إلى قول الشاعر كبير القلب: (فلا هَطَلت علَيَّ ولا بأرضي … سَحائِبُ ليس تَنْتظِم البلادا)، وعندئذ لا تجوز استباحة الدماء لأي غرض دنيوي أيا كان ذلك الغرض، وتصبح عقيدة المسلم أن سفك الدم من أجل الصراع على الشرب من البئر، هي مفسدة في الدنيا، لها امتدادها في عذاب في الآخرة، وأن الخوف من الله والرغباء إليه والعمل، بهما تبنى أمتنا على مُكْث، وتحقن الدماء، وهذا هو وعد الله للمؤمنين بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، وبذلك نكون قادرين على تفكيك هجمات الطوائف الباطنية التي تتحوصل حول عقائد دينية انتقامية من هذه الأمة.

5-فالمواطنة الصالحة وحب الوطن لا يمكن أن ينفصلا بحال عن الأحوال عن حب خالق الوطن ولزوم أمره، واجتناب مناهِيه، لأن الوطن هو من جملة النعم التي أسداها لنا المنعم وهو الله تعالى، فلا نعبد الوطن على أرض الله، بل نعبد الله على أرض الوطن، وإن إيهام الفكر اللاديني بأن الوطن يتنافى مع الدين، هو من طبيعة هذا الفكر الانشطاري الذي يقوم على التناقض بين الدين والعلم، والإيمان والأوطان، والرجل والمرأة، والعقل والوحي، والإنسان والطبيعة، والعامل وصاحب العمل، والحاكم والمحكوم، وهذا الفكر الشاذ والغريب على هذه الأمة المؤمنة، أدى إلى تفكيك شخصية الإنسان، وحوله إلى كائن اقتصادي بيولوجي متوحش يجيد لغة حقوق الإنسان، على حساب الأمة ودينها.

6-وإن محاولات الفكر اللاديني زرع هذه التناقضات بين الدين والوطن في  المجتمع الإسلامي أدت إلى حالة من الانهيار تشهدها بعض البلاد العزيزة على قلب كل مسلم، وأدت إلى تفكيك الإنسان الذي أصبح تفكيكه مقدمة لتفكيك الأوطان وشرذمتها، بسبب الفكر اللاديني الأناني الذي يعْـبُد المنفعة الدنيوية الزائلة، ويجحد ما أنزل الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- من العدل والرحمة.

7-إن إحياء الإيمان وحب الآخرة في نفوس المؤمنين كفيل بجمع كلمتهم وحفظ أوطانهم من الإلحاد الذي هو سبب فساد الدارين الدنيا والآخرة، أما الوطن مع الإيمان فهو مصلحة دنيوية متصلة بمصالح الآخرة، التي أعظمها رضا الله تعالى، والإيمان أساس العمران، وأن محاولة فصل العمران عن الإيمان، هي جعل المتصل منفصلا، والمؤتلف مختلفا، والمتفق مفترقا، وهذا أشبه بفصل الجسد عن الروح، لأن الأرض هي ركن الاستخلاف الإلهي في قوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة).

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

صبيحة الجمعة المباركة

17-6-2016

عمَّان المحروسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top