زكاة حلي المرأة

الصوتية 51: زكاة حلي المرأة.
الزكاة واجب اجتماعي تؤخذ من الأغنياء، وتعطى للفقراء، والحديث اليوم عن زكاة الحلي الذي تتحلى به المرأة ما حكم زكاة الحلي.
أولا: تجب زكاة الحلي المُعَدّ للادخار:
اتفق العلماء على أن الحلي إذا كان متخذا للادخار فتجب فيه الزكاة، سواء كان على شكل سبائك أو أونصات أو للتجارة، والمعروف أن السبائك لا يتحلى بها، ففيها الزكاة اتفاقا لعدم قصد الاستعمال ووضوح أمر الادخار فيها.
ثانيا: يجب زكاة الحلي في الاقتناء المحرم:
1-في حالة الإسراف:
 كذلك حلي المرأة إذا خرج على الحد المعتاد  ودخل في الإسراف، كامرأة تتزين مثلها بزينة ذهب قدرها خمسة آلاف، وتحلّت بخمسة عشر ألفا، والإسراف حرام، والتحريم يمنع التخفيف بالإعفاء من الزكاة، فرخصة السفر على سبيل المثال لا يستفيد منها العاصي بسفره كالجمع والقصر للصلاة والفطر في رمضان والمسح على الخفين، لأن سببب السفر حرام، فهذا لا يستفيد من الرخص، والمرأة التي تجاوزت الحد المعتاد في الحلي لا تستفيد من التخفيف الشرعي، بسبب إسرافها والإسراف حرام، إضافة إلى أن الدخول في الإسراف فيه تهمة الادخار.
فإذا اشترت المرأة حليا للادخار ولكنها احتالت على نفسها، وقالت هذا للزينة فأي محاولة لإسقاط الزكاة بالحيلة فإنها لا تسقط، كأن يهب الرجل ماله لزوجته قبل الحول لإسقاط الزكاة، وهذا الرجل في قلبه مرض، فكل من بذل فعلا بقصد إسقاط الزكاة فإنها لا تسقط.
2-الحلي على شكل تماثيل ولا يحل استخدامه:
وكذلك في حال اقتناء المرأة المحرّم كأساور على شكل أفعى أو خاتم على هيئة حصان، فالمرأة تجاوزت الحد الشرعي والتبس فعلها بمحرم، فعليها زكاته ولو كان للزينة، وكذلك خاتم الذهب للرجل فالتزين به حرام وإخراج زكاته واجبة، وكذلك الحال في أباريق الذهب والفضة فيحرم استعمالها على الرجل والمرأة، وجاز للمرأة كل ملبوس من ذهب أو فضة كحزام ونعل، أما القلم من الذهب والإبريق من الفضة مثلا فلا يجوز لأنه غير ملبوس، كالـمُشط والـمِروَد في المكحلة
ولا زكاة في سن الذهب لأنه يتخذ للعلاج، يجوز للرجل من الذهب ما كان للعلاج، فالذهب عنصر خامل لايصدأ بخلاف المعادن الأخرى، فكان يتخذ الرجل الذي قطع أنفه أنفا من ذهب، فهذا جائز، وكذلك استخدام الذهب والفضة في علاج الأسنان، وهذا لا زكاة فيه، وهناك بعض الاستعمالات الجائزة للرجل كالعلامة في المصحف، ومِقبض السيف كأن يـُحلّى بشيء من الذهب وهو ثابت في سيرة السلف الصالح، والضَّبة التي تستخدم في إصلاح الآنية المنكسرة.
 أما الأحجار الكريمة وهي الجواهر كاللؤلؤ والياقوت وغيرها لا زكاة فيها، إلا إذا أعدت للتجارة، فتكون عروض تجارة، إذن الاستعمال المحرم مثل الإسراف والتماثيل وآنية الذهب والفضة فتجب فيها الزكاة، وهذا كله محل اتفاق.
ثالثا: التمييز بين حلي الزينة مع الادخار، والحلي للادخار فقط:
1-الحنفية: الزكاة في الحلي مطلقا:
لكن تعددت وجهات نظر العلماء، واختلفت أنظار الفقهاء في الحلي للاستعمال بالنسبة للمرأة، فذهب السادة الحنفية إلى أن ذهب المرأة المتخذ للزينة فيه الزكاة لا فرق بين الادخار والعاقبة والزينة، فإذا توفر شرط الحول وبلوغ النصاب وجبت فيه الزكاة.
2-يزكى إذا اجتمع فيه نية التحلي والادخار معا (الحنابلة والمالكية):
الطرف الآخر الحنابلة والمالكية: قالوا لا يجب على المرأة الزكاة في حليها وذهبها وفضتها إلا إذا نوت بالإضافة إلى الزينة أنه معدٌّ للعاقبة، يعني إذا احتجنا أن نبيع الذهب وننفق من الثمن عند الحاجة ففيه الزكاة، ولا تجب إذا كان للزينة فقط،  ولكن نجد في الواقع العملي أن فيه الزكاة، ذلك لأن الناس في الأردن يشترون الذهب والفضة للزينة والعاقبة معا.
ملاحظة: أي اشتراط مالي على الزوجة في عقد الزواج في النهاية يفضي إلى فساد العقد لأنه يؤدي إلى خلو الزواج من المهر، والمساواة بين الرجل والمرأة فيها ظلم للمرأة، فلا مهر لها، ولا نفقة، ولا قوامة، فهذه المساواة هي لعبة الرجل الغربي فأخذ المرأة بلا مهر ولا نفقة وبعد عشرين سنة كلٌّ يأخذ ما له من الأثاث، فهذه ليست بالحياة، بل كرم الله تعالى المرأة المسلمة أي تكريم، وأن دعاوى المساواة هي خدمة للرجل الكسول.
إذن في الواقع العملي يتفق الحنفية مع السادة الحنابلة والمالكية في إيجاب الزكاة ذلك لأن الواقع فيه الزكاة عند الجميع، وتزكي المرأة ذهب الزينة بالوزن لا بالقيمة لأنه ليس عروض تجارة.
3-مذهب السادة الشافعية:
إن الذهب إذا اشتري للزينة والعاقبة معا فلا زكاة فيه، ومن باب أولى إذا اشتري للزينة فقط، وتصبح الزكاة فيه واجبة إذا اشتريت الحلي للادخار، وبناء على واقعنا الذي يشترى فيه الحلي للعاقبة والزينة فمذهب الشافعية لا زكاة في حلي المرأة بقيد الزينة مع الإعداد للعاقبة بشرط أن لا يكون محرما كالإسراف والتماثيل، أما الذهب المكسور بحيث لا يستعمل معه فلا زكاة فيه لخروجه عن الاستعمال والزينة.
رابعا: سبب تعدد أنظار الفقهاء:
مدارسنا الفقهية الأربع لا تأتي بشيء من عندها، بل هي فهم السلف الصالح في الأدلة,
فمذهب الحنفية له أدلة قوية: قال تعالى: َوالَّذِيَن يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)فهو تهديد ووعيد لمن لا يخرج زكاة الفضة والذهب والآية لم تفصل بين الادخار والزينة، وهذه الآية عامة دون تمييز بين الادخار، والزينة.
وفي سنن أبي داود، عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: «أتعطين زكاة هذا؟»، قالت: لا، قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟»، قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله، قال الحافظ ابن حجر أخرجه الثلاثة وإسناده قوي، ومسكتان تجمع على مَسَك بالتحريك.
مسكتان: تثنية مسكة، والـمَسَكَةُ- بفتح الميم، وفتح السين والكاف-: السوار من الدبل، وهي قرون الأوعال، وقيل: جلود دابة بحرية، والجمع: مسك، وقيل: أسورة من دبل، أو عاج، والدبل: ظهر السلحفاة البحرية. انظر: شرح أبي داود للعيني (6/ 222).
وفي صحيح مسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار»
صفائح: حديدة عريضة.
فيُرى: ويظهر أنه مغلوب مقهور لا يستطيع الرؤية بنفسه حتى يريه غيره السبيل.
وفي سنن أبي داود عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب، فقلت: يا رسول الله، أكنز هو؟ فقال: «ما بلغ أن تؤدى زكاته، فزكي فليس بكنز»
الأوضاح: جمع وَضَح وهو حلي من دراهم (فضة)، وسميت بذلك لوضوحها وبياضها.
خامسا: أي الاجتهادات السابقة هو أوفق للواقع:
نجد أن التطبيق في الواقع من حيث إيجاب الزكاة فيها مطلقا وهو قول الحنفية، فهو أصلح للفقير فنجد واقعنا في الأردن أن الناس يشترون الذهب للعاقبة والزينة، فعليه يخرج الزكاة عند الحنفية والحنابلة والمالكية، فقد بلغت نسبة الفقر 15% من السكان في الأردن، دون مستوى خطر الفقر، ولا نريد أن نحصر أنفسنا في التدين الشعائري فقط ولا نقول طقوس لأن الطقوس غير مفهومة فديننا لا طقوس فيه، ولو أحصينا ما في المزارع وبيوت الأغنياء وماذا يوجد في المصارف من سيولة وهدر المال وما يلقى في القمامة وما ينفق في تناول المحرمات وعلى رأسها التدخين، حيث بلغت 480 مليون دينار كلفة التدخين، بينما إذا أردت أن تسد فجوة الفقر تحتاج إلى 176 مليون دينار فنفقاتنا على التدخين تسد فجوة الفقر ثلاث مرات، ناهيك عن تكاليف علاج أمراض التدخين، وفي إحصاء سنة 2004 بلغت قيمة علاج الأمراض الناشئة عن الإفراط في الغذاء 700 مليون دولار، ويذهب مع المريض ولد أو أخ وأعطال عن العمل، وهذه التكاليف الكبيرة كافية لتوفير تأمين صحي وتعليم مجاني للجميع، وتستطيع أن تستثمر هذه الأموال في توفير فرص العمل والتنمية بدلا من أن نرتمي في أحضان المقرضين في أسواق رأس المال في لندن، وبناء على الإمكانات المتاحة لا نصدق مقولة الندرة في الفلسفة الاقتصادية الأروبية، ونظرية مالتوس وهي أن نمو السكان أكثر بكثير من النمو الزراعي فخافت أروبا من المجاعة فذهبت للسطو على مزارع إفريقيا وقتل أهلها.
خامسا: الطاعة سبب النعمة:
في سورة قريش: لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) ، أي لا تخافوا يا كفار مكة على تجارتكم مع الشام واليمن، فالله تعالى هو الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف، ولا صحة للقول بأن الموارد شحيحة وأنها لا تكفي، قال تعالى: وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) سورة فصلت، ودعوى الندرة المطلقة وشح الموارد مناقض للحكمة الإلهية فعندما تبعث الولد للدارسة تهيء له كل ما يلزم، وهل يعقل أن ينصب الله الإنسان في منصب الخلافة ثم يخذله بقلة الإمكانات،قال تعالى: وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34).
فمشكلة ندرة الموارد بمعنى أنها غير كافية هي مشكلة وهمية وهي اختراع أروبي مقيت، ويحدد القرآن المشكلة بأنها بسبب فساد الناس، ظهر الفساد في البر، يعني أن المشكلة ليست في نقص الموارد بل في ذنوب البشرية، ولاحظوا الثروات في السودان، والصومال، فالله قسم الثروات لحكمة، وعلى سبيل المثال:  عندما يولي الوالد أمر الطفل الصغير إلى أخيه الكبير، ويخون الكبير الأمانة، ويضع يده على بطنه من ألم التخمة والصغير يشكو من التخمة، فالقضية ليست في نقص الموارد بل في سلوك الإنسان.
سادسا: أدلة الجمهور (غير الحنفية):
أما أدلة الذين لم يوجبوا الزكاة مطلقا فاحتجوا بفعل السلف حيث كانت عائشة رضي الله عنها لا تزكي حلي بنات أخيها وجابر وأنس ففهم بعض الأئمة أن ذلك محمول على الأخذ من النبي صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله رب العالمين

2 thoughts on “زكاة حلي المرأة

  1. أغسطس 5, 2015 - يوسف دويكات

    الدكتور وليد الشاويش المحترم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    حقيقة تأصيل فقهي يستحق القراءة لما فيه من فوائد جمة تعود على المجتمع .
    جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم

  2. مايو 30, 2017 - مؤيد السرحان

    ما أجمل فقهنا الذي شوهناه بأيدينا !!
    ما أجمل مدارس السلف التي قدمنا لها العقوق وعدم الوفاء بالحقوق !!
    اللهم ردنا إلى الفهم الحب بمنك وكرمك ..

    والله يا دكتور أنك لتجاهد جهاداً عظيماً بإرجاع الأمة إلى فهمها الصحيح ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top