عقيدتان عند أهل السنة والجماعة، إحداهما بناء الأُمّة والأخرى حراستها…مِن فقه المجتمع

1-الإيمان قول وعمل:

اتفق أهل السنة والجماعة على أن الإيمان قول وعمل، وأن الإيمان يزيد بالعمل الصالح وينقص بالمعصية، يعني أن فئة “قلبي أبيض” التي تتوهم أن الإيمان في القلب بينما هي تغرق في الكبائر  وتفرط في الفرائض، فهي فئة تقلل من شأن الأعمال الصالحة الداخلة في اسم الإيمان، وهذه الفئة تُضعف مجتمع العمران وتعتدي عليه، وتعتدي عليه، ومجتمع العمران ينهض بالأعمال الصالحة: عبادة، أو معاملة، أو فروض الكفايات التي هي الركن الرَّكِين في بناء الأمة، مثل: الطب والهندسة والإدارة وغيرها من التخصصات الضرورية، ومن هنا كانت عقيدة “الإيمان قول وعمل” قاعدة انطلاق بناء الأمة، ونهضة مجتمع العُمران بالأعمال، وليس بالأمنيات والأحلام، وتصبح الأمة بذلك قوية على خارطة المجتمع الدولي، لها كلمتها العليا، وكلمتها العليا هي: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

2-لا نكفر أحدا من المسلمين بذنب ما لم يسْتحِلَّه:

أ-يعني أن أصحاب الكبائر المتحلّلين من الأعمال، لا ينتقلون من الإسلام إلى الكفر، إلا بجحود ما أدخلهم في الإسلام، أما الوقوع في الكبائر مع اعتقاد أنها محرمة شرعا، فهؤلاء في دائرة الإسلام، وأن إصلاحهم يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالحكمة والموعظة الحسنة، وهو عمل بنائي يحمي الأمة من موبقات التحلل من أعمال الإيمان، تلك الأعمال التي تبني الأمة، وتصنع كيانها الحامي لكل أفرادها.

ب- أما تكفير أصحاب الكبائر بالذنوب فهو مشروع مُغالٍ منحرف، وجالب للاستثمارات السياسية والأمنية الأجنبية في سفك دماء المسلمين، لأن تكفير المجتمع هو حالة انشقاق داخلية على مستوى إسلام وكفر، وإيمان ورِدَّة، يؤدي إلى تفجير الأمة من داخلها، وهذا خلاف عقيدة أهل السنة والجماعة المجمع عليها، فقد صَدَع أئمة السنة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن داخل بيئة مجتمع العمران، دون الانشقاق عليه، ويصبح الأمر بالمعروف والنهي عندئذ سياجا محاصِرا للكبائر، التي تقوِّض المجتمع، وبنائيا في الوقت نفسه، لأنه يوفر جَوّ الاستقرار النَّقِي المناسب للبناء.

3-الآثار العظيمة المترتبة على هاتين العقيدتين معًا:

إذا لاحظنا ذلك نجد أن عقيدة أهل السنة والجماعة أن “الإيمان قول وعمل”، وعقيدة “لا نكفر أحدا من المسلمين بذنب ما لم يستحِلَّه” يترتب على الجمع بينهما ما يأتي:

أ- بناء أمة متماسكة على أساس الإيمان بالله وحده، والجد في العمل، وعدم التراخي في أعمال الإيمان.

ب-القضاء على حالة الأمنيات وخيالات الرضا عن النفس مع التقصير في الأعمال، عند جماعة “أنا قلبي أبيض”.

ج-الحفاظ على المجتمع متماسكا من داخله، ووأد محاولات الانشقاق الديني في مهدها.

د- الإيمان قول وعمل عقيدة بناء، وعقيدة لا نكفر أحدا من المسلمين بذنب ما لم يستحله، عقيدة حارسة للمجتمع.

هـ-تفويت الفرصة على القابعين في قَفص ثقافة المتغلِّب، الذين يريدون أن يتحللوا من الأعمال الصالحة، باسم المواطنة الصالحة في وهْمِهم، فالعمل الصالح في جميع شؤون المجتمع من الإيمان بالله، والمواطنة الصالحة مقياسها الأعمال الصالحة الموافقة للشرع، وثوابها دنيوي أخروي.

و-تفويت الفرصة على القابعين في الزوايا المغلقة، ويكفِّرون المسلمين بالجملة، مخالفين بذلك العقيدتين السابقتين المتفق عليهما عند أهل السنة والجماعة.

ز-إن الإسلام يجمع بين الإيمان وبناء المجتمع، بخلاف المجتمع اللاديني الذي يخير الإنسان إما الإيمان مع الخرافة وإما الإلحاد مع الوطن، وأقول للقابعين في أقفاص الفكر اللاديني، اخرجوا من القفص! وادخلوا في السِّلْم كافة، فإن الإسلام يرحب بكم، في مجتمع العُمران والإيمان.

4-خطورة الخلط بين العقيدتين:

يتضح لك أن هاتين العقيدتين إحداهما تبني والأخرى تحرس، ولكن تظهر أحيانا بعض الأفهام الخطأ للحق والصواب، ويوظف الحق والصواب توظيفا خطأ، فبالرغم من أن أهل السنة أجمعوا على أن الإيمان قول وعمل، إلا أنهم لم يعتبروا الإخلال بالعمل والتقصير فيه: كالرشوة، والقتل العمد العدوان، والزنا مما يخرج من أصل الإيمان، بل علامة على وجود الإيمان ناقِصًا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- طبق على أصحاب الكبائر العقوبات الحدِّية على أنهم مسلمون، ولكن قد تستخدم عقيدة “الإيمان قول وعمل” خطأً لنفي الإيمان عن بعض أنواع العصاة من أهل السنة، بحجة أن فقدان العمل يؤدي إلى فقدان الإيمان، وبالتالي التكفير بـمُجْمَل الذنوب أو ببعضها دون السؤال عن الاعتقاد، حيث يعتبر الكفر من الناحية الشرعية جحودا وتكذيبا، وما دلَّ عليهما من الأفعال بطريق اللزوم كذلك، كإلقاء العاقل البالغ مختارا المصحف في القاذورات، مع علمه بأنه مصحف، ولكن عن عند الغلاة تصبح الأصول استثناءات، والاستثناءات أصولا.

د. وليد مصطفى شاويش

غفر الله له ولوالديه

walidshawish.com

26-10-2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top