آكِلات اللُّحوم والحوار مع الآخر… وما زال العَرْض مستمرا !!!

على هامش أحد المؤتمرات المهمة في الغابة، يدنو الأسد ملك الغابة إلى حلِيفه النّمر، ويشكو إليه أمرا أرَّقه، وهو أن فأرا في عرينه، يهدّد رزقه ورزق عائلته، ويؤرق نومه في الليل، خصوصا وأنه في الآونة الأخيرة، وصلت للأسد تقارير جِدِّية تفيد بأن الفأر قد غـيـّر أفكاره، وهو يحاول الآن  أن يتحول من أكْل الحبوب إلى أكْل اللحم، وأن هذه المعلومة مؤكدة من مصادر مختلفة، فقد التقطت الغِربان والبُوْم في الفضاء صور آثار أقدام الفأر على قطع اللحم الكبيرة في عرين الأسد، مما يؤكد نية الفأر التشبه فعلا بالكبار وأكَلة اللحم، وللحياد والموضوعية، فقد تم استبعاد الصور التي التقطها الصقر لأنها غير محايدة، ومتأثرة بأفكار الصقر الظلامية.

ويزداد غضبي أيها النمِر العادل، أن العديد من مصادرنا الحقوقية سجَّلت الكثير من انتهاكات حقوق الفأرة، وأنها تعاني من التمييز والعنف، ولا تحصل على حقوقها حسب القانون، هذا إضافة إلى عمليات رصْد متواصلة، تفيد أن الفأر يقسو على أطفاله المساكين قسوة تقشعر لها الأبدان، وهذا ما لا تجيزه القوانين المدنية المتحضرة في عالمنا الحرّ، تلك القوانين التي تقوم على احترام الآخر، والتعايش السِّلْمي، وفسيفساء التنوع الذي اتفقنا عليه في غابتنا السعيدة.

فما كان من النمر الذي يُعدُّ أحد الضيوف الدائمين  في مجلس الأسد، إلا أن قال: الأمر هيـِّن يا مولاي، يمكن أن أستعين بابن عمي القط، فهو متخصص في صيد الفئران بطريقة عِلْمية غير مؤذية!!! وما هي إلا دقائق معدودة حتى يمْـثُـل الفأر اللعين بين يدي عدالتكم مُقَـرَّنا في الأصْفاد.

الأسد: المهم، في حال القبض على الفأر الظلامي، يجب أن يحظى بمحاكمة عادلة، يتمتع فيها بجميع حقوق الحيوان المنصوص عليها في ميثاق الغابة.

النمر: ولكن يا مولاي ،لا نريد أن تَفهم فئة الفئران أننا نستهدِف هذا الطَّيف الرائع في غابتنا، بسبب ذلك الفأر الظلامي الذي انتهك كل الأعراف والقوانين، فلا بد من استشارة زعيم حارة الفئران التي نقدِّرها جميعا،  ونحترم إضافتها القيمة لمجتمعنا الفسيفسائي الجميل.

الأسد: إذن فليحضُر زعيم الفئران ليبدي رأيه.

الفأر الشايب: مولاي الأسد، سَمْعًا وطاعة.

الأسد: ما حكم فأر  من قومك، أثبتت الفحوص الـمِخْبرية القاطعة لدمِه أنه ينوي التحول من أكَلة الحبوب إلى أكَلة اللحوم!

الفأر الشايب: حرام يا مولاي، هذا تغيير لخلْق الله، نحن خُلقنا لنأكل الحبوب فقط، ثم نسعَد بأن يكون مثوانا الأخير في معِدة أكَلة اللحوم، وهذه هي حسن الخاتمة التي نسعد بها وننتظرها يا مولاي، ومحاولة هذا الفأر الخارج عن الطبيعة محاولة تقضي على التنوع وألوان الطيف الذي نفخُر به في غابتنا العادلة، ولو  أصبحت كل الحيوانات آكلة لِلَّحْم، فلن تجد آكلات اللحم ما تأكله، وسنكون جميعا لونا واحدا يفقد النَّضارة والجمال.

الأسد: أيها النمر، وبعد التأكد أن حربَنا على ذلك الفأر الفاجر هي حرب عادلة، ولا تستهدف فئة الفئران بوصفها إحدى المكوِّنات الفاضلة في مجتمعنا، وأن ذلك الفأر هو حالة فردية معزولة، قررنا أن تباشر مهمتك بإحضار ذلك الفأر، الذي شوه صورة غابتنا العادلة، وغيـَّر طبيعة الخلق الجميلة التي خُلقنا عليها.

النمر: سمعا وطاعة، أيها الأب الرحيم، وما هي إلا لحظات حتى أحضر النمر قطا تبدو عليه علامات الشراسة والنصب والاحتيال في الوقت نفسه، وقدمه إلى ملك الغابة.

الأسد: كم تحتاج يا ابن العم لتقضي على ذلك الفأر الشرير.

القط الأب: سُويعات يا مولاي.

الأسد: امضِ لما أُمِرت، ولكن هل اطَّلعت على ميثاق الحيوان، وكيف ستتعامل مع المجرم وفق القانون في حال الإمساك به؟

القط: نعم مولاي !!! نحن تلاميذك يا كَبير، ودخل القط إلى عرين الأسد في مهمة صعبة، ولكن طال الأمر ولم يتم القبض على المجرم.

الأسد: أيها النمر والقط، وعدتماني بإحضار المجرم في ساعة، وقد مضى شهر على هذا الحال دون نتيجة.

النمر للقط: ما تقول يا ابن عمي؟ ما الأمر؟ أعلم أنك ماهر ومتخصص في مهمتك.

القط الأب: في الحقيقة عندي مشكلة في التفكير، ولا أستطيع التركيز بسبب غياب زوجتي القطة، وأنا لا أقدر على التركيز حتى تسمحوا لي بإحضار قطتي، لأُركِّز في القبض على المجرم، وتطبيق القانون.

الأسد: لك ما طلبت، أيها الحراس! امنحوا زوجة القط إذنا بالدخول والإقامة في عريني حتى انتهاء المهمة!

وهنا طالت قصة القط مع اللحم بأنواعه في عرين الأسد، وهو يعيش مع قطته في أحسن عيش، حتى رُزِق القط بصغير نصَّاب مثل أبيه، ومن يُشبه أبَه فما ظلم.

القط الصغير لأبيه النصَّاب: يا أبت، لم نحن في عرين الأسد؟

القط الأب: للقبض على فأر مجرم فارٍّ من العدالة، وشغل فكر مولانا الأسد ، وأثر  في كفاءة أدائه وإدارة غابتنا السعيدة.

وبينما هُما كذلك، وإذا بفأر منهَك عليه أَثـَـرُ مِـخْلب الأسد، ويظهر في عرين الأسد، وهنا تأكد للجميع صدق الأسد ونزاهة دعواه ضد الفأر، وهل هناك دليل أكثر من مشاهدة الفأر المجرم بالجرم المشهود في عرين الأسد! وتأكد للجميع حكمة الأسد  في محاربة الخارجين على قوانين الغابة السعيدة، وأن دعوى الأسد لم تكن كذبا ولا اختلاقا، وتناقلت الغابة على لسان الببَّغاء  خبرا يؤكد مشاهدة الفأر المتهم متلبسا بالجرم المشهود.

وهمَّ القط الابن  بإنجاز المهمة في لحظة ولكن …

القط الأب:  يلاحق القط الصغير قبل أن يمسك بالفأر، والغريب أنه أمسك بالقط الابن لا بالفأر الهرِم! ويصفعُ القطّ الابن قائلا:  لا تمسك بالقط، يا حيوان يا ابنَ الحيوان.

القط الابن : أليست هذه مهمتَنا يا أبت؟

 القط الأب: نعم، يا حيوان،  ولكنك غبي، لو قبضت على المجرم هذا ستنتهي المهمة، وستُطرَد أنت ومَن خلفوك من النعيم الذي نعيش فيه في ظل مولانا الأسد، وستقطع رزقك ورزق أمك وأبيك  بيدك أيها الولد العاق.

القط الصغير: وأمانة الواجب يا أبي!!

القط الكبير: يا بني الفأر لا يأكل اللحم، وهذا الفأر ما لَه ولِلأسد، فقد هرب هذا الفأر مني يوما خارج الغابة، ولجأ إلى عرين الأسد لينجو بالحياة، وليدخل في حماية مولانا الأسد، وقد سبَّب ذلك إزعاجا لمولانا ملك الغابة، ويا بني: الأسد عايش وأنت عايش  وأنا وأمك على قصة هذا الفأر الهرِم، وكذلك النمر وجمهور الغائبة، والغابة تعيش على هذه القصة، والفأرة التي يطالب الأسد بحقوقها، قد هدم الأسد بقدمه بيتها عليها وعلى أطفالها أثناء ملاحقته للفأر الأب الهرِم، والأسد يعلم ذلك، لكن يا بني هذه غابتنا السعيدة تعيش على هذا القانون، وأنا والضيوف الدائمين في مجلس الأسد نطبق القانون، فنحن يا بني غابة العدل والقانون.

وما زال العرْض مستمرا ، أمَا آن للصقر أن يعود؟!

د. وليد مصطفى شاويش

عمَّـان المحروسة

صبيحة الجمعة المباركة

27-11-2015

5 thoughts on “آكِلات اللُّحوم والحوار مع الآخر… وما زال العَرْض مستمرا !!!

  1. نوفمبر 27, 2015 - إنصاف مبارك عوده

    جزاك الله الف خير يا دكتور وليد وبارك الله فيك، تصوير رائع لما نحن فيه الآن من الذل والهوان ولعبة دول القوى آكلة اللحم والدول الذليلة آكلة الحبوب أما مجلس الأمن فهو في خبر كان !

  2. نوفمبر 28, 2015 - تيسير دعسان

    نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى ديننا ويرزقنا أسداً كالفاروق ليعطي كل ذي حق حقه

  3. نوفمبر 28, 2015 - معاذ العودات

    الله أكبر
    تصوير رائع للواقع ،،، نفاق وتغنّ بالحقوق من منتهكيها…
    .
    {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [هود : 113]

  4. نوفمبر 30, 2015 - غير معروف

    أحسنت .. جزاك الله خيرا شيخنا الحبيب .

  5. ديسمبر 17, 2015 - غير معروف

    واقع مرير والله المستعان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top