الجمع بين الصلوات بسبب الحظر ليس الخلل في الكلي كالخلل في الجزئي

تمهيد: وصف المسألة:

اتخذت الحكومة قرارا بحظر شامل يستغرق وقت العشاء، مما يعني أن العشاء ستصلى في البيوت، وقام بعض الأئمة بجمع العشاء مع المغرب، مستدلين بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة، في غير خوف، ولا سفر» قال أبو الزبير: فسألت سعيدا، لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: «أراد أن لا يحرج أحدا من أمته) والحديث في نفي الحرج وحصل الجمع من غير سبب المطر والسفر، فجاز لذلك الإمام الجمع.

أولا: دلالة الفعل والقول في الشريعة:

1-علاقة دلالة الفعل مع القول:

إن دلالة الفعل من حيث الحكم مجملة في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم  بين العزيمة والرخصة، والوجوب والندب والإباحة والكراهة، ولا تعم من حيث الفعل إلا إذا كان معه القول الذي يكسو الفعل بالبيان والحكم بالوجوب والندب والإباحة أو الكراهة بالنسبة للمكلفين، وكذلك الصيغة القولية هي التي تضفي على الفعل العموم في الزمان والمكان، وعليه فإن الفعل أَبْيَن في الكيفية، وأما القول فهو أَبْيَن في الحكم، فإن الفعل من حيث هو فعل مجمَل أي محتمل للأحكام التي ذكرتها، وأما القول هو المحكم المبين لتلك الأحكام من حيث عمومها وخصوصها، ونوع الحكم.

2-دلالة الفعل في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:

بما أن الفعل مجمل أي لا يفيد العموم في نفسه، فإن حديث ابن عباس رضي الله عنهما شأنه في ذلك شأن رواية فعل النبي صلى الله عليه وسلم مثل:  جمَع بين الصلاتين، وصَلى في الكعبة، فهذه مجملة لا تعم أكثر من صلاة فرض أو نفل، أو تحمل على جمع التقديم أو التأخير  ولا تحمل عليهما معا، ويفسر الحديث بحمله على معنى واحد من معانيه، كما هو الحال في المجمَل وتفسير  حديث ابن عباس يحمل على تلك الحالة لأن البيان بالقول، وفيما يأتي توضيح هذا البيان.

3- بيان القول أن الصلاة في وقتها:

قال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) وبما أن العموم بالقول في قوله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا، وجب تعيين رواية ابن عباس في محلها وقصرها على حالة بعينها، جمعا بين الحديث المجمل والآية التي هي بيان في العموم، وبذلك يُعمل بالدليلن المجمل بحمله على واقعة بعينها، وبالآية في المحافظة على العموم بالصلاة في وقتها، ومَن أراد أن يعمم حديث ابن عباس في الزمان، فقد اتبع المجمل المتشابه في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وعطل البيان والعموم المحكم في قوله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)

4-عمل الأمة والآئمة:

إن عمل الأمة والأئمة بالبيان وحمل المجمل في الفعل على واقعة بعينها وعدم تعدِيَتها هو جارٍ على أصول الاستدلال، برَد المتشابه للمحكم، والمتشابه هو المجمل في الفعل بالحديث وردوه إلى المحكم والبيان في الآية، وعليه عمل الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان، خلافا لمن تنكب طريق السلف واتبع المتشابهات وزاغ عن المحكمات فهدم الصلاة في أوقاتها، وفساد الشجرة يُعرف بفساد الثمرة.

ثانيا: خطورة الإحداث في الأسباب:

من المعلوم أن الجمع بين الصلاتين له أسبابه المنصوصة بوصف الجمع رخصة على خلاف الأصل، الذي هو العزيمة وهي أداء الصلاة في وقتها، وإن القياس على الرخصة لا يصح لأنها استثناء خلاف الأصل ولما يؤدي إليه القياس على الاستثناء من مخالفة الأصول التي تشهد لها كثرة الأدلة بخلاف الرخصة، ناهيك عن عدم صحة القياس لأنه إحداث في أسباب الشريعة التي هي وضع إلهي لا بشري، وهو شر البدع والمفاسد التي تبدل الشريعة، فمن قاس على مشقة الصوم للمريض والمسافر مشقة الصوم لأصحاب المهن الشاقة والسائقين غير المسافرين يعني  إسقاط الصوم لأنه قاس في غير محل القياس أصلا وأدى إلى هدم الشريعة، ومثل ذلك يقال في الإحداث في أسباب الجمع، كإحداث الحظر سببا مبيحا للجمع بين الصلاتين.

ثالثا: الرخصة مشروعة بالنوع لا بالجنس:

يذهب المترخصون بلا مرخص في حديث ابن عباس رضي الله عنهما إلى نفي الحرج بمعنى إسقاط مشقة الشريعة، فكل دليل شرعي أصلا فيه مشقة التكليف، والمشقة المرفوعة عن الأمة هي المشقة الفادحة غير المحتملة، أما الحرج بمعنى المشقة المحتملة فهو مانع مغمور لا يخلو منه أي تكليف شرعي، ووجب احتماله، واعتبار الحرج المحتمَل المقدور ،  كالحرج الفادح المرفوع، إسقاط لتكاليف الشريعة، لذلك الرخصة صالحة في محلها ومعتبرة بنوعها كما اعتبر السفر والمرض لجواز رخص السفر، وليس جنس المشقة التي يتعرض لها السائقون غير المسافرين، وأصحاب المهن الشاقة.

رابعا: الجمع بين روايات ابن عباس:

1-الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما:

جاء في الترمذي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر»: «وحنش هذا هو أبو علي الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره» [ص:357] والعمل على هذا عند أهل العلم: أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد، وإسحاق ” وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، ولم ير الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين “.

2-توجيه الجمع:

أ-بناء على أن الرخصة قاصرة على محلها ولا يصح القياس عليها

ب-وأن الحرج المرفوع هو المشقة الفادحة وأما غير الفادحة  فيجب احتمالها

 ج-وأن فِعل الجمع في حديث ابن عباس رضي الله عنهما مجمل يندفع إجماله بحمله على واحدة، وتأويل العلماء للحديث بالمطر  أو السفر في بعض رواياته، ووصف ابن عباس راوي الحديث بأن من صلاة  في غير وقتها فقد أتى بابا من أبواب الكبائر وإن كان ضعيفا فإنه مندرج تحت أصول المحكمات ولذلك عمل به السلف.

د- وأن الآية الكريمة : إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا،  هي أم الباب، وهي البيان الواضح الذي يفسر المجمل في حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

3-بناء على ما سبق:

فإنه يجب رد ما تشابه من حديث ابن عباس إلى المحكمات، وأنه لا يتعدى الواقعة التي جمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا الردِّ للمحكم جرى عمل الأمة والأئمة، وإن تجويز الجمع بسبب الحظر شاذ مركب على شاذ سبقه قبل الحظر بالاستهتار في أوقات الصلاة، وإن الحظر لم يكشف على مزيد من الشذوذ في هدم أوقات الصلاة، ويصدق فيه قول الشاعر:

لِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْ ذُؤَالَةْ … ضِغْثٌ يَزِيدُ عَلَى إبَالَهْ

خامسا: ما لا بد منه:

1-التحذير من التعامل الصحفي والإعلامي بالسنة النبوية، والتغرير بصلاة المسلمين.

2-التحذير من تتبع  المتشابه ورد محكمات الشريعة.

3-الاجتهاد هو الجمع بين الأدلة وهو متوقف على استقراء وتتبع لا يحسنه العوام.

4-القراءة النفسية للنص بعيدة عن قواعد الأصول وفهم السلف سبب الفتاوى الشاذة

5-الشذوذ يلد شذوذا شرا منه كنا نحذر من الشذوذ من الجمع بين الصلوات لعدم استيفاء شروط المذاهب المعتمدة فجاء الشذوذ بالجمع في الحظر ، والذي نفسي بيده ما من شذوذ إلى وبعده شذوذ شر منه.

6-الشريعة تواجه مخاطر داخلية على أيدي أبنائها وخارجية على أيدي أعدائها.

7-لا يجوز اعتبار الظرف السياسي وأخطاء الحكومات الإدارية سبيلا إلى تبديل الأحكام الشرعية الوضعية، كالأسباب والشروط والموانع، لأن الإحداث في هذه الأحكام قلْب للشريعة، ذلك لأن تبديل هذه الأحكام يقلب تلقائيا الأحكام التكليفية، كالواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام.

8-عدم تسييس حكم الجمع بين الصلاتين وجودا وعدما لأن ذلك يعني انقلاب العبادات وتبديلها.

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان المحروسة

  30 – رجب -1442

   14- 3 -2021

4 thoughts on “الجمع بين الصلوات بسبب الحظر ليس الخلل في الكلي كالخلل في الجزئي

  1. مارس 14, 2021 - لؤي جانم

    بوركتم دكتورنا الغالي وزادكم الله من فضله وعلمه.

  2. مارس 14, 2021 - غير معروف

    نفعنا

  3. مارس 14, 2021 - غير معروف

    نفعنا الله بعلمك واطال الله بعمرك ورفع درجتك

  4. مارس 25, 2021 - غير معروف

    نفعك الله بعلمك ونفع بك الأمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top