عندما يكون الحديث في مقاصد الشريعة في الزكاة ليس مقاصديا… استثمار أموال الزكاة في مشاريع للفقراء

هناك فرق بين أن نتحدث عن أموال الزكاة وكأننا في عهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله، ولا نجد من يأخذ الصدقة، وبين أن نجد وحش الفقر ينهش في جنبات الأمة ذات اليمين وذات الشمال، بل ويهدد أمنها واستقرارها ثم يكون الطرح المقاصدي في الزكاة،  أنه  يمكن أن لا تملك الزكاة للفقراء بأعيانهم، بل تستثمر في مشروعات اقتصادية ثم ينفق على الفقراء منها.

أولا: بيان وجوب تمليك الفقراء أموالهم:

1- نصت الآية الكريمة (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) على تمليك الفقراء بأسلوب الحصر “إنما”، ولام الاستحقاق بدلالة النص في قوله تعالى “لِلْفُقَرَاءِ” ، ومن ثم فإنه مع عدم وجود تمليك يتضمن حق الاستعمال، والتصرف، والاستغلال، فإنه يكون مقاربة عقلية خاصة متعارضة مع النص الشرعي، وإن جاز للعقل أن يتجاوز النص لم يَعُد له حد بعد ذلك ينتهي إليه، فكلٌّ له عقله الخاص، وتصبح المسائل الشرعية وجهات نظر مختلفة أو مضطربة بسبب الخروج على دلالة النص.

2-هذا تصرف في مال الغير بغير إذنه، فالمال مال الفقراء، وهم يملكون حق التصرف فيه والاستغلال، وجميع الحقوق المترتبة على ثبوت الملكية لهم.

3-الحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى، وهو الذي يتضمن المصلحة فيه، وأما زعم أن النص شيء والمصلحة شيء آخر، فهذا زعم باطل لأن نصوص الشريعة جاءت بمصالح العباد أخروية ودنيوية، ولو انتَـفَت المصلحة عن النص لكان النص الشرعي عبثا وهو محال.

4-نصوص الشريعة نازلة وفق مقتضى علم الله تعالى وحكمته، وهو أعلم بعباده وصالحهم، وثبتت المصالح المعتبرة شرعا بنصوص الشريعة، وهدم النص يعني هدم المصلحة أصلا.

5-من المعروف أن مصاريف التشغيل والإدارة هي من مال الزكاة، فهناك مدير للمشروع، ونائب للمدير ومحاسبين، وغيرهم، وهم غالبا من ذوي الكفاءة والقدرة غالبا، ومن أصحاب الرواتب العالية، وعندئذ أصبحت الزكاة تؤخذ من فقراء المسلمين وترد إلى أغنيائهم !

6-تعتبر حاجات الفقراء حاجات حالة حقيقية فورية طعام، كساء، دواء،تعليم، أما على فرض نجاح المشاريع الاستثمارية التي ستقام من أجلهم، فهي تأخذ وقتا في مصلحة مؤجلة على افتراض تحقق أرباح، ومفسدة محتملة في المآل على فرض الخسارة، فهل الرؤية المقاصدية تقضي بأولوية تقديم المصلحة المحتملة المؤجلة، على الحاجة الحقيقية الفورية؟!

ثانيا: هل استثمار أموال الفقراء بغير إذنهم مصلحة فعلا:

هنا أود طرح الأسئلة الآتية:

1-هل يوجد مشروع استثماري لا يحتمل الخسارة، مع أن الاقتصاديين لا يسلمون بوجود مشروع لا يحتمل الخسارة بتاتا مهما بلغت دراسات الجدوى من الدقة، فعلى فرض حصول الخسارة، هل يتحملها  الذين تعدَّوْا على مال الفقراء، وأعلنوا الوصاية عليهم بغير إذن من الفقراء ولا من الشرع، أم الخسارة على الفقراء أصحاب الحق، ولم يملكوا أموالهم كما نص الشرع، وهنا يتحمل الخسارة من حُرِم حقَه في التصرف في ماله، ذلك الحق المنصوص عليه شرعا، وبرئت ذمة المتجاوزين للنص الشرعي، فلا تحققت مقاصد، ولا نُزل النص الشرعي في محله.

2-ماذا لو مرَّ الفقراء أصحاب المال أمام تلك المشاريع الضخمة، التي استثمرت من أموالهم بغير إذنهم، وهم في أمس حاجة للقليل، بينما تغدق الرواتب على الموظفين من أموال الفقراء، وأصحاب المال يهلكون، ومع ذلك يقال :هذا المشروع هو من أجلهم، وهذه رؤية مقاصدية شرعية! ومن المتصور في الرؤية المقاصدية، أن تصان أموال الفقراء والمساكين وتحفظ لتصل إليهم بنسبة 100%، وبنسبة مصاريف إدارية تساوي صفرا.

3-أليس المال في يد جامعي الزكاة أمانة، ويضمون في حال التعدي أو التقصير، وأي تعد هو أكبر من تجاوز دلالة النص الشرعي، والتصرف في مال الغير دون إذنه.

4-ما قيمة الاجتهاد إذا تجاوز النص الشرعي، وما مدى مصداقية الاجتهاد إذا تجاوز النص الشرعي، والحقيقة الشرعية وهي تمليك مال الزكاة لصاحبه؟

5ما الداعي لاستدعاء النص الشرعي، إذا كان سيرد برؤية مقاصدية موهومة، وتصبح أنظار الناس وتقديراتهم مقدمة على النص الشرعي؟

ثالثا: لا تصادم بين المصلحة والنص، بل النص علامة على المصلحة ومعرِّف بها:

1-يتضح  أن النص الشرعي هو الذي حمى المصلحة الحقيقية، والنص الشرعي هو حامي المصلحة الحقيقية، أما ما يطلق عليه مصلحة وهي تخرج على النص الشرعي فهي مصلحة متوهمة في ذهن الأفراد، أما المصلحة الحقيقية فهي ثابتة بالنص، والنص هو الذي يحميها، والنص الشرعي هو العلامة والمعرف على المصلحة الحقيقية المعتبرة، فإن لم تجد العلامة على المصلحة فاعلم أنها موهومة ومُهْدَرة.

2-العقل والنقل لا يختلفان البتة، فالنقل الصحيح والفهم السديد فيه، يضمنان المصلحة الحقيقية الفعلية،  ومن زعم أن هناك ترجيحا بالمصلحة في مقابلة النص الشرعي، فاعلم أن هناك خطأ يتم، أو خطيئة تقتحم، أو خطًّا يُرسم لإسقاط الشريعة.

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه الفقير إلى عفور به

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة

صبيحة الجمعة المباركة 1-4-2016

2 thoughts on “عندما يكون الحديث في مقاصد الشريعة في الزكاة ليس مقاصديا… استثمار أموال الزكاة في مشاريع للفقراء

  1. أبريل 2, 2016 - غير معروف

    كلام جميل جدا يدل على رؤية على المقاصد الشرعية وإن النصوص الشرعية جاءت إما لجلب مصلحة أو دفع مفسدة

  2. أبريل 15, 2022 - نذير الجزائري

    جزاكم الله خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top