حدث معي أيام التعليم المدرسي

حَـلّ يبحث عن مشكلة

-مارست التعليم ما يزيد على خمسة وعشرين عاما، سواء كان جامعيا أم مدرسيا، وقد درست من  مرحلة الابتدائية العليا إلى الثانوية، وذات يوم كُلفت بحضور حصة احتياط على طلاب الصف الأول الابتدائي، فظننت أن الأمر سهل، وأنه لا يوجد ما يمكن أن يُعكِّر صفو مكتب المدير الملاصق تماما لقاعة الصف، خصوصا وأن هناك إشارات مؤكدة لزيارة وفد  رفيع المستوى من الوزارة إلى المدرسة، وأكَّد ذلك الكثير من أعمال البر والتقوى والأنشطة غير المعتادة التي ظهرت بشكل فجائي، وغيرت ملامح المدرسة  تماما.

-ذهبت إلى حصة الاحتياط بكل نشاط وثقة، فلم يعجِزني ثانوي ولا إعدادي، فكيف أعجز بالابتدائي الأول والثاني، دلَفْت إلى الصف، وفوجئت بفوضى عارمة، واستخدمت أسلحة ضبط الصف المستخدَمة في الثانوي جميعا، فلم تفلح واحدة منها، وزادت الأمور سوءا على سوء، وكان الاعتراف  بالعجز صعبا، وبالرغم من تكرار المحاولات باءت جيمعها بالفشل، حتى أنقذني الله تعالى بأحد أساتذة المرحلة الدنيا، فسلَّم  علي، قال ما الأمر؟ قلت له كيف تضبطون هذا القَطْع الصغير من البشر ؟! قال: الأمر سهل، قلت له: أرني كيف، فقال:

-يا الله يا ولد! أي واحد يجلس في مكانه بهدوء، سأسمح له بالذهاب للحَمَّـام؟! وإذا بالجميع وكأن على رؤوسهم الطير، ولا تسمع إلا همسا، ويبدو أن العرض كان سخيا، بل زادهم الأستاذ عرضا آخر، وهو أ ن من سيجلس مهذبا، سيكون أول من سيسمح له بالعودة للبيت، ثم استأذن الأستاذ وخرج، وظللت أجلس متأملا في تلك الوجوه الصغيرة، وكيف تم إغراؤها بهذه المغريات العظيمة!! الذهاب للحمام، مع أنهم ليسوا محتاجين إليه ولم يطلبوه، وسيعودون إلى بيوتهم جميعا فور انتهاء الدوام، وهو أمر معتاد، وما قدمه الأستاذ ليس بشيء أصلا، ولكن كان هو الحل للأزمة.

-ولم يكن من الأستاذ الكريم الذي علَّمني درسا في العلاقات على مستوى الدول والشعوب إلا أنه صنع الأزمة، وأوهم الطلاب الصغار بها، ثم طرح حلا  جذريا لها مع أنها غير موجودة أصلا، لذا علينا أن ننتبه من المشكلات المفتعلة التي يصنعها خراطو المفاتيح، ويصنعون المشكلة وفق المفتاح الذي بأيديهم، يعني باختصار: حل يبحث عن مشكلة، ولو تأملت حولك، ستجد أن المشهد في المرحلة الابتدائية الدنيا هو مشهد متكرر على مستوى الشعوب والدول.

وليست صناعة الغلو في الدين سوى محاولة فاشلة لتقديم مبررات للفكر اللاديني والانحلال الأخلاقي كحل وهمي للغلو ولكن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أوسع لنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top