مسالك الاعتراض على اللجان الفنية المختصة في السياسة الشرعية لجنة الأوبئة والحظر الشامل نموذجا

أولا: اللجنة الطبية المتخصصة هي التي تقرر الظن بقيام المانع:

تحدثت سابقا أن الحكم الشرعي فيما يتعلق بالشأن العام يُبنى على عادي فني متخصص، قد يكون اقتصاديا أو طبيا أو فلكيا أو إداريا إلى غير ذلك من الاختصاصات، وكان بحثي ينطلق من قرار جهة الاختصاص، لا قَبْله ذلك لأن ما قبله فني طبي، وقال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم)، وكان الانطلاق في تأسيس المقالة هو قرار لجنة الأوبئة الذي يعتبر رجحان الظن بقيام المانع من إقامة الجمعة، ثم يبنى على ذلك الحكم الفقهي، وبعد ذلك يبنى قرار الولاية العامة بفتح المسجد أو إغلاقه، والحال نفسه في بقية المرافق والمؤسسات.

ثانيا: الرؤية البسيطة غير صالحة لتشكيل الظن في مسائل الطب:

1-الرؤية البسيطة لا تعارض النظر الطبي العلمي:

وتركزت الملاحظات التي تابعتها على معارضة قرار لجنة الأوبئة المتخصصة القاضي برجحان قيام المانع بسبب خشية فشو الوباء، ولكن تمت معارضته  برؤية فردية شخصية وليست اجتهادا من أهل الطب، وهذه الرؤية الشخصية قد تعارضها رؤية فردية شخصية أخرى، وقد تكثر القناعات الخاصة برأي دون آخر بحُكم تطور وسائل التأثير في المجال العام، وهي في النهاية قائمة على الملاحظة البسيطة

 2-لا يهدم الاجتهاد العلمي بالقناعة الشخصية:

وإذا هدَمت الرؤية الشخصية غير المتخصصة في الطب ما تم بناؤه في التخصص الطبي فهذا يعني أنه لن تقوم قائمة السياسة الشرعية المبنية على الخبرة المتخصصة، وإن بقيت هذه النمطية قائمة، فهذا يعني أننا في مجال السياسة الشرعية نتحدث عن وهم غير قابل للوجود في الواقع، بسبب هدم الاجتهاد الطبي المتخصص بالقناعة الشخصية، وهذا يعني بطلان الحكم الشرعي الذي يجب بناؤة على الاجتهاد الطبي، ولكنه بني على القناعة الشخصية، وأصبح الحكم الشرعي وهْما ولا يكون عِلما، لأنه فقد ركن الاجتهاد العِلْمي في الطب.

ثالثا: النظر الخاص يكون من جهتين:

1-جهة متخصصة في الطب:

وهذه الجهة يجب أن تتوجه بمعطياتها التي تبني عليه الرأي إلى لجنة الأوبئة فهي القادرة على تقييم هذه المعطيات إيجابا أو سلبا وهذا من النصح الواجب لعامة المسلمين من قبل جهة ذات خبرة في الموضوع وهذه الجهة ليست ذات صلاحية في القرار، وهي بذلك توجه وتنصح وتلفت الانتباه لما فيه خير المجتمع، ولا يجوز أن تتبنى خطابا تحريضيا يقسم المجتمع بحكم معرفتها الفنية، والأفضل أن تتخذ لجنة الأوبئة هيئات اجتماعية مختصة ومطلعة على معطيات القرار من باب الشورى وقطعا لدابر الفتنة، وهذه الجهة لا تستبد بإبطال قرار اللجنة ذات الولاية بالتوصية بالإجراءات الواجب اتخاذها بالحجر وعدمه.

2-جهة غير مختصة طبيا:

وهذه الجهة لا يجوز لها أن تَـقْـفُوا ما ليس لها به عِلم، ويكون دورها الانحياز إلى القواعد العامة في وجوب إقامة الجمعة والجماعة وحفظ النفس الإنسانية، والتلويح الدائم بلزوم تقوى الله تعالى ولكن لا يجوز لها الاستبداد بإبطال قرار جهة متمتعة بالخبرة الفنية الدقيقة، وذات ولاية.

رابعا: كيف تُهدم السياسة الشرعية:

وإذا استبدت النظرة الخاصة بالرأي وسَعَت في إبطال قرار السياسة الشرعية، فهذا يعني أنه لا توجد سياسة شرعية أصلا، لأنه لو جاز ذلك لم يثبت قرار سياسة شرعية أصلا، لأن قرارات السياسة الشرعية خالية من القطع عارية من اليقين، وستـتعترض على أي لجنة متخصصة بذات الطريقة، ولن يثبت قرار سياسة شرعية، وهذا الهدم يفسر تأخر تأثير نموذج السياسة الشرعية في المجتمع حتى الآن، بسبب اضطراب الآراء وعدم لزوم الجماعة.

خامسا: بعض مسالك الطعن في جهة الولاية العامة:

يتوجه بهذه الطعون إلى الجهة ذات الولاية في إنشاء هذه اللجنة، وتملك الصلاحية بالأمر بإعادة تشكيلها، وليس عبر خطاب تحريضي لعامة الناس، وصناعة انشقاقات عمودية في المجتمع، ويمكن أن يكون الطعن في لجان الخبرة المتخصصة في أي مجال بما يأتي:

1-الطعون المقبولة:

أ-الطعن في العدالة باتهام أحد أفرادها أو جميعها على دين الإسلام وأنهم غير مؤتمنون على الدين، ويجب أن يقدم الطاعن وقائع ثابتة تشهد له على صدق دعواه، ومع الأسف وجدت من بعض الأفراد غمزا ولمزا ولحنا في القول لا يرقى إلى رتبة صحة الطعن، ولكنه من باب الغيبة والنميمة غَيرة على الإسلام!

ب-الطعن في الكفاءة الفنية في مجال الاختصاص بعدم أهلية أفرادها فنيا في موضوع الاختصاص، وهذا يحتاج تقويما فنيا وفق معطيات صحيحة وثابتة ولا يخفى أن هذا يكون من واجب المجتمع وجهة الولاية العامة التي تخضع لها اللجنة.

ج-المطالبة بإقالة اللجنة بسبب عدم تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.

2-الطعون غير المقبولة:

أ-الحكم بعدم ورود التاريخ:

عدم العلم بالدليل لا يعني عدم المدلول، والمسألة في معطياتها مستجدة أصلا وربط السياسة الشرعية القائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد باشتراط وجود حالة في الواقع التاريخي يعني إعدام تلك السياسة الشرعية، هذا فضلا عن أن عدم التاريخ ليس من أدلة الشريعة لأن الخطاب الشرعي وجودي لا عدمي، ويلاحظ هنا حجم تأثير المنهج التاريخي على التدين بدلا من المنهج الأصولي الفقهي، بسبب إخضاع الدين للتاريخ، وليس إلى المنهج الأصولي في الاجتهاد، الذي يعتبر الدليل الشرعي أمرا وجوديا لا عدميا، لأن الحكم الشرعي هو خطاب الله، وخطاب الله وجودي لا عدمي.

ب-الملاحظة الشخصية البسيطة:

قد يلاحظ بعض الأفراد من وجهة نظرهم الشخصية أمرا يظنه فارقا عنده، ولكن النظر المختص له دراية متخصصة في إدراك الفرق، يغفُل عنها العامي، ولا يغفل عنها الطبيب المختص، فعندما يذهب أحدنا إلى طبيب يثق بطبه فإنه يستمع إليه ويكون سائلا لا معترضا، بحكم احترام الاختصاص، وأنا كغيري مِن خلْق الله، لست قادرا على فهم التخصص الطبي كما يفهمة الطبيب، لذلك تم بناء المقالة على قرار لجنة الأوبئة برجحان قيام المانع وأنا في ذلك أمام ربي آوي إلى ركن شديد، ولي فيه عذر، ولم أستند في ذلك إلى رأي شخصي هنا أو هناك، وأنا أصلا غير قادر على تقييم تقارير طبية عالمية في ثقة مضمونها  ومصادرها، فما عذري عند ربي لو رَكَنتُ إلى المتشابهات، وهَجَرتُ المحكمات، إني إذن لمن الظالمين.

ج-التقارير الصحية العالمية:

تمثل التقارير العالمية على فرض ثبوتها نموذجا عاما، وهي تحتاج إلى خبرة طبية في تقدير الثقة بمصدرها ومضمونها، وهذا راجع إلى المختصين من الأطباء ولجنة القرار، ومع فرض صحة مصدرها ومضمونها، فإن قرار كل بلد أخص من ذلك التقرير العام، وليست للتقرير صفة الولاية علينا في الأردن، ومع ذلك يقدم الخاص في لجنة الأوبئة لأنه قطعي في محله، وهو مقدم على العام لو كان العام من لجنة الأوبئة نفسها، وفي الخلاصة إن الفقية وصاحب الولاية يبنيان الحكم حسب قرار اللجنة المخولة بالتوصية باتخاذ القرار.

سادسا: الارتقاء بفقه المجتمع ضروري:

إن حالة النقد بمجرد الرأي الشخصي في هدم قرارات مبنية على اختصاص لن يسمح لنا في ضوء الفقه أن نتقدم نحو الإمام في بناء سياسة شرعية في الواقع العملي، لأن طرق الاعتراض الشخصي، وهدم القرار المؤسسي، والتشكيك فيه من غير بينة مكافئة،  يعني تكرار ذلك في هدم أي قرار، لاسيما في حالة الاحتقان بين الحاكم والمحكوم على خلفيات الضغوط الاقتصادية والمناكفات بين الولاء والمعارضة، فهذه ينبغي أن لا تهدِم السقف على الجميع بسبب تناقضاتها، بل إن السياسة الشرعية قائمة على حماية الحاكم والمحكوم على حد سواء، ولا تقوم على أساس ثنائية القطيعة بين الولاء والمعارضة في الفكر اللاديني، بل على أساس البيان العلمي الرصين.

سابعا: لماذا كل هذا الانحياز للطبيب:

لم أجد مسألة فيها وضوح فني كما يوجد في مسألة مكافحة الوباء، فحاولت أن أكتب في شيء من السياسة الشرعية في الواقع، وبما يجعلها كائنا حيا نلمسه ونعيشه، ونلاحظ تأثير الفقه في صيانة الحياة، والقدرة على الجمع بين الفني الطبي والحكم الشرعي، والمراجحة بين المفسدة الطبية والاقتصادية والاجتماعية، فهي حالة استثنائية يمكن أن يجد طلاب الفقه فيها نموذجا يمكن أن يناقش ويُتحدث به في الواقع، بدلا من أن يبقى الحديث في السياسة الشرعية حبيس النظرية الجافة بلا تطبيق، وفي النهاية لن تكون قرارات لجنة الأوبئة أوضح من غروب شمس تكبر أرضنا بأكثر من مليون مرة، وبالرغم من ذلك اختلفوا في غروبها، أما الاختلاف في الصبح فهم فيه أشد اضطرابا، فإن أردنا إصلاح السياسة الشرعية فلنبدأ بإصلاح صلاة الجماعة.

مقالة سابقة ذات علاقة: 

ظـنِّـيـَّة قرار السياسة الشرعية ويقينية فرض الجمعةجواب الشُّبَه السارِحة في أيام الجائحة

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان المحروسة

  5-محرم -1442

9-5 -2020

1 thought on “مسالك الاعتراض على اللجان الفنية المختصة في السياسة الشرعية لجنة الأوبئة والحظر الشامل نموذجا

  1. سبتمبر 8, 2020 - غير معروف

    احسنت جزاك الله خيرا ا
    ايمن علي الزعبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top