التحلُّل من الدين هو سبب الغلوِّ فيه جفِّف مستنقعات التحلُّل تقضِ على مُوبـــِقات الغلوّ

الملخَّص

كثرت شكوى مجتمعات المسلمين من الغلو في الدين أو ما يسمى في الإعلام بالتطرف الديني، أو التكفير، أو ما شابه ذلك من تلكم المصطلحات التي يمتليء بها فضاء الثقافة والإعلام، ويدعو المصلحون إلى التوعية الدينية بالإسلام من أجل الحماية من هذا الغلو في الدين، وفي هذا المجال لا يجوز أن نغفل عن المستنقعات التي ينبت فيها الغلو في الدين، وهي مستنقعات التحلل من الدين واقتراف الكبائر والتعدي على مقدسات المجتمع، والاستهتار بقيمه، ولا بد من تجفيف هذه المستنقعات التي تؤدي إلى الغلو في الدين، واستباحة الدماء والأموال، لأن المجتمع المسلم ضحية للمتحللين من الدين والغلاة فيه على حد سواء فالعلاقة بينهم جميعا علاقة التخادم، يؤدي أحدهما إلى الآخر، وكلاهما نال من دماء الناس وأموالهم ما يكفي.

أولا: المفردات ذات العلاقة بالموضوع:

إن الإعلام من حولنا وحديث النخب عن بعض المفردات مثل: التطرف الديني، التكفيريين، التشدد الديني، هي مفردات تستخدم دون وجود محتوى علمي محدد لها في التداول، فعلى سبيل المثال، لا يوجد معيار موضوعي في المجال الإعلامي أو الثقافي نستطيع خلاله من الحكم على الإنسان أنه متشدد أم لا، بل تستخدم هذه المفردات دون ضوابط محددة ضد الخصوم، ونظرا لفضفاضية هذه المفردات، يمكن أن تستخدم كلمة تكفيري لشيطنة فئة أو خصم، دون أي أمانة في الاستعمال، مع أن التكفير حكم شرعي يحكم به القاضي في الإسلام عند ثبوت شروطه وانتفاء موانعه، وليس لمن هب ودب أن يتعدى على القاضي المنصَّب من الحاكم في هذه الوظيفة، فممارسة كلمة تكفيري على النحو الموجود هي فوضى مقابلة للفوضى بالحكم بالتكفير من قِبل أناس ليسوا أهلا لذلك، وكلا الطرفين يشوهان المعرفة الإسلامية، ويوقعان المجتمع في أتون الفوضى الفكرية.

ثانيا: المصطلح الشرعي الصحيح هو: الغلو في الدين:

إن الآفات الفكرية والثقافية التي تنضح بها تلك المفردات السابقة التي لا تحمل معنى علميا محددا يمكن حماية المجتمع منها عن طريق تداول المصطلحات الشرعية المنضبطة، والصحيح هو استخدام مصطلح “الغلو في الدين”، وهو التشدد في الأمر إلى تجاوز الحدِّ الذي رسمه الشرع، مما يعني أن هناك حدودا وسقوفا رسمتها الشريعة لا يجوز تجاوزها، والشريعة بينت تلك الحدود وبينت فواصلها، بينما يفتقر الإعلام الذي يتداول المصطلحات السابقة: متشدد، تكفيري، متطرف، إلى بيان الحدود التي يوصف من يتجاوزها بذلك، وهنا أدعو لإلغاء هذه المفردات المُلْغِزة في معناها، واستعمالها، وأسهمت في تشويه التفكير وإثارة الاضطراب في المجتمع، وعلينا جميعا استخدام المفردات الشرعية لوضوح الحدود الشرعية في مصادرنا في العقيدة والفقه.

ثالثا: علاقة التحلل من الدين بالغلو فيه:

إن المطلع على الواقع يجد أن المجتمع الإسلامي ضحية لطرفي الإفراط والتفريط، الإفراط الذي هو الغلو في الدين، والتفريط الذي هو التحلل من الدين، وكلاهما خطوط متعرجة إلى جانب الصراط المستقيم الذي ندعو الله تعالى أن يهدينا إليه في كل ركعة من ركعات صلاتنا، إن المستنقع الآسن الذي يؤدي إلى الغلو في الدين هو فشو التحلل من الدين، واقتراف الكبائر علانية، وتحدي مشاعر المجتمع المسلم في دينه، مما يدفع إلى ردة فعل غير منضبطة شرعا، تنطلق من مشاعر محتقنة تبحث عن وسيلة انتقام للدين باسم الدين، فيكون سبب الغلو في الدين هو التحلل منه، ولكن الشرع يَعُــدُّ الغلو في الدين شرا من التحلل منه، وإن كان التحلل هو سبب الغلو، ذلك لأن المتحلل من الدين لا يدعي أن انحرافه شرع ودين، بل منهم من يشعر بالإثم ويتوق للتوبة، أما الغالي في الدين فإنه يضيف غلوه وانحرافه إلى الدين، ويزعم أنه منه، بمعنى أنه يحرف الشرع ليستجيب لانفعالاته وتسويغ انحرافاته في الفكر والسلوك.

رابعا: لا بد من تجفيف المستنقعات:

إن الوسيلة المُثلى للحد من الغلو في الدين، هي التضييق على أسبابه وإلغائها من المجتمع، فلا بد من محاسبة أولئك المتعدين على مقدسات المجتمع الإسلامي من قرآن، وأنبياء، وأركان الإسلام وغيرها، والمجاهرين بالكبائر الذين لا يقدرون مشاعر المسلمين، والظلم الاجتماعي والحرمان، حيث توفر هذه المستنقعات رطوبة وعتمة مناسبتين تنبت فيها نبتة الغلو في الدين السامة، التي تسهم في تنفير الناس من الشريعة بسبب تلك الفظاظة الفكرية باسم الدين، والوقوع في الدماء والأموال بسبب الغلو في التكفير، مما يعني نفورا انفعاليا من الدين بسبب تلك الممارسات، ومن ثم المزيد من التحلل، وهذا يؤكد على علاقة التخادم بين التحلل من الدين والغلو فيه، فكل منهما يدعو إلى الآخر ويكثر منه، وكلاهما شاذ عن الصراط المستقيم الذي يؤدي إلى الجنة.

خامسا: المجتمعات الإسلامية ضحية للتحلل والغلو معا:

إن الظلم الاجتماعي هو من أسوأ مظاهر التحلل من الدين التي لا تقل ضررا عن الكبائر الأخرى، من إعلان للفجور ودعوة إليه، تهدم الأسرة وبنيان المجتمع، ثم تأتي ردة الفعل الغالية في الدين لتهلك ما تبقى من بيناننا الاجتماعي، فنصبح ضحايا هجمة الفساد المالي والأخلاقي ثم تأتي الهجمة المرتدة من الغلاة لتريق دماء الأبرياء باسم الدين، فيكفيك أن تنظر إلى موجة من موجات التحلل من قبل الذي يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ثم تتنبأ بعد موجة التحلل هذه بموجة أخرى من الغلو تلطِم مجتمعنا، وهكذا نحن بين لطمة هنا ولطمة من هناك، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، فالحالة مثل الميزان تماما، إن رجحت كِفَّة طاشت الأخرى.

ملاحظة:

للاستزادة يرجى قراءة مقال حزب البقرة الصفراء الديموقراطي الشعبي، حيث التحلل ظاهره التبتل، والتنسك باطنه التهتك في شخصية واحدة.

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة

5/9/2014م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top