إخلاص النية في إخراج الزكاة في ضوء آيات سورة البقرة

الصوتية 46: إخلاص النية في إخراج الزكاة في ضوء آيات سورة البقرة:
أولا: احتساب الزكاة من الدين على المعدوم:
لا يجوز احتساب الزكاة مقابل الدَّين على المفلس ولا يصح لأسباب: الأول: لانعدام النية التي ينبغي أن تكون مقارنة للعمل أوقبيله، وباحتساب الزكاة خال  من النية، والثاني: أن الزكاة هي لمصلحة الفقير المدين، واحتساب الزكاة مقابل الدين، هو محاولة الدائن أن يحيي دينه الميت بالزكاة، وقد يكون في هذا الأمر شيء من التواطؤ، بين الدائن والمدين، فإن كان هناك شرط بإرجاع الزكاة سدادا للدين، فهذا لا يجوز لما فيه من التضييق على  الفقير، ولكن لو حدث التواطؤ بلغة الإشارة دون تصريح بالشرط، فهذا أيضا لا يجوز عند مالك، وأجازه الإمام الشافعي، والزكاة لإحياء نفس الفقير وليس لإحياء الدين الميت لحساب الدائن.
ثانيا: النية في الزكاة:
ومن آداب الزكاة إخلاص النية واستحب مالك أن يوكل المزكي غيره بعدا عن المحمدة، وقال الشافعي يستحب أن يخرجها المزكي بنفسه، ولكل وجهة معتبرة، والنية من أعمال القلوب وهي خير أعمال الجوارح، وأعمال القلب الصالحة أفضل من أعمال الجوارح كالإيمان والإخلاص، وكذلك معاصي القلب كالحسد والرياء، أسوأ من معاصي الجوارح.
الواجب هو الوسط من المال، وإخراج أفضل من الوسط وهو مقام الإحسان، أما إن أخرج من الأردأ فهذا ما قدمه لنفسه، وقال محمد بن الحسن عليه فرق القيمة بين الوسط والرديء.
ثالثا: عدم المن على الفقير وإيذائه:
ومن آداب الزكاة عدم المن على الفقير وإيذائه، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)، سورة البقرة،  والمنّ: أن تعدد محاسن زكاتك على الفقير، وتعداد محاسنك عليه، أعطيتك كثيرا، والأذى: كأن تقول: أنا والله مبتلىً بك، ابتعد عني، وهذا ناشيء من فساد التصور، لماذا يرتشي الإنسان، فهو يستحل الرشوة بناء على أن هذا من حقه، وهذه حاجته، والمجتمع هكذا، ففسدت الإرادة لفساد التصور، فهذا المزكي يظن أنه يحسن للفقير، ونسي أن الزكاة هي لمصلحة المزكي، فالزكاة حصانة لماله، وأن الله جعل يده هي العليا، وأنه سينتفع بهذا المال، لأنه يعد أنه هو الذي استفاد وليس الفقير فحسب، والقرآن لم يصنِّف الناس جغرافيا، بل صنف الطوائف بحسب المواقف، مؤمن كافر منافق …، ولم يصنف الناس على أعراقهم ودمائهم أو حسب المهنة، وإن صحّ التصور صحّ التصرف، فلذلك نرى أن القرآن الكريم يصحح التصورات، والعالم اليوم يهمل ضبط التصور لا فرق بين الإيمان والكفر، المهم الاقتصاد وانتشر الاضطراب في الفكر ثم بدأ يتصرف حسب التصورات الفاسدة.
رابعا: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263):
المرائي بالصدقة كمثل صفوان عليه تراب
فإذا أراد الإنسان أن يمنّ فالآية التالية: قول معروف ومغفرة، طلبك سائل فأحسن إليه وقل له قولا حسنا، والمسامحة، وهذه الأقوال أفضل من الإيذاء في الصدقة.
وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264)، صفوان: وهو الحجر الصلب الأملس، الآية فيها تشبيه، فمثال من يرائي بالصدقة كمثل صفوان عليه تراب، والوابل هو المطر الشديد، فتركه عاريا دون تراب، فهل يستطع أن يستفيد من الحجر زراعة أو ترابا، ولكن الصدقة مع الرياء لا يجدها الإنسان يوم القيامة، كذلك الحجر الأملس لا شيء يؤخذ منه، ولا يقدر على شيء مما أنفقه في الدنيا.
خامسا: الإنفاق ابتغاء مرضاة الله:  
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)، أما مثل الذي ينفق ماله في سبيل الله ومثل الذين  وتثبيتا من أنفسهم، يقينا بوعد الله، أو يتثبت من الفقير وصاحب الحاجة، كمثل جنة غناء على ربوة مرتفعة، أصابها مطر فآتت أكلها ضعفين، فضاعفت الثمر لطيب أرضها بسبب الإخلاص، فيكون العمل راسخا وثابتا، وهذا الذي يُكثر الإنفاق فرضا ونافلة، أما من هو دونه في البذل والعطاء فهو مثل الجنة التي إن لم يصبها المطر الكثير إن لم يصبها مطر فطل، وهو المطر الخفيف، وهؤلاء ليسوا من درجة السابقين المكثرين من الإنفاق، ومع ذلك فهم ببذلهم الزكاة فصدقتهم تعطي ثمرتها، وهذا تقريب من القرآن الكريم للغيب بالمحسوس بهذه التشبيهات.
سادسا: تشبيه المرائي بالصدقة بعاجز له جنة وذرية ضعفاء:
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)، أيود أحدكم استفهام إنكار، أي بعد التوضيح لأثر الصدقة الطيبة المتقَبَّلة وغير المتقبلة، كمثل رجل عنده بستان فيه من كل الثمرات، وعنده أطفال، وبلغ به الكبر مبلغَه، وهو معتمِد كليا على هذه الحديقة، ويمكن الإنسان أن يتحمل الأذى لنفسه، ولكن لا يتحمل أن يرى أولاده يتضورون جوعا، وبعد هذه الحاجة الماسة لهذه المزرعة أصابها إعصار فيه نار فاحترقت، ومثل الذين يراءون بالصدقة ويمنون بها يأتون يوم القيامة وهم في أمس الحاجة إلى الصدقة والحسنة، ولكنهم لا يجدونها كذلك الشيخ المسن وعنده ذرية ضعفاء وأصاب حديقته نار فأحرقتها.
ومعنى الحـبَط: داء يصيب بطن الحيوان بالانتفاخ، ويحسب صاحبها أنها سمينة فيُسر بذلك ثم تموت تلك الماشية، ولا يجوز أن يكون الإحسان مقدمة لمصلحة دنيوية وإدخال العمل الخيري لتحقيق أي مكاسب دنيوية يلوث العمل ويحبطه، وسيقول الفقير ما أعطوني لله بل لمصلحة دنيا، لذلك نتساءل ما ثمرة العمل الخيري، في المجتمع، فنجده ضعيفا، ولا يجوز اتخاذ الخير مطية للدنيا، وإنما لكل امريء ما نوى، وهذه الآيات تصور الإنسان وهو في أمس الحاجة للصدقة، وقد ضيعها بسبب الرياء والإيذاء.
سابعا: لا نؤذي الفقير بالتصريح بأن هذه الزكاة:
وعلينا أن ننتبه أن نؤذي الفقير بالتصريح بأنها زكاة، إلا إذا شك المزكي في الفقير فيصرح له بأن هذه الزكاة حتى يكف، ويفضل أن يستر المزكي زكاته بأي عنوان آخر، كأن يجلعها نقوطا لنجاح أو عرس، وسترت الزكاة بما يحفظ ماء وجه المزكي، ويقال فلان يوزع الزكاة عيديات على عماته وخالاته، لأن نفقاتهن ليست واجبة عليه، وكذلك لو سترها بعنوان نقدا وليس على شكل هدية عيديات، ولا يجوز إعطاء الأعيان هدية تحت أي عنوان.
ثامنا: لا تصح الزكاة على من التزم المزكي نفقته:
أما إذا التزم المزكي النفقة على الفقير بكفالة منه تبرعا، أو قضاء فلا يعطى من الزكاة، ويمكن بذل الزكاة على شكل منفعة كعملية جراحية بشرط أن تكون بأجرة المثل وليس بحسب سعر الطبيب، فيقدم الطبيب خدمة العملية على أنها زكاة بقيمة المثل، بشرط أن تكون العملية مشروعة، كعملية نفخ شفاه، فهي لا تجوز لأنه من المحرم، كعمليات التجميل وتحسين الصورة، بخلاف حالات التشوه مثل سن غير طبيعي، أو تأجير الأرحام، وأن تكون العملية ناجحة بنسبة مقبولة، وكذلك الحال منفعة التعليم، بشرط أن تكون المنفعة لمصلحة الفقير، وليس لمصلحة المعلم، وحتى لا تصبح الزكاة وسيلة لإغناء الأغنياء، ولا بد أن تكون المنفعة فعلية للفقير. والمشكلة هي في تغول الشهوة على العبادات، والتدين في المجتمع إماطة الأذى عن الطريق، بكفاية حاجة الفقراء، والكفالة الاجتماعية، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
ثامنا: شهوة التدين وإفساد العبادة:
والتنافس في الدنيا مهلك، وتصبح شهوة التدين مهيمنة على التدين نفسه، كتسويق البضاعة الكاسدة، ونحن نكون قد قلبنا الأشياء، كالخصومة في الحج ونعود منه دون تغير، وممكن أن يدفع الرجل رشوة ليحج، وحب المحمدة من المزكي والإعجاب والظهور، وخلط الوطنية بالإلحاد، والعلم بالتحلل، وهذه صناعة بني إسرائيل،   في لبس الحق بالباطل، وجانب النية من أعظم الجوانب في الزكاة وهو إخلاص النية لله تعالى، والله هو الذي يعلمنا الإخلاص، نسأل الله تعالى أن يعلمنا الإخلاص.
والله الموفق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top