قد يكون الحديث في مقاصد الزكاة مقاصديا فعلا، تمويل الطلاب الفقراء المبدعين نموذجا

كيف يمكن الاستفادة من الخبرة الاقتصادية في دفع الزكاة لمستحقيها

سبق أن تحدثت عن حكم استثمار أموال الزكاة دون تمليكها للفقراء بأعيانهم، والمخاطر التي يمكن أن تحدق بأموال الزكاة نتيجة لذلك، ولكن بقي سؤال مطروح على بساط البحث، وهو كيف نرفع من كفاءة أموال الزكاة في الاستثمار وهي بيد الفقير، يعني نريد أن نحقق أعلى مردود اقتصادي لمال الزكاة على الفقير والمجتمع، وذلك بالاستفادة من الخبرة الاقتصادية دون أن نُخِل بالحكم الفقهي، يعني نريد أن نجمع بين موافقة الشريعة، والمصلحة الاقتصادية معا؟

أولا: واقع تمويل إبداع الطلاب الفقراء المبدعين:

يعاني العديد من الطلاب الفقراء في الجامعات من وطأة الفقر، وفي الوقت نفسهم هم شباب متفوق علميا، ولديه أفكار واعدة في تخصصه، ويمكن أن تَسُد هذه الأفكار الواعدة حاجة مجمتعية لو تم استثمارها بشكل جيد، ولأثمرت تقنية علمية ذات قيمة اجتماعية وخدمية مرتفعة، ومع الأسف لا تعبأ شركات التمويل والبنوك بتمويل مثل هذه الأفكار لأسباب منها: عدم وجود ضمانات كافية لتغطية التمويل لأنهم طلاب فقراء أصلا، وارتفاع المخاطرة في التمويل في هذه المشاريع بالنسبة لأصحاب رأس المال، الذين تعنيهم نسبة الربح بصرف النظر عن قيمة الخدمة الاجتماعية للتمويل.

ثانيا: هل الزكاة تمويل أم تمليك دون عِوض؟

أما الزكاة فهي ليست تمويلا مكلِفا، بل هي تمليك دون مقابل، وسمّيتُها تمويلا من باب التسامح في التعبير، فهي توفير المال دون مقابل، وإن كان هؤلاء الطلاب مستحقين للزكاة بسبب الفقر، فلماذا لا يعطَوْن أولوية في دفع الزكاة، التي من المرشَّح أن يستخدموها في تحويل أفكارهم إلى حقائق ملموسة، ومن هنا تكون الزكاة وسيلة للنهوض بالإبداع، وهي أقوى بكثير من طرق التمويل المعروفة التي تشتَطُّ في طلب الضمانات التي لا يملكها مجتمع الطلاب الفقراء غالبا.

ثالثا: سعة أحكام الزكاة وتنوعها تعطينا فرصة للاختيار في المجال الاقتصادي:

إن فكرة بذل الزكاة للطلاب الذين لديهم أفكار إبداعية، وبعد دراسة أفكارهم وتقدير حاجتهم المالية لمشروعهم، أمر تسمح به الزكاة لأنها تسمح بإعطاء الفقير إلى حد إغنائه، ويمكن الاستئناس بمعايير الخدمة المجتمعية، في المفاضلة على أن هناك اعتبارا أيضا للذوي الاحتياجات الملِحَّة  من مستحقي الزكاة، وترتيب سلم أولويات إرشادي للفقراء المستحقين، حيث يعتبر الفقر الأشد وهو فقر الغذاء والدواء ويقدم  على الفقر المطلق، وهو الحاجات الأخرى كالمواصلات، والاتصالات، والملابس، فهؤلاء كلهم محتاجون، وقد أجاز الفقهاء على –تعدد النظر بينهم-  نقل الزكاة لمن هم أشد فقرا، وأولوية المسلم الفقير الجامعي المبدع تمثل  أولوية قصوى في سلم الأولويات، لانطواء إعطاء المال له على منفعة عامة وهي كفايته ليستمر في دراسته، فهذا يعني أنني ندعم الإبداع الكامن الذي ربما تتيسر له الظروف المواتية، ثم تقطف الأمة ثمرة أبنائها.

رابعا: ميزات اقتصادية لتمويل الطلاب الفقراء المبدعين:

1-تفعيل دور صناديق الزكاة:

فبدلا من أن تبقى صناديق الزكاة عبارة عن عمل محاسبي اجتماعي، تتجاوز هذه المرحلة وتصبح جهازا لحل مشكلة البطالة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وسبب في زيادة الإنتاج، وحل مشكلات البحث العلمي الذي يعاني من قلة التمويل، ويمكن أن تستفيد من التجارب السابقة في تمويل الإبداع، واشتقاق معايير مضبوطة لوصول الزكاة للطلاب الفقراء المبدعين .

2-الإسهام في حل مشكلة البطالة:

ما مِن دولة إلا ولها خططها في التنمية في مجال المشاريع الصغيرة، والمشاريع المتناهية في الصغر، ويمكن تطوير العلاقة بين صناديق الزكاة والمؤسسات غير الربحية والحكومية التي تضطلع بالعناية في توفير إرشاد اقتصادي للمشاريع الصغيرة والمتناهية في الصغر، حيث يمكن الاستفادة من خبرتها الاقتصادية مجانا بصفتها مؤسسات حكومية وغير ربحية، لدعم أموال الزكاة وإيصالها للطلاب المبدعين كاملة دون نقص، فلسنا بحاجة لتحصيل الحاصل، ودفع مال على الاستشارة من مال الزكاة، بل تلك المؤسسات الآنفة الذكر تقدم تمويلا ولكن بسعر فائدة محرم، ويمكن توفير صيغ تمويل إسلامية مناسبة لتوفير تمويل تفضيلي مشروع، يضاف إلى مال الزكاة الذي يملك مجانا للطالب الفقير.

3-الإسهام في زيادة الناتج للأمة:

لا شك أن الطريقة السابقة في حماية مال الزكاة من الكلفة الإدارية والاستشارية سيضاعف من دخول أموال الزكاة كاملة إلى ساحة الإنتاج والاستثمار، ودعم المعرفة الأكاديمية، ويسهم في تميز وعي المسلمين في دعم الاقتصاد المعرفي الذي يقف شامخا في ظِل الركن الثالث من أركان الإسلام، ويستفيد من قوته ومكانته في ديننا، لا سيما إذا تمكنا من توفير المال في مجال البحث، ولم أشأ أن أطيل في دور السياسة الشرعية متكاملة مع أحكام الزكاة في التوظيف العالي والكفؤ لمال الزكاة ليصبح رافعة معرفية واقتصادية قوية تصنع أمتنا على مكث، لأن هذا باب يطول وربما أتحدث عنه في مقالة مستقلة لاحقا.

4-تطوير البحث العلمي:

دعم الاقتصاد المعرفي، والقيمة المعرفية المضافة، التي تبرز الدور الحضاري لركن الزكاة في الإسلام. وتحفيز الطلاب على الإبداع والمبادرة، وشعور الطالب الفقير بكرامته، وأنه يأخذ الزكاة لأنه مبدع، ويشعره بالانتماء لأمته ودينها، والجمع بين الإبداع العلمي التقني والعبادة لله الواحد، وهو النموذج الإسلامي للحياة، وأضف إلى ذلك وقف نزيف استقطاب أبناء المسلمين المبدعين من قبل مجتمعات غير إسلامية، واحتساب منجزاتهم على أنها من منجزات تلك المجتمعات، فنحن الآن نربي ويحصد غيرنا بسبب سوء إدارتنا لأموال الزكاة ومقدراتنا الأخرى، ناهيك عن ميزات أخرى، كفتح الأمل أمام الشباب الفقراء، حتى لا ينجرفوا نحو حركات التحلل من الدين أو الغلو فيه.

مقالة ذات علاقة: عندما يكون الحديث في مقاصد الشريعة في الزكاة ليس مقاصديا، استثمار أموال الزكاة في مشاريع للفقراء

 

وكتبه الفقير إلى عفو ربه غفر الله له ولوالديه

د. وليد مصطفى شاويش

صبيحة الجمعة المباركة في عمان المحروسة

15-4-2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top