اختلاف الهيئات الشرعية في تحديد رمضان وشوال

أولا: الواقعة:

 أعلنت المملكة العربية السعودية أن يوم الثلاثاء هو غرة شوال 1440هــ بينما أعلنت المملكة الأردنية الهاشمية أن الثلاثاء هو المتمم لشهر رمضان ويوم الأربعاء هو غرة شهر شوال 1440.

ثانيا: ردود أفعال  سلبية على الاختلاف بين الإعلانين:

  1. تمثلت هذه الردود في صور من التهكم والسخرية على هذا الاختلاف، ولا داعي لذكرها.
  2. أن هذا الخلاف يضر بوحدة المسلمين، وأن الجميع يجب أن يصوم في يوم واحد، وكذلك الفطر.
  3. ذهبت فئات إلى إقامة صلاة العيد يوم الثلاثاء بالرغم من أن إقليمهم أعلن أن يوم الثلاثاء هو المتمم لشهر رمضان، ورويت أخبار عن أفراد أفطروا يوم الثلاثاء، وعامة المسلمين صائمون في ذلك البلد.
  4. اتهامات بالخيانة والتلاعب بالصوم سياسيا، دون ذكر وقائع محددة، ولا بينات من الأمر، وفضاء التواصل الاجتماعي بيئة مناسبة لإثارة الشحن الداخلي والعاطفي دون توخي قواعد الإثبات في الشريعة.
  5. تداول شائعات عن الكثيرين الذين رأوا هلال شوال، ولدى السؤال هل قام اثنان من هؤلاء الكثيرين برفع شهادتهم لجهة الاختصاص لإثبات الشهادة فقالوا: لا، مما يعني أنهم على فرض صحة الخبر كتموا الشهادة، وكتمانها في مثل هذا الأمر أنهم مجروحون في شهادتهم لعدم مبالاتهم بعبادات المسلمين، وهكذا العديد من الشائعات الفاشية في فضاء التواصل دون تثبت.

ثالثا: كيف يتم التعامل مع هذا الاختلاف في مجتمع العمران الإسلامي:

  1. من المستقر فقهيا العمل على أن تعدد المطالع معتبر شرعا في المدرسة الفقهية السنية بمذاهبها الأربعة، وأنه متصور بين إقليمين كالجزيرة والشام، لاسيما أن هناك دولا لا تشترك في جزء من الليل.
  2. إن تعدد المطالع الثابت شرعا لا يضر الوحدة الإسلامية فكما أن تعدد أوقات الصلاة شرع تعدد المطالع فقها.
  3. لا يجوز أن يتغول السياسي بداعي الوحدة على الخلاف المعتبر الفقه الإسلامي، وأن الوحدة السياسية تكون في المواقف المشرفة في حماية المقدسات وحراسة الدين، ولا يضر ذلك إن كان العيد يوم الثلاثاء في المملكة العربية السعودية، ويوم الأربعاء في المملكة الأردنية الهاشمية.
  4. اختلفت الرؤى الفلكية لدخول الشهر القمري على ثلاثة أقوال والقول باستحالة الرؤية في المملكة العربية السعودية بناء على قول من تلك الأقوال، مما يعني أن الاختلاف راجع لآراء فلكية وإن كنت أعتقد أن القول الأوفق بالنص الشرعي هو القول بإمكان الرؤية بعد الغروب سواء بالعين أم بالمرقاب، خلافا للقولين الآخرين حيث يقطع الفلك بعدم الرؤية بالبصر أو المرقاب.
  5. إن أخطر ما يتهدد الفقه الإسلامي هو الخطر الداخلي نتيجة الاحتقانات السياسية التي ظهر جليا أنها تهدد الأحكام الشرعية، التي تحولت إلى مناكفات بين الولاء والمعارضة، وغاب البحث الفقهي في ثنايا تلك المناكفات، بسبب حالة الاحتقان الشعبي والسياسي التي تمر به أمتنا.
  6. إن الحديث الفقهي الأصولي في هذا الأجواء المحتقنة سيصبح عرضة لمحرقة المناكفات الدينية والسياسية، مهما كان منصفا ومحايدا، بسبب حالة التدين العاطفي وغيبة التدين المعرفي.
  7. بناء على ما سبق فإن المعول عليه هو الشهادة في الإقليم والأمر موكول إلى جهة الاختصاص، وإن على المكلف أن يعين جهة الإمامة والاختصاص في ثبوت رمضان وشوال.
  8. ولما كانت الجهة التي تعين الصوم والفطر في المملكة العربية السعودية قررت ثبوت شوال بالنسبة إليها يوم الثلاثاء، وأنه في ذلك اجتهاد واجب التطبيق بحسب ما تقرر شرعا لدى تلك الجهة، وكذلك بالنسبة لدائرة الإفتاء في المملكة الأردنية الهاشمية حيث قررت أن غرة شوال يوم الأربعاء كلاهما مستند إلى أصل شرعي، ولا يجوز إنكار أحدهما على الآخر، إذا لا يجوز الإنكار في مسائل الاجتهاد المعتبر.
  9. بناء على أن المكلف في السعودية مخاطب بدائرة الاختصاص في إقليمه وجب عليه الفطر يوم الثلاثاء ويعتبر صومه حراما، لأنه يوم عيد، ومن صام بشهادته أفطر بشهادته، كذلك أوقات الصلاة.
  10. بناء على أن المكلف في الأردن مخاطب بدائرة الاختصاص في إقليمه وجب عليه صوم يوم الثلاثاء لاختلاف مطلع الشام عن الحجاز، عملا بما أدى اجتهاد المؤسسة ذات الاختصاص، وعلى فرض أنه أفطر يجب عليه التوبة مع قضاء يوم.
  11. إن مظهر الوحدة الإسلامية لا يكون بإبطال اجتهادات الدوائر المختصة، وإثارة الشقاق بينها، والتهكم عليها بالسخرية والإهانة، بل بالاعتذار عنها وأنها حاولت واجتهدت، ووجب عليها اتباع اجتهادها حسبما هو مقرر في أن المأمور يعمل بما أداه إليه اجتهاده، لا اجتهاد غيره، وأن تعدد المطالع فيه خلاف معتبر شرعا.
  12. لا يجوز محاكمة جهات الاختصاص في الرؤية شعبويا بقيل وقال، بل إن النخب الفلكية مع النخب الشرعية هي صاحبة الكلمة العليا في تحديد المخالفة إن كانت خارج الاجتهاد المعتبر، وليس فضاءات التواصل الاجتماعي.
  13. إن إقامة مجتمع العمران، واجب شرعي في مواجهة الطرح الدنيوي (العلماني) الذي يريد أن يستبعد مؤسساتنا الدينية وأن ينتزع منها الهيبة وينسج حولها الشكوك ليكون البديل هو الرؤية الفردية الدينية بدلا من المؤسسية والمذهب الفقهي، ذلك لأن الفردية الدينية ستكون قابعة تحت الجذر التكعيبي للعولمة، فكل له فطره وله صومه، وقناعاته الدينية الخاصة، وأقول صدق الشاطبي إذا يقول: إن مَن خرج من حَدّ الشارع لم يعُد له حد ينتهي إليه.

 

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

1-شوال-1440

4-6-2019

 

4 thoughts on “اختلاف الهيئات الشرعية في تحديد رمضان وشوال

  1. يونيو 5, 2019 - غير معروف

    جزيت خيرا دكتورنا على التوضيح ووفقك اللة ورعاك ونفع بك

  2. يونيو 5, 2019 - احمد المومني

    بارك الله فيك دكتور الله يفتح عليك سيدي وكل عام وانتم بخير

  3. أبريل 1, 2022 - غير معروف

    نفع الله بكم

  4. أبريل 4, 2022 - غير معروف

    ادام الله عليك نعمة العلم والاجتهاد ،ومتعك الله بالصحة والعافية.نعم من خرج من حد الشارع…فالعلم يبني بيوتا لا عماد لها…
    وكأن هذا العلم وجب أن يدخل في ما هومن المعلوم من الدين بالضرورة ؛لتكون أجيالا لها مرجعيتها الصحيحة والمنضبطه.
    وبذلك تتحقق الوحدة الإسلامية بنسيجها المتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top