خطورة المشترك اللفظي على المعرفة (7) الذَّرَّة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) الزلزلة

تمهيد:

بالرغم من أن القرآن الكريم قد احتوى على دلائل قاطعة في إعجازه العلمي، التي لا ينكرها إلا معاند، إلا أن هناك تكلفا أحيانا في إضفاء الإعجاز العلمي على بعض المواضع منه، فقد درسنا في العلوم أن الذرة هي أصغر جزء من المادة، وعرج بنا أستاذ العلوم على الذرة في القرآن الكريم، وأن القرآن الكريم قد سبق العلم الحديث بالإشارة إلى الذرة، وهذا من الإعجاز العلمي، وعندها قمنا بتسجيل إعجابات لا متناهية بالأستاذ، الذي داعب عواطفنا الدينية، التي لا تثبت أمام مزيد من الوعي بالعلم نفسه، وبدلالات القرآن الكريم، وفيما يأتي تفصيل ذلك.

أولا: الوضع اللغوي لمفردة “ذَرّة”:

جاء في لسان العرب (4/ 304) (والذَّرُّ: صِغارُ النَّمل، وَاحِدَتُهُ ذَرَّةٌ) وفي القاموس المحيط: القاموس المحيط (ص: 396)، (الذَّرُّ: صِغارُ النملِ، ومئَةٌ منها زِنَةُ حَبَّةِ شعيرٍ، الواحدةُ: ذَرَّةٌ)، هذا هو معنى الذرة في اللغة العربية، أما ما تم إطلاقه حديثا على أصغر جزء من المادة، فليس داخلا في الدلالة اللغوية لاختلاف المعنى، مثل كلمة التصوير الواردة في الأحاديث الشريفة الواردة في النهي عن التصوير والتصوير الشمسي وتصوير الأشعة والورق، فلفظة التصوير واحدة لكنها تدل على معان مختلفة، فكان الممكن أن تسمى الذرة بأي اسم آخر، وعليه لن تتحدث عن إعجاز الذرة في القرآن الكريم، مما يعني أننا وقعنا في فخ المشترك اللفظي.

ثانيا: نكتة لغوية (غاز الخردل):

لو صح أن الذرة في الآية الكريمة يعنى بها ما ليس في لسان العرب، وصحّ أن تحمل الذرة على أصغر جزء من المادة، وهو معنى حادث بعد الوحي، وهو ما لم يفهمه العرب في لغة وقت تنزل الوحي وهم أعلم الناس بلسانهم، فلماذا لا نقول هناك إعجاز علمي آخر في القرآن وهو أن القرآن أشار لغاز الخردل والحرب الكيماوية في قوله تعالى: (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [الأنبياء/ 47]، وفي لسان العرب (11/ 203) الخردل:(ضَرْبٌ مِنَ الحُرْف مَعْرُوفٌ، الْوَاحِدَةُ خَرْدَلَة)وهو حب يضرب به المثل في صغره.

ثالثا: القرآن معجز عِلْما وبيانا:

تعددت وجوه إعجاز القرآن الكريم سواء في المجال الطبيعي أم البياني، حتى كاد أن يُعجِز الناس في بيان وجوه إعجازه، وليس الثابت بحاجة إلى إثبات، وتحصيل الحاصل لا يجوز، وعلينا أن نحذر من أن تذهب بنا العاطفة الدينية، إلى اعتقادات غير صحيحة في الإعجاز، ثم إذا ظهر خطؤها، توهم الناس انتفاء الإعجاز عن القرآن الكريم، كان الخطأ منذ البداية، في عدم تمييز المشترك اللفظي، الذي حرص الأصوليون على تمييزه، لما له من دور مهم في استنباط الأحكام.

مقالة ذات علاقة: خطورة المشترك اللفظي على المعرفة(1) الدولة المدنية والمجتمع المدني نموذجا.

 

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

غفر الله له ولوالديه

عمان المحروسة

16-5-2017

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top