حوار مع أخي (21) هل المولد النبوي بدعة؟حوار في ضوء دلالة النص المطلق

وليد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

خالد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ما حكم المولد النبوي؟ فقد تشعب بنا الخلاف في هذا الأمر؟

وليد: وأنا لا أحب أن يطول الخلاف في هذه المسألة، لأن هناك التعليم والدراسة أهم من الحديث في هذه الخلافيات.

خالد: ولكن الأمر أصبح شيئا واقعا، وهنا اضطراب في هذه المسألة وتبديع وتفسيق ونحن نريد أن نبرأ لديننا وعرضنا.

سعيد: قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم)، والمولد بدعة وإضافة إلى الدين، ولم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه.

خالد: ما جوابك يا أستاذ على ذلك؟ وقد أصبح الجواب عليك فرضا ومتعينا ولا خيار لك.

وليد: إذن، ما الموضوع تحديدا يا إخوة؟

خالد: ما حكم المولد النبوي؟

وليد: لا حكم له أصلا، لأن الحكم الشرعي يتعلق بفعل المكلف! عرف الحكم الشرعي يا سعيد!

سعيد: هو  خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا.

وليد: هل المولد اسم أم فعل؟

خالد: هو اسم، ولا تتعلق الأحكام الشرعية بالأسماء، وعليه؛ فإن المولد من حيث هو اسم لا تعلق للحكم الشرعي به، لأن الحكم الشرعي يتعلق بفعل المكلف، وليس بالأسماء، وهذا حسب تعريف الأصوليين للحكم الشرعي.

وليد: إذن لا نتكلم في حكم المولد، وعلينا أن نتحدث في حكم أفعال المكلفين في المولد، أما المولد فليس محلا للحكم الشرعي؛ لأنه اسم معنى، والحكم متعلق بفعل المكلف، مثل ما حكم التلفزيون؟ نقول لا حكم له، وإنما يتعلق الحكم باستخدام المكلف للتلفزيون، ولا يعنينا التلفزيون خارج  نطاق فعل المكلف، وإن محل البحث هو ما الذي يحدث في المولد؟

سعيد: يحدث في مناسبة المولد توزيع الحلوى، والمدائح النبوية، والأناشيد الدينية، وهناك مقالات في غلو في شخص النبي وتخرجه عن طور النبوة وتصفه بصفات الألوهية، وهذا الاجتماع لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه -رضي الله عنهم.

وليد: حسنا، هل مدْح النبي -صلى الله عليه وسلم- والصلاة عليه بلا مولد مشروع أم ممنوع؟

سعيد: بل مشروع!

وليد: هل يوجد على ذلك دليل من الكتاب والسنة؟

سعيد: نعم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)) سورة الأحزاب.

وليد: في الآية الكريمة أمر بالصلاة والتسليم (صلوا، وسلموا)، ومعلوم أن الفعل نكرة، وقد جاء في سياق الإثبات، فإنه يدل على فرد شائع غير محدد لا في وقت ولا زمان ولا مكان ولا حال، يعني الصلاة والسلام على الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا تتقيد بزمان ولا مكان ولا حال معينة بل هو أمر مطلق.

سعيد: ولكن المولد لم يفعله رسول الله –صلى الله عليه وسلم.

وليد: إذن ما زلت تعلق الحكم بمعنى المولد، واتفقنا أن الحكم الشرعي يتعلق بفعل المكلف، لا بالأسماء والمعاني.

سعيد: أليس الاجتماع فعل المكلف، وهل اجتمع الصحابة رضي الله عنهم للصلاة عليه؟!

وليد: بالتأكيد لم يرِدنا أن الصحابة اجتمعوا على ذلك، ولكن لا يعني عدم العلم بالشيء العلم بالعَدَم، فلا يعني أنه لم يُنقل إلينا أنه لم يحدث فعلا، لأن العدم ليس حجة أصلا، ولكن العبرة بالنصوص الشرعية الواردة في الأمر بالصلاة والسلام عليه، ومدحه بما هو أهل له، ولكن الدليل هو في الآية الآمرة مطلقا بالصلاة عليه سواء في الزمان والمكان والحال يعني على أي حال.

سعيد: لو كان خيرا لسبقنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمع بأصحابه وعملوا احتفالا ولكنهم لم يفعلوا.

وليد: هل من شرط العموم في المطلق كالآية الكريمة السابقة أو العام، أن يعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

سعيد: نعم فلم يُقِم الرسول -صلى الله عليه وسلم- الاحتفال الجماعي بالمولد.

وليد: جميل، على فرض أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعله، إذن أنت تقيد عموم المطلق في الآية الكريمة بالعدم، وهو لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وتجعل من شرط العمل بالمطلق أو العام أن يقوم به النبي -صلى الله عليه وسلم، وعليه تكون قد قصرت عمومات الشريعة وإطلاقاتها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لم ترد الصلاة الجماعية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعطلت الآية الكريمة ومنعتها من تناول حال الاجتماع، بدليل عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

سعيد: نعم هذه حالة الاجتماع ممنوعة.

وليد: هل تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنت خارج من المنزل، وعندما تدخل مكتبك، وقاعة الدراسة، وأثناء ركوب السيارة، وأنت مستلق على فراشك؟

سعيد: نعم.

وليد: لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وهات لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة كان يصلون على النبي -صلى الله عليه وسلم- عند دخول القاعة الدرسية، أو أثناء الركوب للسيارة، والطائرة.

سعيد: لا يوجد.

وليد: بناء على كلامك تحرم الصلاة على النبي صلى  الله عليه وسلم في أي حالة غير الأحوال التي وردت من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم، وهذا قَصْرٌ لعمومات الشريعة على التاريخ، وتعطيل لها عن النزول في محالها في الواقع إلى يوم القيامة، وهذا التعطيل للنصوص الشرعية، يلتقي مع دعاوى اللادينيين بقصر الشريعة على أسباب نزولها، وتحويل النصوص الشرعية إلى تاريخ، بتعطيل عموم النصوص الشرعية ومطلقاتها، وقال في المراقي:

358-ويلزم العموم في الزمان….

 

والحال للأفراد والمكان

 

يعني أن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- هي على كل حال، في كل زمن، في كل مكان لكل فرد، وقصر النص الشرعي على حال دون حال هو اعتداء على عموم النص الشرعي، وتعطيله من النزول على محله، يعني أن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم -مشروعة على كل حال سواء دخولا وخروجا، ركوبا، أو ماشيا، على حال الاجتماع أو الانفراد، ولا يجوز التخصيص والتقييد لهذه الدلالة إلا بدليل من الشارع، وهذا أصل مجمع عليه عند أهل السنة والجماعة، وهو أنه لا تخصيص ولا تقييد لعموم ظواهر النصوص الشرعية ومطلقاته إلا بدليل شرعي.

سعيد: هل كان الرسول وأصحابه أعلم منا، أم نحن الذين نحتفل بالمولد أعلم منهم؟

وليد: أخي سعيد، بالتأكيد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أعلم منا، فليس لنا مزيد علم بالشرع على ما هو عندهم قطعا، ولكن ما نتحدث عنه هو أفراد النص المطلق الآمر بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- من حيث جميع المسلمين إلى قيام الساعة، في جميع الأزمنة إلى قيام الساعة، والأمكنة في كل الأرض، وفي جميع الأحوال دخولا وخروجا ومستلقيا راكبا وماشيا فردا أو جماعة، فهذه أفراد غير محصورة أصلا، ولكنها مشمولة بالنص العام أو النص المطلق الآمر بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم، يعني نحن لا نزيد على النص الشرعي شيئا لا مدلولا ولا معقولا، ولكننا ننزله على محاله الكثيرة في الواقع وهي تصلح له، ونعوذ بالله تعالى أن نزيد على الشرع بأن نقيد مطلق أو نخصص عاما من غير نص شرعي، أما منعك الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم على- الحال كما في المولد، أو في الأفراد أو الأزمنة والأمكنة، هو تحكم في النص الشرعي، والحق أن النص الشرعي حاكم لا محكوم عليه.

خالد: لو كان المولد خيرا لدلنا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

وليد: لقد دلنا رسول الله صلى الله على كل خير، وبين لنا بنصوص الشرع من كتاب وسنة على كل خير، وقد بينت لك أن اجتماع المسلمين للصلاة عليه والسلام، والثناء عليه بما هو أهله مشمول بنص الآية الآمرة بالصلاة عليه لأنه عامة في الحال والأفراد والمكان والزمان، فقد دلنا على الخير بهذه النصوص العامة، أما إذا كنت تتوقع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيعدد لك أفراد العام إلى يوم الدين فهذا مستحيل، وطريقتك هذه تريد من النبي النص على أفراد العام والمطلق غير المتناهية، وهذا يعني أنه لو كانت البحار حبرا لجفت وهي تكتب أفراد العام والمطلق غير المتناهية، وهذا يفترض وقوع الحَشْو الذي لا فائدة منه في نصوص الشرع،  ويجب تنزيه النصوص الشرعية عنه.

خالد: ولكن أليس اجتماعهم هو تخصيص للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك يصبح الاجتماع للاحتفال بالمولد بدعة.

وليد: الاجتماع نفسه فِعْل، والفعل لا صيغة له أصلا تبين عموما أو خصوصا، فالفعل وتكراره لا يدلان على اعتقاد أنه يُتعبد بخصوص الاحتفال أصلا، ولا يعُمُّ لأنه لا توجد فيه صيغة تدل على أفراد غير محصورين، بل الفعل نفسه وهو الاجتماع للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أحد أفراد العام في الآية الكريمة؛ لأنها عامة في الأحوال كما بينتُ لك، فكيف تجعل أحد أفراد العام في النص الشرعي في الأحوال كالصلاة عليه في المولد بدعة، وتفرض التناقض على الأدلة الشرعية، مع أن الفعل مندرج تحت عموم النص، ثم تقول هو زيادة في الدين فهذا تناقض صريح، يجب أن يُنـــزَّه عنه الكتاب والسنة.

سعيد: أليس توزيع الحلوى بهذه المناسبة هو دليل على تركُّب المولد من أفعال تجعل منه بدعة؟

وليد: ما قلناه في عموم الأحوال في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم، نقوله في أكل الحلوي فما دامت حلالا فهي حلال في كل الأحوال سواء في اجتماع المولد أم في اجتماع غيره، ومن أراد أن يخصص العموم أو يقيد المطلق بعدم فعل النبي -صلى الله عليه وسلم فإنه يريد أن يقْصُر عمومات الشريعة ومطلقاتها في الأحوال والأفراد والأزمنة والأمكنة على التاريخ؛ لأنه يشترط أن يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- جميع أفراد العام، حتى تُـعَدَّ أفراد العام والمطلق مشروعة، وهذا تعطيل للنصوص الشرعية، يتفق مع مقولة اللادينيين بقصر النص الشرعي على التاريخ، وهذه التناقضات تمثل اليوم تحديا كبيرا لعمومات النصوص الشرعية ومطلقاتها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وأكتفي بهذا القدر، ويمكن أن نكمل الإشكالات الأخرى إن وجدت لاحقا.

خالد: إذن، الخلاصة أن العبرة هي بما يجري في المولد من أفعال، أما المولد من حيث هو اسم معنى لا يتعلق به الحكم الشرعي،فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في المولد والسلام عليه ليست أمرا مبتدعا، بل هو أحد أفراد العام في الآية لأننا مأمورون بالصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- بصرف النظر عن كونه في اجتماع أو احتفال، أو كنا داخلين بيوتنا أو خارجين منها، راكبين أو ماشين، يعني على جميع الأحوال، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يُعَدِّد أفراد العام وحالاته، لاكتفائه بدلالة النص الشرعي عليها، ومن ثَم دلنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كل خير بنصوص عامة ومطلقة شاملة لأفراد لا تنتهي، ولا يشترط فعله لبعض أفراد العام حتى يصبح مشروعا، لأن أفراد العام والمطلق لا تنحصر أصلا،ولا يعني أن النبي صلى الله الله عليه وسلم لم يفعلها أنه كان يجهلها، وأنه يحرمها أو ينهى عنها، وعلينا أن نناقش ما يحدث في المولد من مشروع أو ممنوع، وليس في كلمة المولد نفسها لأن الحكم الشرعي يتعلق بفعل المكلف.

وليد: بارك الله فيك يا خالد ويا سعيد، وجعلكما من أنصار السنة وحراسها.

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

12-ربيع الأول-1438ه

12-12-2016م

عمان المحروسة

4 thoughts on “حوار مع أخي (21) هل المولد النبوي بدعة؟حوار في ضوء دلالة النص المطلق

  1. نوفمبر 30, 2017 - محمود ابو عمر

    دكتور وليد …لمَ تخصيص هذا اليوم بالذات؟!

    ألا يعد اجماعا من الصحابة عدم احتفالهم بهذا اليوم؟

  2. نوفمبر 2, 2019 - انوار صبابحه

    بوركت دكتورنا على هذا التوضيح

  3. نوفمبر 4, 2019 - badiniMohamed

    جزاكم خيرا

  4. أكتوبر 24, 2020 - غير معروف

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
    جعلك الله يا دكتورنا الفاضل من أنصار السنة وحراسها وإياكم يا رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top