ضرورة التفريق بين الصناعة الإعلامية وصناعة الفتوى …هل تجب الخدمة على الزوجة في بيتها

أولا: الإعلام يخاطب المتلقي بما يُحِب لا بما يَجب:

كثيرا ما يطلع علينا بعض الدعاة بالاقتصار على قول فقهي معين بشكل انتقائي لكسب الجماهير واستقطاب الأفراد، في لغة تقترب من الإعلام وتبتعد عن أصول الفتوى وشروط تنزيلها على محلها في الواقع، واتخاذ الفتوى مادة إعلامية أساسية تتكيف مع طلب الجمهور على التدين الوجداني والعاطفي، بينما تتطلع الفتوى إلى الاستفادة من تعدد الاجتهاد المعتبر باختيار ما هو أصلح في التطبيق، وبما يراعي مصالح العباد في الدنيا والمعاد، ولكن هيمنة الصناعة الإعلامية بجذب المشاهد والمستمع بخطابه بما يُحِب لا بما يجب، يؤثر سلبا على صناعة الفتوى التي تختار الأصلح من أجل البناء، وقد بينت سابقا خطأ أخذ الفتوى من محركات البحث على الشابكة (الإنترنت).

ثانيا: عدم وجوب خدمة البيت على المرأة نموذجا على الخطاب الجماهيري:

توجد أقوال فقهية معتمدة بأنه لا تجب على المرأة خدمة البيت، وذلك لأن عقد الزواج ليس واردا على الخدمة، بل على حِل العلاقة بين الزوجين، فعندما يخاطب بعض الدعاة المرأة يذكُرُون هذا القول بالتعظيم والتقدير، بينما توجد اجتهادات أخرى معتمدة بأن المعول عليه هو العرف، فإن جرى العرف بخدمتها في بيت الزوجيه وجبت عليها، كما هو الحال في مجتمعنا اليوم، وقد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الخدمة الباطنة على فاطمة رضي الله عنها والخدمة الظاهرة على علي رضي الله عنهما.

ثالثا: كذلك عقد الزواج ليس تأمينا صحيا:

ولكن استخدام الفتوى في الصناعة الإعلامية يتغافل عن عدم وجوب علاج المرأة على الرجل من الناحية القضائية، لأن عقد الزواج ليس تأمينا صحيا أيضا كما أنه ليس عقدا على الخدمة في المنزل، ولا يجب فيه على الرجل أن يدفع علاج زوجته، فهل هذا الأسلوب الانتقائي في اختيار الفتوى وتحويلها إلى مادة إعلامية جاذبة للجمهور بعدم خدمة المرأة في بيت الزوجية، وعدم علاج الرجل للزوجة صالح لإقامة أسرة مستقرة، وكذلك استخدام خطاب آخر مع الرجل،  وهو وجوب طاعة المرأة لزوجها، فإذا خاطب مستخدمو الفتوى الرجل خاطبوه على أنه جمهور بما يُحب، لا بما يجب، وكذلك خطابهم للمرأة يخاطبونها بما تحب لا بما يجب.

رابعا: آثار ازدواجية الخطاب الإعلامي على الفتوى:

عندما توجه الخطاب لكل من الزوجة بما تحب بإعفائها من عمل المنزل، والرجل بوجب طاعته على زوجته، يعني أن هناك ازدواجية في الخطاب، لا تصنع التكامل في الأسرة، بل تهيج المرأة على الرجل، بينما تدعم طاعة الرجل وأنه طريق المرأة إلى رضا الله تعالى، مما يعني إثارة للشقاق بسبب طغيان لغة الاستقطاب الإعلامي للرجل والمرأة بوصفهم جمهورا ومشاهدين، لا مستفتين يحتاجون إلى مراعاة اختيار المفتي ما هو أصلح للأسرة وتكاملها سبيلا لسعادتها في الدارين.

خامسا: الحقوق ثانيا ولكن الواجبات أولا:

إن الذي يؤكد الحق المقابل للزوج أو الزوجة، هو تقدم الواجب الذي هو دافع لأداء الحق، كالعامل يعمل ثم يطلب حقه، فعلينا أن نخرج من رِبقة التقليد للواقع بالحديث عن الحقوق، إلى الحديث عن الواجبات، فعندما يلتقي العالم والداعية بالرجل، فعليه أن يخاطب الرجل بما يجب عليه أولا لا بحقوقه، لأن من الطبيعي أن يطالب الإنسان بحقه، ولكنه قد يقصر في أداء واجبه، وتذكير الرجل بحق زوجته وأولاده ووالديه، فحيث يمكن أن يقع التقصير، فعلينا أن نوجه همتنا الدعوية إلى الواجبات، وكذلك الحال عند عندما مخاطبة المرأة، فعلينا أن نخاطبها بما يجب عليها أولا تجاه بيتها وأولادها، لأنه يتصور أن يحصل التفريط في الواجبات، بخلاف المطالبة في الحقوق فلها ضمان طبيعي، وهو أن الإنسان قد يفرط في واجبه، لكنه لا يفرط بالمطالبة في حقوقه.

سادسا: القدوة في السلف الصالح (قُلْتُ: مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟):

جاء في الحديث الحسن الذي يسأل فيه الصحابي النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلا:  (قُلْتُ: مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟) مسند أحمد، وأبي داود والبيهقي، فالرجل الذي كان يرث زوجة أبيه في الجاهلية، جاء بعد النبوة يسأل الشرع عن حق زوجته، فاتجهت قلوب الرجال إلى أداء الواجب تجاه الزوجة، قبل طلب الحقوق منها، لأن المحاسب على أداء الحق هو الله تعالى، وليست بعض المنظمات التي تتدسَّم على المال الحرام، المرصود للحرب على الأسرة المسلمة لتفكيكها، وتستخدم ظُلامات المرأة المسلمة وحقوق الإنسان ثغرة لإفساد الأسرة وتفكيكها، وتفكيك المجتمع لصالح الغزو الخارجي والباطني.

سابعا: والخلاصة ضرورة التزام أصول الفتوى باختيار الأصلح من الاجتهاد المعتبر:

من الضروري التزام أصول الفتوى، وتحريرها على وفق مصالح الأسرة كلها، وللمفتي أن يختار ما هو أصلح للمجتمع والأسرة، ولا يحابي الحالة الفردية، خصوصا في ظل الغزو الخارجي والتواطؤ الباطني على الأمة الذي تحتاج الأمة فيه إلى خطاب الواجبات والفرائض، وتحمُّل مشاق التكليف، وحماية الأسرة من تغول كتائب الاستطلاع الثقافي في الفكر اللاديني المستورد في مجال الأسرة، وأن خطاب الواجبات والتكاليف للرجل والمرأة في الشرع، هو الذي سيوقف سايكس بيكو الأسرة، وتدميرها نتيجة خطاب “الأَنا” المفرطة في الأنانية، والغفلة عن الواجبات والمطالبة بالحقوق، لذلك علينا أن ننشر ثقافة الواجبات وهي العطاء والبذل للبراءة من حقوق الآخرين حتى لا نحاسب عليها يوم الدين، عندها سيتغير وجه المجتمع كله، ذلك المجتمع الذي يجتهد في طلب البراءة في الآخرة قبل أن يطالب بحقوقه على النحو الذي مر بسؤال الصحابي: (قُلْتُ: مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟).

مقالة ذات علاقة:

فتاوى “جوجل” في الميزان… الإفتاء بحسب السائل لا بحسب المسائل …نحو ضبط المعرفة الشرعية

 

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

صبيحة الجمعة المباركة

عمان المحروسة

24-3-2017

1 thought on “ضرورة التفريق بين الصناعة الإعلامية وصناعة الفتوى …هل تجب الخدمة على الزوجة في بيتها

  1. أكتوبر 4, 2019 - غير معروف

    درر؛ يعجز لساني عن وصفها..

    الذي لا ينسى فضلك عليه: مؤيد السرحان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top