هل يختلف الحكم الشرعي لفعل المسلم حسب انتمائه الحزبي؟

توضيح الفكرة
ظهرت العديد من التيارات العلمية والحزبية السياسية والاجتماعية الإصلاحية في الفضاء الإسلامي، وقد انضوى تحت تلك الرايات التي قصدت خدمة الإسلام والأمة العديد من أبناء المسلمين قاصدين الإصلاح والنهضة بهذه الأمة المنكوبة. ومع حسن القصد وطلب الموافقة للشرع، إلا أنه وفي بعض الأحيان أصبحت ومن حيث لا يشعر هؤلاء المصلحون طغيان الحركة الحزبية ومصالحها المؤقتة، على مصالح الأمة العامة والدائمة، بل وظهر من بين تلك الأحزاب والفئات من يرى أخاه في الجماعة أو الحزب أقرب إليه من أخيه في غير الحزب، مع أن الأخوة الإسلامية قائمة على العقيدة، قبل أن تكون في الجماعة والحزب، وقد أثر ذلك أيضا على مرجعية الفقه الإسلامي العامة للجميع، وطغت الرؤية الحزبية والجماعتية المتأثرة بالواقع، أو الرؤية الفكرية على المرجعية العلمية الفقهية.
إن من التأثيرات السلبية لتلك التسميات والرايات المختلفة أنها أدت إلى اضطراب الرؤية على مستوى الأمة التي تتجاذبها قوى شد مختلفة لعدم وجود مرجعية مؤسسية عامة سواء على مستوى القطر أو مستوى الأمة تشتمل على تلك الأحزاب والجماعات، لها مرجعية الفصل الموضوعية، وسبَّب شق صف المسلمين العام، وظهور تسميات مختلفة مثل القوى الوطنية والإسلامية، وكأن الوطنية شيء آخر غير الإسلامية، مما زاد الطين بِلَّة والمريض عِلّة، بل ظهرت فئة تحرض عامة المسلمين على التيارات الدعوية الإسلامية، رامية تلك التيارات بالتكفير، والإرهاب في تهم يظهر فيه التحريض المغرض، مستغلة الفجوة بين العامة والجماعات الدعوية الإسلامية.
ويمكن القول بأنه مهما كان انتماء المسلم للحزب أو الجماعة، فإن المرجعية للحكم على أفعاله هي الفقه الإسلامي، وليس الحزب والجماعة، فالمرجعية الشرعية الوحيدة للمسلمين لأي خلاف، أو مسألة بين الأحزاب نفسها، أو بين أفرادها هي الفقه الإسلامي، ولا يجوز الحكم على أي موقف حزبي أو جماعتي، أو فعل للأفراد المسلمين المنتمين لتلك الأحزاب شئ أو غيرهم إلا بالرجوع للشريعة الإسلامية، ولا يجوز بناء تلك الأحكام الشرعية على أسس حزبية أو جماعية، حتى لا تقع تلك الجماعات والأحزاب في فخ المناكفات الحزبية والمرجعيات الخلافية، وبناء على المرجعية الفقهية لا الحزبية، يعاد النظر في تسمية القوى الإسلامية والوطنية، لأن القوى الوطنية التي تضم عامة المسلمين مرجعيتهم الشريعة الإسلامية، وتكون الشريعة بذلك جامعة لكلمة المسلمين في نظام الأمة الواحدة.

أولا: تصنيف الانتماء الحزبي ضمن الفقه الإسلامي:

إن الاختلافات بحسب التصنيف الشرعي يمكن أن تكون في الأصول (العقيدة)، أو في الفروع (الفقه)، أو في الوسائل (الأدوات)، ويمكن أن يمثل لهذا التصنيف بالأذان، فهو متضمن للعقيدة في معانيها من التوحيد والرسالة، وفي الفقه حكمه فرض كفاية، أما على مستوى الوسيلة فيمكن أن يبلَّغ الأذان بالإذاعة، أو مكبرات الصوت، أو بالتلفاز، وغير ذلك مما يمكن أن يستجد من الوسائل، فأنت تذهب للحج بالطائرة أو بالحافلة لإقامة الحج، وهذا تنوع واختلاف في الوسائل، والخلاف في الوسائل أهون الاختلافات، بل إن تنوع تلك الوسائل التي تقيم الإسلام أصولا وفروعا هي مما أذن الشرع به ودعا إليه، بشرط أن يبقى محصورا في دائرة الوسائل، وأن لا يتغول ويخرج من دائرته، ويبتلع المستوى الأعلى من الاختلاف وهو الخلاف في الفروع، والأصول، ويصبح أعلى تأثيرا من مستوى الوسائل، يعني حسب المثال المعطى يصبح الشقاق بسبب الجهل بين بعض المسلمين في: كيف نؤذن بالصلاة بالإذاعة، أم بالتلفاز؟!!، ومع الأسف لا توجد مشكلة لو تم التلاعب بألفاظ الأذان من التوحيد إلى الشرك ما دمنا متفقين على الوسيلة!!!! المهم هو وسيلة الأذان، وأن ينتصر حزب الإذاعة على حزب التلفاز، وهو هنا الحزب أو الجماعة، على حساب الإسلام نفسه، فهذا المثال يوضح مقدار الفساد إذا تم تقديم الوسائل على الفروع والأصول.

ثانيا: أحكام الشرع لا علاقة لها بالانتماء للحزب:

بناء على أن الحكم الشرعي يتناول فعل المكلف منفردا دون النظر إلى الحزب أو الجماعة، فإن إعطاء حكم شرعي على أفعال الأفراد وجوبا وحراما بناء على الحزب أو الجماعة، ينسف الحكم الشرعي من أصله لأن الحكم الشرعي يتعلق بفعل المكلف نفسه، لا بالجماعة والحزب، ومن ثَم يجب النظر إلى فعل المسلم مجردا عن انتمائه الحزبي، فلو سأل أحدهم عن حكم الزكاة أو الصلاة أو الجهاد، فإن الحكم الشرعي يكون للمكلف بناء على فعله لا حزبه، ومن ثم لا يجوز لنا بناء أحكام شرعية جماعية تشمل المنتمين إلى الحزب جملة، لأن الحكم الشرعي خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من حيث إنهم مكلفون، مسلم بالغ عاقل، دون إضافة تصنيف الحزب.

ثالثا: ماذا لو أعطينا الحكم الفقهي بناء على إضافة تصنيف الحزب:

هذا يعني أننا أمام حالة تَغَـوُّل الحزب واقتحامِه الشريعة على مستوى الفروع، وأصاب هذا الاقتحام الحكْمَ الشرعي في مقتل، وهو اختلاف الأحكام الفقهية باختلاف الأحزاب والجماعات، وهو شق لصفوف المسلمين على مستوى خطير جدا، قد يتعدى إلى المستوى الأعلى، وهو الأصول (العقيدة) حسب مثال الأذان المعطَى سابقا، ونحن هنا لسنا في حالة نظرية، بل هناك تسميات تنذر بانقسام بين المسلمين، مثل مصطلح الإسلاميين والوطنيين، أو غير الإسلاميين، مع أن المسلمين هم إسلاميون، والإسلاميون هم مسلمون، وأصبحنا نسمع بأن الإسلاميين سيطروا على نسبة كذا من برلمان، أو اتحاد، مع أن مقابلهم في البرلمان والاتحاد هم مسلمون أيضا ولا يقِلُّون عنهم ولاء وحبا للإسلام والمسلمين وقضاياهم.
إن التصنيف السابق للمسلمين إلى إسلاميين وغير إسلاميين، غير سليم لأن الجميع مسلمون، وقد تجد فيمن سمي بغير إسلامي مسارعا إلى الله ورسوله أكثر ممن هو إسلامي، والعكس صحيح أيضا، ومما يزيد الطين بِلَّة والمريض عِلَّة، تداول مصطلح “القوى الإسلامية والوطنية”، مع أن الفئة التي سميت “بالوطنية” لها دورها الكبير في نشر دعائم الإسلام في الأمة، وإطلاق تسمية “الوطنية” عليها دون الإسلامية ظلم لها، لأنها أصبحت مقابلة للإسلامية وهو غير صحيح البتة، وتستطيع أن تلاحظ خطأ تسمية إسلامية ووطنية أثناء صلاة الجمعة، حيث تجد الجميع يلهجون لربهم بدعاء واحد، وصلاة واحدة، مما يطرح سؤالا جادا هو: ما نسبة الإسلاميين لمن أطلق عليهم وطنيين على نحو يجردهم من الانتماء للإسلاميين؟ وذلك مع أنهم السَّواد الأعظم غير المصنَّف، تحت لواء حزب إسلامي أو جماعة إسلامية، وهل العدل أن يجرد السواد الأعظم المضحي الأكبر والباذل الأعظم لمصالح الإسلام من لقب إسلامي؟ لأنه لم يعمل تحت لواء من ألوية الوسائل التي هي الأحزاب والجماعات؟ هذا مع أن العامة الذين أطلق عليهم مصطلح الوطنية هم الأصل الذي نشأت فيه تلك القوى الإسلامية، ولو انتزع من أطلق عليهم قوى وطنية من المسلمين من الوجود، لزالت الأمة وما بقي منه شيء سوى أقليات حزبية متناثرة، فهل يعقل أن يجرد هؤلاء العامة من تسمية إسلامية، وتحل محلها كلمة وطنية؟ أليس الإسلام يجمع بين الوطن والعقيدة، فلماذا هذه المقابلة الظالمة؟.
وعند تقدم الوسائل على الشريعة وحسب مثال الأذان المعطى، نكون قد جردنا المؤذن بصوته دون سماعات التكبير من كل معاني الأذان وفحواه في العقيدة من غير قصد، لأنه يعمل الأعمال الصالحة دون تصنيف من التصنيفات التي أُسِّسَت بقصد خدمة الإسلام وتحقيق نهضته، وجُرد من لقب إسلامي، مع أن تصنيفنا عند الله حسب الفعل والتقوى، دون اعتبار للجنسية، أو الدرجة العلمية، أو اللون، أو الحزب والجماعة، وأن المصلين يوم الجمعة لا يمكن قسمتهم إلى إسلاميين لأنهم منتمون حزبيا وجماعيا، وغير إسلاميين لأنهم ليسوا منظمين حزبيا، لذلك فإن تقسيم المسلمين إلى إسلاميين وغير إسلاميين، تسمية بعيدة كل البعد عن الشريعة، ولا تسمح بها إطلاقا، لما تتضمنه من تسميات تشق الصف، وتفرق الكلمة.

رابعا: من المتضرر الأكبر من مفردة إسلاميين وغير إسلاميين؟

إن تحول الحزب من مستوى الوسيلة إلى مستوى التأثير في الحكم الشرعي، شقَّ صفوف الأحزاب والجماعات الإسلامية نفسها، والواقع يشهد بتفرقها ومناكفاتها فيما بينها، ثم شقِّ الأحزاب جميعا عن عامة المسلمين، حيث أصبح ينظر عامة المسلمين إلى أن هؤلاء الإسلاميين هم شيء آخر، فَشَتّت العامة في اتجاه، والأحزاب جميعا في اتجاه آخر، ثم تشتت الجماعات والأحزاب داخل الاتجاه المُشتَّت أصلا عن عامة المسلمين، وأصبح التساؤل الكبير هو: أين جماعة المسلمين؟ وأين هي أمة المسلمين؟ وكان سؤالا صعبا على العامة والخاصة، وتنازع المسلمون وذهبت ريحهم، وبرز في دُوّامة هذا الشتات المركب للمسلمين، قوى مستهترة بالأمة ودينها ورسولها ودمائها، لا تعرف لله آية ولا لرسوله سنة، وكل ذاك ليس بسبب الحزب أو الجماعة نفسها، بقدر ما هو فقدان حالة التوازن بين مستوى الحزب وسيلة لإقامة الإسلام أصولا وفروعا، وبين أصول الإسلام نفسه فروعا وأصولا، حيث اقتحمت حالة التحزب ساحة الحكم الشرعي وبدأت تتداخل فيه، وترتب عليه ما نراه من حالة الشقاق والنزاع بين المسلمين.

والله ولي الأمة وناصرها وجامع كلمتها

حرره
د. وليد شاويش
في عمان المحروسة
صبيحة الجمعة 6/2/2015
نشرت مسودة هذه المقالة سابقا
بتاريخ: 9/8/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top