دور مدارس فقه السلف الأربع في تحصين الجبهة الداخلية للأمة والحماية من قوى التدمير الذاتي

أولا: ملخص ما سبق:

سبق بيان موقف مدارس فقه السلف الأربع في حكم تارك الصلاة تكاسلا وخصوصا مذهب أحمد وتفصيله في الأمر، مما يعني أن تارك الصلاة تكاسلا مسلم وله حق المسلم على أخيه، وأولها إعانته على الصلاة، ولكن على فرض أخذنا بفتوى أن تارك الصلاة تكاسلا كافر بمجرد الترك، دون قيود مدارس فقه السلف الأربع، فهذا يعني أن مطلق ترك الصلاة يعني الردة عن دين الإسلام.

ثانيا: الآثار المترتبة على تكفير تارك الصلاة المتكاسل عنها:

إذا تم الحكم على تارك الصلاة تكاسلا بالردة، فهذا يعني أنه قد انقطعت علائق الموالاة والنصرة والمحبة بينه وبين المسلمين، ويترتب على ذلك أنه لا يحل الزوج للزوجته، ولا الزوجة لزوجها، والوقيعة بين الابن مع أبيه والأخ مع أخيه  وبني عمه، ولا يحل التوارث بينهم إن كان أحدهم تاركا للصلاة تكاسلا، ولا صلاة الجنازة ولا الدفن في مقابر المسلمين، ناهيك عن توابع استحلال الدماء والأموال، إذ لا يبعد ممن خرج عن مدارس فقه السلف الأربع أن يرتب آثار الردة والولاء والبراء بنفسه على من اعتقد ردته، ذلك لأن المرتد هو شر من اليهود الكافرين كفرا أصليا، واعتبر اليهودي خيرا من أبيه وأمه وأخيه وبني خاله وعمه، مع أنه لا تكاد تجد عائلة تخلو من مصيبة  تارك للصلاة تكاسلا في وسطها.

ثالثا: هدم الجبهة الداخلية للأمة:

ما سبق بيانه من التطبيقات على تارك الصلاة ، يعني أن هذه الفتوى خارج  مدارس فقه السلف الأربع هي قنبلة موقوته ستنفجر في كل عائلة، فإذا طبق المكفر لتارك الصلاة تكاسلا  طريقته في عقيدة  الولاء والبراء في غير محلها أيضا، كما فعل في حكم تارك الصلاة،  مع ما يتبع ذلك  من ردَّات فعل عصبية الدم في الانتقام ممن طبق الولاء والبراء وآثار الردة في غير محلها، فهذا يعني أنه قد تم تفخيخ المجتمع الإسلامي من داخله، بتلك الفتوى الخارجة على مدارس السلف الأربع، وتحول الولاء والبراء بسبب تلك الفتوى إلى البلاء والوراء.

رابعا: الفكر اللاديني هو ثالثة الأثافي:

أما ثالثة الأثافي فهي ما تروج له قوى الفكر اللاديني من حقوق مزيفة للمرأة والطفل بما يخالف الحقوق الشرعية، وإشاعة الأنانية وحب الذات ولو على حساب المجتمع، وتطوير النزعة الفردية المادية والشخصية على حساب الأسرة، مما يعني اكتمال عناصر الهدم الذاتي للمجتمع الإسلامي من داخله،  ولا يحتاج العدو حينئذ إلى سلاحه الفتاك، ونصبح أما طَوْر متقدم من الغزو الاستعماري وهو أن تكاليف تمويل الحرب على المسلمين عليهم سواء في المال أم الرجال، خلافا لما كانت عليه الحملات الاسعمارية السابقة، وذلك بسبب انسحاب بعض المسلمين من واجبهم في حماية السُّنة.

خامسا: وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون:

إن المجتمع الإسلامي بتخليه عن حماية القضايا الفكرية والعقدية الإسلامية، وخضوعه للهيمنة الاقتصادية، واعترافه الدائم بأن لهيب الأسعار قد شغله عن حماية دينه وشريعته من العبث، يعني أنه قد رسب في الاختبار، لأن الطريق إلى الله تعالى محفوف بالعقبات والحاجات، والنجاح هو اقتحام العقبة والوصول إلى الله تعالى، قال تعالى: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) سورة البلد.

وإن الذين ينتظرون تحسن الوضع الاقتصادي وأن يفرُغُوا من حاجاتهم للقيام بالواجبات الشرعية هم ينتظرون نهاية الامتحان حتى يبدأوا بالإجابة، مع العلم بأن الحاجات الاقتصادية والنفسية هي جزء من الاختبار، والله تعالى يـُحب أن يرانا نُقبِل عليه مع كل تلك النوازع والمثبـِّطات، ويُـحب أن يرى ثقتنا وإيماننا به رغم الظروف المادية التي تصنع اليأس، إيمانا منا بأن الله تعالى أقوى من أعدائنا، وما هم سوى أدوات تنبيه قاسية لتوقظ المسلمين من الوهم والغفلة.

سادسا:حصن الإسلام هو السد المسلَّح الحامي للأمة:

إن محاولات فهم الواقع الذي نعيشه اليوم خارجَ سنن الله تعالى الكونية يعني أننا غارقون في الوهم، وإن التفسيرات السياسية والاقتصادية للواقع التي لا تأخذ بالاعتبار أن الجرائم المنظَّمة ضد المسلمين في العالم هي سنن كونية إلهية، تدعو المسلمين إلى الاستمساك بقوة بالشرع، هي تفسيرات غير واقعية، وإن خارطة الدماء في العالم على ترامي أطرافه تشهد أن المسلمين قد آن لهم أن يطبقوا القانون الإلهي: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7) سورة محمد، مما يعني أن حالة اللُّهاث وراء صانعي الأزمات في العالم من القوى الدولية، هي ركض وراء السراب، وما يجري من خذلان لهذه الأمة على يد تلك القوى، هو حكمة إلهية لِتَيأس الأمة من الـخَلْق وتلجأ بصدق إلى الحقّ، وهو ربنا الرحيم بنا.

والخلاصة: إن تضييع الكتاب والسنة والخروج على مدرسة السنة الماثلة في المدارس الفقهية الأربع، الضامنة للجماعة والوحدة، والقاضية على شذوذ الفتيا، من أسباب السقوط المدوِّي لهذه الأمة، وإن المدارس الفقهية العلمية الأربع هي أساس كبير من أسس وحدة هذه الأمة وجماعتها، وتحصينها من العدو الخارجي والنفاق الداخلي.

للمزيد: هل تارك الصلاة تكاسلا كافر، أم مسلم من أصحاب الكبائر

الطريق إلى السنة إجباري

د. وليد شاويش

 صبيحة الجمعة المباركة

12-2-2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top