حدث معي أيام التعليم الجامعي… تدريس نظم ابن عاشر وامتحان بلا مراقب

مازلت أعتقد أن تدريس العلوم الشرعية يكون عبر دراسة تكاملية وبنائية، تتدرج في مناهج منتقاة بعناية، وقد وجدت ذلك في مدارس فقه السلف الأربع ومناهجها التعليمية، وبعد أن سَلَخْت عمرا في التلمذة في مدرسة الفقه المالكي على يد شيوخي الشناقطة، رأيت أن أقدِّم شيئا من هذه المدرسة، بما يليق بإمكانياتي المتواضعة، فشرعت بتدريس المرشد المعين بشرح الحبل المتين للمراكشي، وأعلنت ذلك لطلابي، وقد اخترت مسجد جامعة العلوم الإسلامية العالمية للتدريس فيه، والتحق بالدرس عدد يفوق المتوقع من الطلاب والطالبات.

أولا: هِمَّة الطلاب لا تسمح لأستاذهم بالاعتذار:

الغريب في الأمر هو الالتزام اللافت للطلاب والطالبات في حضور الدرس، وهذا جعلني أستحيي من الاعتذار، وأذكر أنني اعتذرت مرة واحدة، ما منعني من الحضور إلا عذر قاهر ظاهر، يحصل ذلك في درس لا يتقاضى الأستاذ فيه أجرا، ولا ينتظر الطالب شهادة ولا علامة، أما نسبة الغياب من الجميع فتكاد تقترب من صفر مكعب، وبعد ما يقرب من أربعين درسا، رأيت أن أعقد امتحانا للطلاب والطالبات، يحصلون بعده على شهادة بحضور الشرح وتجاوز الامتحان.

ثانيا: كان الامتحان مفاجئا:

لقد كان الامتحان مفاجئا ليس في أسئلته، بل في نمط إجرائه، فمن المعتاد أن الامتحانات في الجامعات تقتضي رقابة خاصة يتزايد فيه المراقبون، وأخبار التهديد بعقوبة الغش، وشيء من تسريبات فضائح الغش الإلكتروني، ولكني جلست في امتحان المرشد المعين مراقبا لا حاجة إليه، وشعرت أنني حمل زائد في قاعة الاختبار وأنني من لزوم ما لا يلزم، فخرجت من القاعة، ولكن نظرت إليهم من طَرْف،  لعلي أشاهد حركة مُريبة، ولكن -والحمد لله- كان وجودي وعدمه في المراقبة سواء.

ثالثا: خروج المراقب الوحيد من قاعة أثناء الامتحان!

خرجت مهرولا إلى مقصف الكلية، وأحضرت لهم ماء سائغا وشراب، ولكنني لم أدخل القاعة مباشرة، بل قررت أن أراقب الوضع عن كثب قبل الدخول، فتأكد لي ما ظننته سابقا أني حمل زائد ولزوم ما لا يلزم في الامتحان، فكلٌّ عينه في دفترة، وأخشى أيضا أنهم لم يشعروا بغيابي القصير عنهم، وربما لا يعلمون قِصَره من طوله، على خلاف المرجِفين في الامتحانات الذين ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت، وزَّعت عليهم الماء، ومع ذلك كان هناك هدوء مطبق، لا تكاد تسمع إلا صَرير الأقلام.

رابعا: الشهادات لا تعنيهم:

انتهى الامتحان وصححت الأوراق كأحسنْ ما أنت رَاءٍ، وأعددت الشهادات، ووقعتها من رئيس الجامعة، وادخرتها في مكتبي، فكلما رأيت واحدا منهم قلت له مر بي وخذ شهادتك بالدورة، ولكن الغريب أن أكثرهم لم يسأل عن شهادة الدورة، وتخرج ولم يسأل عنها، بالرغم من حرصهم الشديد على الحضور وعدم الغياب، ونتائجهم المميزة في الامتحان، لا أدري كيف أقارن بين هذه الحالة وحالة أخرى معاكسة، حيث يكون الحضور إجباريا والامتحان قهريا والشهادة هي مخاض الامتحان القهري والحضور الجبري مع تيسر من العلم، وشيء من العنف الجامعي.

الطريق إلى السنة إجباري

walidshawish.com

وكتبه الفقير إلى عفو ربه

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة

26-11-2016

1 thought on “حدث معي أيام التعليم الجامعي… تدريس نظم ابن عاشر وامتحان بلا مراقب

  1. نوفمبر 26, 2016 - فتحي مراد

    هنالك طالب هدفه الشهاده .. وهنالك طالب هدفه العلم .. فمن كان هدفه الشهاده يحمل الشهاده بغض النظر عن المحتوى العلمي .. فالشهادة تشهد له انه مؤهل أيضا بغض النظر عن العلم .. أما طالب العلم فيهمه العلم أولا بغض النظر عن الشهادة .. فعلمه هو الذي يشهد له بغض النظر أيضا عن الشهادة .. والأمثلة كثيرة يا دكتور .. زادك الله تكريما وتشريفا بالعلم والفكر والحكمة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top