ما هو العدل الشرعي للمرأة مقابل حق الرجل في تأديب الزوجة؟ التأديب الشرعي للزوج الناشز

(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)

أولا: تمهيد:

1-للفكر اللاديني نموذجه في حقوق إنسانِيه امرأة أم رجلا، وهذا الفكر مسكون دائما بعقدة الكنيسة في العصور الوسطى في أوروبا، ولا شك أن النظرة للمرأة في تلك العصور كانت مُزْرية، بسبب استكبار رجال الدين  على الإيمان بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وصدوا الناس عن سبيل الله تعالى، وبعد الثورة على الكنيسة وظهور الثورة الصناعية، اصطنع الفكر اللاديني نموذجا لحقوق إنسانيه من عند أنفسهم غير ما يؤمن به المؤمن بربه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم، وكان هذا النموذج للحقوق هو رَدة فعل على اضطهاد رجال الدين للمرأة، وهو المساواة المطلقة مع الرجل بحسب رأي رجال اللادين.

2-ومع الهيمنة الاقتصادية والسياسية والغزو الاستعماري انتقل النموذج الفكري اللاديني إلى عالمنا الإسلامي على يد تلاميذ المستشرقين، وكانت هذه المساواة المطلقة تقليدا فجا لحركة التاريخ الغربي،  ويؤدي إلى تجريد المرأة المسلمة من حقوقها الشرعية، مثل: النفقة، والمهر، والحضانة، وفي العديد من حالات الميراث التي تأخذ فيها أكثر من الرجل، وفي الوقت نفسه كان الفكر اللاديني يعلن فيه نموذجه المنحرف في حقوق الإنسان، ويعلن الحرب على النموذج الإسلامي لحقوق الإنسان الشرعية، ويقوم بانتقاءات عشوائية، كالحالات التي يأخذ فيها الرجل أكثر من المرأة في الميراث، دون الالتفات إلى الحالات التي تأخذ فيها المرأة أكثر من الرجل، واتخاذ قوله تعالى (فاضربوهن)  وسيلة لمحاربة الإسلام، وعزل كلمات القرآن الكريم عن سياقها في النص، مع كتمان النظام الإسلامي المتكامل حيث أعطى للمرأة حقوقا لم يعطها للرجل كما مر سابقا، ولم يختلف رجال الدين عن رجال اللادين في كتمان من أنزل الله تعالى على رسوله وتحريف الكلمات عن مواضعها.

ثانيا: الولاية هي لمصلحة المُولَّى عليه لا المتولِي:

جعل الله تعالى نوع ولاية للرجل على الزوجة، والأبناء، وكل ما أباحه الشرع من الولاية لولي على أحد، إنما هو باعتبار مصلحة مقررة لمن عليه الولاية، سواء كان حاكما على الأمة، أَمْ أبا في زواج ابنته، أم في حق حضانة الأم لولدها، فإذا أخلّ صاحب الولاية أو الشخص الحاضِن بالمصلحة التي ائتمنه الشرع على حمايتها، انـتُـزعت منه تلك الولاية، فالأب الذي لا يراعي مصلحة ابنته في الزواج، ويعضُلُها إذا تقدم لها الزوج الصالح الكفؤ، انـتُـزعت منه الولاية؛ لأنه أخل بمصلحة المتولَّى عليه، ولا تعتبر البنت عاقة لأبيها إذا رفعت أمرها للقاضي بسبب عضل الولي، لأن الولي عصى الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- فيما ائتمنه الله تعالى عليه من هذه الولاية، والحق الشرعي يجب أن يخضع له الجميع سواء كانوا حكاما، أم آباء، أم أمهات حاضنات، أم أزواجا.

يقول الإمام العز بن عبد السلام(توفي 660): (ولا ننافس لأنفسنا إلا في مصالح الآخرة، وننافس في مصالح الدارين لكل من لنا عليه ولاية)،الفوائد في اختصار المقاصد (القواعد الصغرى)  ص49.

ثالثا: علاج نشوز الزوج حق للزوجة عن طريق القاضي:

1-حق المرأة الشرعي في العدل إذا أضر بها الزوج:

إذا كان الشرع قد أعطى الرجل خيارات في حق التأديب، وليست هذه الخيارات واجبة، بل إن التأديب بالضرب مثلا بشروط خاصة ضيقة منها أن يظن الزوج الإفادة، وأن لا يكون مهينا، يترك أثرا على الجسد، وأن يكون بقصد الإصلاح، وفي جميع الأحوال لن تكون كوحشية الفكر اللاديني في حربه الاستعمارية ضد المرأة والرجل والطفل معا، ولكن هل للمرأة شرعا حق مقابل لما أعطاه الشرع للرجل من حق التأديب؟

2-القاضي هو نائب الشرع في تحقيق العدل:

بما أن المرأة لا تميل للعنف، وليست قادرة عليه نفسيا وبدنيا بحسب طبيعتها وتكوينها، جعل الله تعالى لها نصيرا، وذكَّر الزوج بالله تعالى، وقال : فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34)، فذكَّر الرجل بالعَلِـي الكبير تخويفا له من التعالي والاستكبار، وحوَّل الشرع أمرها للقاضي، وكل ما أعطي للرجل في خصال تأديب المرأة الناشز، أعطاه الشرع للمرأة المعتدى عليها  عن طريق  القاضي، بل أعطاها زيادة على ما أعطى للزوج، فأمر الله تعالى الزوج مع الزوجة بقوله: فعظوهن، أما القاضي فله مع الزوج المعتدي التوبيخ وليس الوعظ، وليس من خصال التأديب للزوج أن يسجن المرأة، ولكن جعل الله للقاضي مع الزوج ما هو فوق ذلك، وهو السجن، وإن كرر ذلك فلها حق الطلاق، لأن الزوج لم يراعِ حق الولاية الذي ولاّه الله تعالى إياه، بل خان الأمانة،  ويـُجرَّد الزوج عندئذ من ولايته، وذلك بتطليق المرأة عليه إن طلبت ذلك.

3-النص الفقهي في تأديب القاضي الزوجَ المعتدي:

قال ابن عاصم  الغرناطي (ت 829هـ) في تحفة الحكام ، وهي منظومة في القضاء على مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس، بأن القاضي يزجر بما يشاء وليس مقيَّدا:

ويزجُر القاضي بما يشاؤه … وبالطلاق إن يَعُد قضاؤه.

قال الشارح الشيخ محمد بن يوسف الكافي: (…وبعد أن يزجره القاضي بما يقتضيه اجتهاده من: ضرب، أو سجن أو توبيخ ونحو ذلك)، انظر: إحكام الأحكام على تحفة الحكام، ص76، وانظر مثل ذلك، في شرح ميارة على التحفة، وذلك لأن إضرار الزوج بالزوجة منكَر من المنكرات، وعلى القاضي إنكار المنكر، وعليه أن يردع المعتدي، ويرفع الظلم عن المظلوم  بما يراه مناسبا، ويلاحظ هنا أن صلاحيات القاضي في تأديب الزوج لحق الزوجة، أكثر من صلاحيات الزوج في تأديب زوجته.

رابعا: إثارة اللادينيين اللغو في القرآن سبقهم في ذلك مشركو مكة:

نعلم جميعا أن الله تعالى أعطى الرجل ولاية على زوجته، وتفهم هذه الولاية  خطأ على أنها سلطة مطلقة، ممنوحة من الشرع للزوج، في قوله تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) سورة النساء، وقد روجت طائفة اللادينين لمقولات لا علاقة لها بالشريعة، وهو أن الشريعة تأمر بضرب النساء، دون أن تتحرى المصادر الفقهية، وكيف تتكامل الحقوق الشرعية في أنظمة الشريعة، رغبة منهم في اللّغو في كلام الله تعالى، وإثارة الشكوك فيه، ووافقوا بذلك سلفهم من المتلاعبين في النص الشرعي الذين قالوا: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)سورة فصلت.

خامسا: ولاية الزوج هي لمصلحة الزوجة والأبناء لا لمصلحته:

للزوج في أمر ولايته على الزوجة أن يراعي مصلحة الزوجة، لأن المقرر في الشرع أن الولاية هي لمصلحة المتولَّى عليه، فلا يحق للزوج أن يتصرف في شأن الولاية بما يضر بالزوجة، فلو كان الزوج مسافرا فليس له أن يمنع زوجته من صوم النافلة إذا أرادت، أو التصرف بمالها بيعا وشراء ولو كان حاضرا، فهذا لا حق له فيه، ولكن الشرع ندب الزوج والزوجة إلى الائتمار (التشاور) بالمعروف والإحسان، وعلى الزوجين مراعاةالحكمة في إدارة الأسرة، والرغبة المتبادَلة،  مع كون مقاطع الحقوق بـيـِّـنة وواضحة، وأن حق الزوج في هذه الولاية هو بما لا يضره ويضر مركب الأسرة، وبما يعود على جميع الأسرة بالنفع والاستقرار، وليست تسخيرا للولاية الشرعية لمصالح خاصة بالزوج.

سادسا: تنوع التشريع الإسلامي ليناسب تعدد الخلق والمصالح:

عندما أعطى الشرع للمرأة حقوقا لم يعطها للرجل وأعطى الرجل حقوقا لم يعطها للمرأة، وكذلك التمييز في الواجبات، إنما هو راجع لتعددية الخلق وتنوعه، وجاء تقسيم الحقوق والواجبات الشرعية بين الزوجين والأبناء، هو لتنوع الخلق، وما يسمى في الفكر اللاديني مكافحة التمييز ضد المرأة، هو إنكار لطبيعة الخلق والتعددية في الكون والحكمة الإلهية من تنوع الخلق، فهو يريد أن ينتزع من المرأة حقوقها الشرعية، كحالات تفضيل المرأة في الميراث، والمهر، والنفقة، والحضانة، ويمارس التحريض على الشراكة المتوازنة والتكامل الكفؤ بين أفراد الأسرة، بل وبعد انتزاع حقوقها الشرعية يحرضها على الاعتداء على حقوق أبيها وأخيها وزوجها، إمعانا في إفساد في المجتمع، وهدم الأسرة التي هي المعقِل الأخير للمسلمين، واستخدام بعض كلمات القرآن الكريم استخداما مشوها، يعزل الكلمة عن سياقها العام في الشريعة، واتباع أسلوب الدعاية الرخيصة القائمة على عشوائية الانتقاء، وكراهية الإسلام، وتقليدا للفكر اللاديني في عقدته النفسية من الكنيسة.

باختصار: لا نقارن بين حق هنا للمرأة وحق هناك للرجل ثم نقوم بعملية الموازنة بين حق وحق، بل يجب النظر إلى مجموع كتلة الحقوق والواجبات للمرأة مع مجموع كتلة الحقوق والواجباب للرجل ليظهر لنا أن العدل الإلهي قائم في كل لحظة، وأن العقل الإنساني يستطيع أن يفهم عن ربه الكثير لو أنه استقام على الطريقة، ومن كانت لديه شبهة في الفهم فمن السهل تعليمه، أما من كان مقلدا لتاريخ الفكر اللاديني وتفاعلاته بين رجال الدين ورجال اللادين، فهذا هو الذي يمشي مكبا على وجهه، وهو أقرب إلى العمالة الثقافية وأبعد الحقيقة الكاملة، وحسبك بقوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، ولا بد من الحذر من الخروج عن قوانين الأصول في تفسير النص، كما يفعل بعض المفكرين الذين يذهبون كل مذهب مع ميولهم النفسية التي لا تحكمها قوانين التفسير.

مقالة ذات علاقة:  حوار مع أخي (17) قسمة الميراث شرعا … للأنثى أكثر من حظ الذَّكرين

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه الفقير إلى عفو ربه

د. وليد مصطفى شاويش

صبيحة الجمعة المباركة 22-7-2016

عمان المحروسة

5 thoughts on “ما هو العدل الشرعي للمرأة مقابل حق الرجل في تأديب الزوجة؟ التأديب الشرعي للزوج الناشز

  1. أبريل 22, 2017 - غير معروف

    بارك الله فيك دكتورنا

  2. يوليو 6, 2018 - غير معروف

    بوركت جهودكم فضيلة الأستاذ الدكتور على هذة الطروحات الرائعة والراقية
    فأنتم بما تطرحون من قضايا إنما تسهمون بشكل كبير في تشكيل العقل المسلم المتزن

  3. يوليو 6, 2018 - نزيه

    بارك الله فيك وجزاك خيرا

  4. يوليو 7, 2018 - غير معروف

    زدهم شيخنا وليد زاد الله في زادك فانهم والله آلمونا بشبهاتهم وتآمروا على ديننا ومقدساتنا وثوابت شرعنا
    وهل لكم ان تبينوا لنا يخنا الفاضل ما هو دورنا نحن عامة الناس الغيورين على هذا الدين تجاه هؤلاء المفسدين المغرضين؟
    حفظكم الله ورعاكم .

  5. أغسطس 15, 2019 - غير معروف

    دمتم خادما لهذا الدين الحنيف شيخنا الوقور وادعوكم الا تتوقفوا عن الرد على شبهات المغرضين فقد بينتم لنا الحقيقة جعلكم الله تعالى من اهلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top