مصرف الفقراء والمساكين

الصوتية 47:  التعريف بمصرف الفقراء والمساكين:
أولا: التعريف بالفقير والمسكين والفرق بينهما:
نص القرآن الكريم على مصارف الزكاة، وفصلها لأهميتها، المصرف الأول والثاني هما: الفقراء والمساكين، وللعلماء اجتهاد في تحديد الفقير والمسكين أيهما أشد فقرا، ولكن يعطى كلا منهما بحسب كفايته، ويرى بعض العلماء أن الفقير أشد فقرا، وهم الحنابلة والشافعية، واستدلوا بالمعنى اللغوي، وهو أن الفقير من أصيب فَقاره، وهو عموده الفقري، ولم يعد قادرا على الكسب بسبب ذلك، واستدلوا على أن المسكين أحسن حالا، بقوله تعالى: وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر، فهم يملكون سفينة ووصفهم الله تعالى بأنهم مساكين، فهم أحسن حالا من الفقير.
وذهب الحنفية والمالكية أن المسكين أشد حاجة، واستدلوا بالاشتقاق وهو الـمِفعيل من السكون، وهو غير قادر على الكسب بسبب سكونه، وعدم قدرته على الحركة، وسكونه يجعله عاجزا عن الكسب، وأيضا استدلوا بقوله تعالى: أو مسكينا ذا متربة، وهو الذي التصق بالتراب لشدة حاجته، وعلى كل الأحوال، فكلاهما محتاج وجعل الله تعالى لكليهما الزكاة.
ثانيا: كيف نحدد ضابط الفقر في واقعنا اليوم؟
لا بد من وصف الفقر في الواقع، لأن الله تعالى حكم بأن الزكاة للفقير، ولم يبين الشرع ضابط الفقر ولا المسكنة، فلم يبين الحد الفاصل اقتصاديا بين الغني والفقير، ولكن أطلق ذلك للتقدير للمجتهد بحسب الزمان والمكان، وهذا من قدرة الشريعة على استيعاب الحالات الجديدة، فمثلا يضبط الفقهاء الحاجة بعدم وجود الكفاية من الطعام والشراب والمسكن والملبس، وهذا اجتهاد منهم في واقعهم، ولكن ماذا لو جئنا إلى واقعنا هذه الأيام، فهل هذه الحاجات بقيت كما هي، أم هناك حاجات أخرى، كحاجة المواصلات، والكهرباء، والتعليم، وفاتورة المياه، والهاتف، والتعليم الجامعي، فهذه الآن جزء من النفقة الواجبة، وهي جزء من الحاجات الأساسية، بشرط أن الطالب يدرس وينجح، فنحن أمام قضية مهمة وهي تحقيق المناط.
المناط معناه الحكم، والحكم هنا:  الزكاة للفقراء والمساكين، ومعناه يجب التأكد أن فلانا من الناس هو فقير، ومن ثم يستحق الزكاة، فمعنى تحقيق المناط هو تعيين محل الحكم، ودورنا أن نضبط حالة الفقر حتى نقول هذا فقير يعطى، وهذا غني لا يعطى، فنحن هنا لا نجتهد في استخراج الحكم، بل الحكم ثابت في الكتاب، ولكننا نعمل على تنزيل الحكم على الواقع، فهل فلان ينطبق عليه وصف الفقر فيعطى أو لا فلا يعطى، يقول الشاطبي في معنى تحقيق المناط: أن يثبت الحكم بمدركه (وهو الدليل) ولكن يبقى النظر في تعيين محله وهو الفقير زيد مثلا، أو كما قال التاودي ابن سودة: هو تصور انطباق كليات الفقه على جزئياته الحادثة. فالزكاة للفقير هذا كلي من الكليات إلى قيام الساعة، ولكن ما هو الجزئي المتغير، يكون هذا الجزئي هو الفقير فلان ونحن هنا نطبق الكلي على الجزئي.
ثالثا: الخط الفاصل بين الغنى والفقر:
هل الفاصل هو ملك النصاب كما ذهب الحنفية أم وجود الكفاية وهو مذهب الجمهور، فقد ذهب السادة الحنفية أن معيار الفقر والغنى هو ملك النصاب، فمَن ملك النصاب فهو غني لا يعطى، كأن يكون عنده زرع ووجب عليه زكاة زرع، أو ماشية، أو عروض تجارة، فمن وجبت عليه الزكاة في أي نصاب فهو غني بدليل إيجاب الزكاة عليه، ومن لم تجب عليه الزكاة فهو فقير.
وعليه؛ يمكن أن يكون قيمة البيت سبعين ألفا، ولا تجب عليه الزكاة، فهذا يُعد فقيرا، ولم يقل أحد فيما أعلم من قال بأن عليه الزكاة، وقال الفقهاء من كانت عنده مقتنيات من أرض يزرعها ويعيش منها ولا تكفيه في الزراعة، فهو فقير مهما بلغت مقتنياته، وقال العلماء إن كان من أهل الزراعة فيمكن أن يشترى له ضيعة يزرعها، ويشترط عليه الحاكم أن لا يبيعها.
وهناك قول أنه إن فاض مال الزكاة يزوج الأعازب بناء على أن الزواج حاجة أساسية، وأوجب المالكية على الابن أن يزوج أباه إن احتاج أبوه إلى الزواج لأنه مثل الطعام والشراب، وهو ما يعبر عنه في المذهب بالقوت،قا الناظم: هل الزواج قوت أو تفكه *** عليه إعفاف والد يفقه
وعليه إذا كان المال مشغولا بحاجة الفقير، كأثاث البيت، والسيارة، والمنزل فإنه يعطى مادامت هذه المقتنيا مشغولة بحاجات الفقير الأساسية، أما إذا كان لدى الفقير مقتنيات ليست مشغولة بحاجته، كأرض لا يزرعها، أو بيت غير مؤجر ولا يسكنه، ولكن لو كان مؤجَّرا ولا تكفيه الإيجارات، فإنه يحق له أن يأخذ من الزكاة.
أما الكفاية في مذهب الجمهور، فقالوا قد يكون الإنسان فقيرا وعنده أنصبة من الزكاة، وقالوا باعتبار الكفاية، فهو فقير إن لم تتحقق الكفاية ولو ملك أنصبة عدة، ولكن قال المالكية نعطية كفاية العام ولا يعطى زيادة على ذلك ويعطى كفاية أهله من زوجة وأولاد أو أبويه، وهنا يمكن أن يوجه سؤال إلى الحنفية وهو هل تعتقدون أن من ملك النصاب وهو مائتي درهم فضة ربما لا تزيد على ستمائة دينار وعنده عشرة أولا فهل تعدونه غنيا، يقول الحنفية لا بل نعد نصابا باعتبار كل فرد لا باعتبار الأسرة ففي هذا المثال نقول إن النصاب لرب العائلة هو النصاب مضروبا في عدد الأفراد، فعشرة أولاد مع أبوين يكون النصاب الذي يعد به رب الأسرة غنيا هو: النصاب مضروبا في 12، وعليه 200 درهم فضة، أو عشرين دينار ذهب مضروبا في 12، وفي حال النقصان عن النصاب يكمل للفقير تكملة النصاب ولا يعطى ما يزيد على الأنصبة حتى لا يكون غنيا يأخذ من الزكاة.
أما الجمهور فقالوا نعطي الكفاية بصرف النظر عن النصاب ولكن يعطى كل فقير بما يليق به، ويلاحظ عند المالكية الكفاية في العام وهو قول عند الشافعية ولاحظ الشافعية أن يعطى ما يبلغه الغنى، بحيث يمكن أن تشترى له آلة، وهنا لا يكن غنيا بها لأنها مشغولة بحاجة الفقير، وحجة المالكية بإعطاء الكفاية لسنة بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخر لأهله قوت سنة، والزكاة تتجدد كل عام فتأتيه الكفاية كل عام.
ويمكن شراء آلة للفقير ولو أصبح غنيا بها، ويفضل أن يكون من الأقارب، لتقوية اللحمة بينهم، ولو كان في إعطائه هذه الآلة إخراج له من حد الفقراء إلى مساحة الأغنياء، وكذلك يمكن أن تشترى قطعة أرض لمزارع، أو يعطى التاجر الفقير مالا يتجر به، وأن الكفاية اليوم ندخل فيها فاتورة الكهرباء والماء والمرحلة الجامعية الأولى، ولكن يعطى طالب العلم بوصفه فقيرا، ولا يعطى للتزويج إن كان غنيا، وإن كان فقيرا يريد الزواج فيعطى بوصف الفقر لا الرغبة في الزواج.
رابعا: بين الفقر والفساد:
لا بد من الحديث عن فقر الغذاء، والفقر المطلق، خط الفقر المطلق في الأردن للعائلة مكونة من ستة أفراد 815 دينار، أما فقر الغذاء فهو 150 دينار، الغريب أن استهلاك الدخان هو 480 مليون دينار، بينما ردم هوة الفقر هو 176 مليون دينار، يعني حجم الإنفاق على الدخان تسد فجوة الفقر ثلاث مرات تقريبا, ومن يشعل السيجارة في فمه عليه أن يعلم أنه يدخن من جوع الفقراء، أما حجم الإنفاق على على علاج الأمراض، والتبذير، والغش، والفساد، كم يمكن يفعل مبلغ الإنفاق على التدخين من إصلاح في المجتمع، قل هو من عند أنفسكم، وبما كسبت أيدكم، أما في مصر يجعل الإنسان مدهشا من هذه الأرقام الخطيرة، والخراب من الأسفل، ويجب أن يصلح من الأسفل، وهذه الذنوب ترتد إلينا.
خامسا: كيف يعطى القادر على الكسب ولكنه فقير:
القادر على الكسب ولكنه فقير لا يعطى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحل الزكاة لغني ولا لذي مرة سوي، وبعض العلماء ذهب إلى جواز إعطائه، ولكن علينا أن ننظر إلى واقع الحال فإن رأيت متكاسلا فلا تشجعه على الكسل، بإعطائه من الزكاة، ولكن إن كان يسعى ولكنه لا يجد، فهذا يعطى، لعجزه، ومثل ذلك إن كان هناك حصار على المسلمين في العمل وتضييق عليهم كعزة، 27% من قوة العمل في الأردن عاطلون عن العمل، فهؤلاء لا يصح أن يقال إنهم قادرون كالخريجين من الجماعات فالمعتبر أن يجد عملا يليق بحاله، فلا تشغل دكتوراه هندسة حارس عمارة، وتقول له العمل موجود، أو طبيب تعال انشغلك عامل وطن ولا يحق لك الأخذ من الزكاة،
وممكن أستاذ جامعي لديه أربعة أولاد في الجامعات وقد أوجبنا عليه في القانون أن يعلمهم، نقول له تعال اعمل طباّعا، أو محاسبا فهذا غير مقبول، والزكاة هي لحفظ ماء وجه المسلم حتى لا يبتلى، وبعد قضائه عمره في العلم، تقول له اكنس الشارع فأنت قادر على هذا العمل، هذا مع تقدير مهنة عامل الوطن ومهمته العظيمة النافعة للأمة.
سادسا: إعطاء الزكاة لأحد أفراد الأسرة:
الزوجة غنية بغنى زوجها، والولد غني بغنى أبيه والبنت غير المتزوجة غنية بغنى أبيها، ولكن ماذا لو استقل الولد عن أبيه في النفقة وتزوج، ثم افتقر، فيعطى من أموال الناس لا من مال أبيه، أما هل يعطى من زكاة أبيه، وأبوه غني، من العلماء من قال لا يجوز أن يعطي الأصول للفروع، ولا العكس، ولا يمنع من زكاة الناس بحجة غنى أبيه، ومذهب المالكية يمكن أن يعطى الولد من زكاة أبيه إذا استقل الولد عن أبيه بالنفقة ثم افتقر.
ولكن ماذا لو أن المحكمة حكمت على الابن بالنفقة لأبيه ولكن النفقة لم تكف الأب، وهنا لسنا في الحديث عن مقام الإحسان، بل نتحدث في الحقوق، ومقام الإحسان هو المقام الأعلى بين الأولاد وآبائهم، والأزواج، والبنت المتزوجة الفقيرة بفقر زوجها فيمكن أن يعطي المزكي ابنته  بصفتها وكيلة عنه لإيصال الزكاة للزوج وهنا لا بد من الحكمة، وهذا محل اتفاق فيما أعلم.
سابعا: التحذير من تقسيم الزكاة باعتبار الحزب أو الجماعة:
فلا يجوز أن تقسم الزكاة باعتبار أحزاب أو جماعات، بل بوصف الفقر والإسلام، أما الأسماء الأخرى فلا عبرة بها، هو مزيد من التفريق بين المسلمين، فلا عبرة بالجنسية ولا بالانتماءات الاجتماعية المخلتفة ولا يجوز استغلالههالجمع الأنصار وتغذية التحزبات.
والله هو الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top