أحكام مصرف الغارمين

الصوتية 49: مصرف الغارمين.
أولا: تعريف الغارمين:
الغارمون: جمع غارم وهو من استغرقت الديون أمواله، فعنده موجودات قيمتها مليون، وعليه ديون مليون ونصف، فهو أسوأ ظرفا من الفقير، ولذلك قال العلماء إذا اجتمع الغارم والفقير فالغارم أولى لمسيس حاجة المدين، والغارم إما أن يكون غارما لمصلحة نفسه كمن يمارس التجارة فوقع في الديون والغارم لمصلحة الغير مثل ما يعرف بالحميل كمن يسعى في الإصلاح بين الناس بتحمل الديات والغرامات وغير ذلك، وذلك تسكينا لثارات الفتنة بين المسلمين، فهذا وإن كان غنيا يجوز له الأخذ من مال الزكاة.
ثانيا: الشروط في الغارم ليأخذ من مال الزكاة:
1.    أن يكون مسلما
2.    أن لا يكون من أهل البيت عند الجمهور.
3.  أن يكون قد غرم بسبب مباح كمن خسر في تجارته المشروعة وركتبه الديون، أو استدان لحاجة أهله، ارتكاب حادث سير ولا توجد عاقلة تتحمل الدية، أو للزواج أما إذا كان السبب غير مباح كلعب القمار أو بذر أمواله بشرب الخمر، أو لأنه قتل عمدا، وترتب صلح ويقتضي الصلح أن يدفع مبالغ معينة، أو اقترض من البنوك الربوية وأصبحت هذه الديون أكثر مما عنده، فلا نعطي الزكاة فوائد محرمة للجشعين من المرابين على حساب الفقراء.
ومن وقع في الديون لأنه مسرف ومبذر ويسيء إدارة أمواله فالمالكية قالوا إذا كان مسرفا فالإسراف حرام وهو ما أوقعه في الديون، ومعنى  التبذير هو الجهل بمواقع الحقوق، والإسراف هو الجهل بمقادير الحقوق، فالمسرف مثلا يحتاج سيارة ولكن ملاءته المالية تسمح له سيارة بعشرة آلاف فاشترى سيارة بمائة ألف، ويكون مبذرا إذا كانت تكفيه سيارة فاشترى سيارتين، فالإسراف تجاوز الحد والمقدار، فهو فعلا محتاج سيارة ولكنه اشترى سيارة فوق الحاجة.
 فالفقير إذا اشترى هاتفا بقيمة خمس مائة دينار فهذا مسرف ويضيع ماله، فهل يعطى المضيّع ماله من مال الزكاة، ولا ننسى أن هناك حاجات المرضى وابن السبيل، فمن ركبته الديون بسبب الإسراف أو التبذير فلا يعطى من الزكاة، ويختلف الإسراف عن التبذير في  أن الإسراف يكون في القول والقتل بخلاف التبذير فيكون في المال فقط.
ثالثا: الحذر من إعطاء المبذرين:
على المخرج للزكاة أن يحذر من إعطاء المال للمبذرين المضيعين مالهم إلا إذا ثبتت توبتهم، ومثل المبذر المدخن ولكن لا يظلم أولاد المدخن، وعلينا أن نوصل المال بحكمة للأولاد، والأفضل أن تكون الزكاة أولا في الأقرباء الفقراء لأنهم معروفون من أقربائهم الأغنياء وأنهم مدركون لحاجات الفقراء من أقاربهم، ويجب صيانة مال المتصدقين عن العبث بتسليم الزكاة للمبذرين، وشرط إعطاء الزكاة أن يتيقن فقر المعطى أو يغلب على الظن، أما إن كان يشك في الفقر فلا تجزيء إلا بعد التحري والتأكد، وعند المالكية لا تسقط الزكاة من ذمة المزكي ولو بعد الاجتهاد والترجيح بل لا بد من استراداد الزكاة من يده ولو بالقضاء خلافا للحنفية.
رابعا: تسديد الزكاة للدائن:
وكذلك إذا توسع الغارم في المباح بقصد الأخذ من مال الصدقة، فهذا لا يجوز له الأخذ إلا إذا كان فقيرا ولم يكن مبذرا، فلا يعطى الغارم إذا كان مسرفا، ولا نقطع الأموال عن الفقراء لحساب المبذرين المشترين لهواتف ثمينة ونسددها من أموال الفقير، ويشترط على الغارم عندما نعطيه الزكاة أن يتصرف في المال في سداد الدين، فلا يجوز استغلالها في تجارة جديدة للغارم، وعند الحنفية يجوز أن تدفع الزكاة إلى الدائن مباشرة، ويفضل أن يوكل الفقير المزكي في تسديد الدين خروجا من الخلاف، وللحاكم أن يسدد عن المدينين دون وكالة لأن الحاكم له ولاية عامة على جميع رعاياه.
خامسا: صفة الدين للغارم:
كذلك أن يكون الغارم دينه حالا، فمن عنده شيكات ستحل بعد سنين لا يعطى إلا إذا كان الدين يحل خلال العام يمكن أن يعطى وإن لم يكن حالا اليوم، وإذا كان عند الغارم مهارة معينة يستطيع أن يسدد الدين من كسبه فلا يعطى من الزكاة أيضا.
وليست كل الديون تسدد عن الغارمين بل يشترط أن يكون الدين مما يحبس فيه المدين، فلا يحبس المسلم في الكفارات ككفارة الظهار واليمين، ولكن لا حبس فيها، وكمن ترك زكاة سنوات كثيرة، فدين الزكاة لا يحبس فيه الإنسان، ومما يحبس فيه الإنسان كدين القرض ودين البيع.
وذهب السادة الشافعية أن تدفع زكاة عن الميت وتقدم الزكاة على غيرها من الديون لأنها ركن الإسلام وهي حق الله وحق الفقراء ويمكن أن تخرج عن الميت
ومن الشروط المهمة لأخذ الغارمين من مال الزكاة، شرط أن لا يكون عند الغارم مالا زكويا أو غير زكوي يمكن أن يسدد منه الدين، فغير الزكوي مثل المقتنيات في البيت من أثاث وسيارة مشغولة بحاجة الغني، والزكوي ما وجبت فيه الزكاة، ونقول للغارم لا نعطيك من مال الزكاة إذا كان عند الغارم مالا زكويا أو غير زكوي يمكن أن يسدد منه دينه،.
وذلك كمن عنده أموال قيمتها مليون وعليه ديون مليون ونصف، فهذا لا يُعطى حتى يسدد من موجوداته من المليون، ويقتصر على ما فيه حاجته، فيبيع قصره مثلا، ويشتري شقة بسعر معقول، وكذلك يبيع السيارة الفارهة، فلا يعطى قبل أن يبيع الغني ما يمكن الاستغناء عنه من ماله، ولا يمكن أن نحمِل أموال الفقراء ونعطيها للغارمين وبين أيديهم السيارات الفارهة، فلا بد أن يبيع الغارم ما يمكن أن يتسغني عنه.
خامسا: غنى الغارم وما زال مال الزكاة بيده:
فإن أعطيناه  من مال الزكاة ثم جاءه ميراث كبير من والده، فعليه أن يرد ما بقي بيده من مال الزكاة ولا يحل له، وعليه أن يعطيه للفقراء والمساكين، وهنا الرقابة الإلهية ضرورية على الإنسان، فالله هو الذي يراقبه، وهنا تظهر الحكمة في إعطاء الزكاة للعدل الثقة، والعدل هو الذي يجتنب الكبائر ويتقي في الأغلب الصغائر، والكبائر ما لحق صاحبها وعيد أو حد من الحدود الشرعية، التي تهدد أمن المجتمع، ولا بد من التعامل مع النص الشرعي في جوهره وتطبيقه عمليا، وليس الاكتفاء بمجرد تجويد الحروف.
سادسا: أهمية الزكاة في محاربة التحلل والغلو:
نحن بعيدون عن الزكاة، والزكاة تحارب التحلل والغلو في الدين، بسبب أنها تقضي على الأحقاد في المجتمع، والتفريط في الزكاة سبب من أسباب الغلو في الدين، أهمية التذكير بالزكاة، وتلبية حاجة المجتمع من الزكاة يؤدي إلى القضاء على الجرائم التي تحدث بسبب الفقر والحاجة، فالتفريط في الدَّين هو سبب الغلو فيه، شرط الوكيل أن يكون عالما بأن ما في يده زكاة ويقال له هذه أموال زكاة في حال كونه  مفوضا تفويضا مفتوحا، وهنا يشترط أن يكون العامل عالما بأحكام الزكاة، ولا بد من الاستعانة بمن لديه الخبرة ،ولا بد من الاجتهاد في تحديد من هو الفقير، ويعاد الاجتهاد في كون المعطى فقيرا أم لا، إما للوصول لليقين بأنه فقير عند المالكية، أو الظن الراجح عند الحنفية، بأن فلانا فقير.
سابعا: الغارم لمصلحة الإصلاح:
فالغارم لمصلحة الإصلاح تحمَّل هذه التكاليف للإصلاح، وله الأخذ من الزكاة، فهؤلاء يتحملون الديات لتسكين الثارات في المجتمع فتحمل لمصلحة المجتمع، ونزع فتيل الأزمة فلهم الأخذ من الزكاة ولو كانوا أغنياء، ولكن بشرط أن لا يكون دفع من ماله، أو استدان وسدد الدين، فهذا ليس له الأخذ، ويجوز له أن يأخذ من الزكاة إن استدان لمصلحة الصلح ولم يؤد بعد، فهذا يجوز له أن يأخذ من الزكاة لتسديد الدين، ولو سدد الدين من جيبه فليس له الأخذ، وحديث قبيصة عند مسلم، قال تحملت حمالة فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته، فقال أقم حتى تأتينا الصدقة، وقال الحنابلة يجوز للحميل أن يأخذ من مال الزكاة ولو كان للإصلاح بين فئتين من أهل الذمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top