الوكيل الحصري لقطع غيار الديمقراطية الأصلية… والشعب يريد إسقاط الشعب

أولا:الحديث في الديمقراطية الفلسفية لا الإدارية:

1-ليس الحديث في الديمقراطية البنت وهي حق التمثيل للأمة بالطريقة المناسبة، إنما أتحدث عن معامل الديمقراطية الأم التي تنكر مرجعية السماء والنبوة في الشأن العام، وتقرر السلطة المطلقة والنهائية للإنسان وأنه لا علاقة لربه –سبحانه- في مجال الشأن العام، وأن التدين هو حالة فردية خاصة.

2-وقد أكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة على المسلمين بأن جعل الشورى جزءا من حياتهم اليومية في جميع مرافق الحياة، وجعل فيها رضاه سبحانه، وهذه الشورى هي مَرْكبة لتمثيل المجتمع ، وتعطي السلطة للأمة في مراقبة العلماء والأمراء في تنفيذ الشرع، فالأمة ممثَّلة في هذا الدين، لأن هذه الأمة هي أوسط الأمم وأعدلها وأنها أمة عالمية، ومن العبث والمضحك أن تزعم الأمة أنها الأمة الوسط وعالمية الرسالة، ثم تتسوَّل طرق الإدارة والتمثيل من الآخرين.

ثانيا: الديمقراطية تحددها القوة ولا عزاء للضعفاء:

1-تقرر الديمقراطية الفلسفية حق الشعوب في تقرير المصير، وحتى نفهمها جيدا، لا بد من الرجوع إلى بلد المنشأ للديمقراطية الأم التي من حقها أن تحدد المصير الذي يجب أن تطالب به شعوب جنوب المتوسط وشرقَه، بناء على دليل الاستخدام للديمقراطية الصادر من بلد المنشأ، فمن حق الشعب أن يقرر مصيره هذا صحيح، ولكن تقرير ما هو المصير الذي يقرره هذا يرجع للديمقراطية الأم الأكثر مالا، وأعز نفرا.

2-في حال تعثر الديمقراطية الإدارية وهي حق تمثيل الشعب، فلا بد من الرجوع للوكيل الحصري للديمقراطية، لأخذ الوصفات المناسبة للشعوب جنوب المتوسط وشرقه، لتتأكد أنها تسير في الطريق الديمقراطي بشكل صحي وناجح، والتأكد من عدم وجود حَمْل صادق لمرجعية الإسلام فيها، أما إذا كان الـحَمْل كاذبا فهذا يدل على أن الديمقراطية ممثَّلة جيدا، وفيها جميع أطياف المجتمع!

3-عند تعثر تطبيق الديمقراطية يمكن أن يحتاج الشعب المسلم إلى بعض قطع أفكار الغيار الأصلية، لإحلالها محل عقيدته الإسلامية من أجل نجاح الديمقراطية، والحصول على صك الشرعية من الديمقراطية الأم، وهنا يجب الحذر من أفكار الغيار المقلدة، وضرورة الرجوع إلى الوكيل الحصري للديمقراطية في بلد المنشأ، وإلا ستكون ديمقراطية مزيفة وغير حقيقية.

4-يظن بعض الناس أن الديمقراطيات الغربية لا تحترم حقوق الإنسان، مع أنها تبذل جهدا كبيرا في حماية الإنسان وحقوقه!! ولكن المشكلة في هؤلاء الناس أنهم لا يقرؤون دليل استخدام الإنسان في الديمقراطية، لتحديد من هو الإنسان الذي يتمتع بحقوق الإنسان، وفق وصفة دليل استخدام الإنسان الأصلي في الديمقراطية الغربية، وأنه لا بد من التأكد من مواصفات الإنسانية الأصلية، وأهمية الحذر من الإنسانية المقلَّدة والمتخلفة حسب دائرة المواصفات والمقاييس الغربية.

5-تفهم بعض الشعوب خطأ أن الغرب باعتباره الوكيل الحصري لتطبيقات الديمقراطية يقوم بدعم انقلابات على هذه الشعوب، ولكن خطأهم المتكرر هو أنهم لم يعرفوا من هو الشعب حسب دليل استخدام الشعوب في الديمقراطية، وأن الديمقراطية التي جعلت الحكم للشعب هي القادرة على سلب إراداة الشعب بإرادة شعب آخر، وأن الشعب ليس هو الشعب، وفي جميع الأحوال هي حكم الشعب، وذلك استنادا إلى أن الديمقراطية هي حكم الشعب.

6-يفهم بعض العرب خطأ قيمة التسامح الديني العليا في الديمقراطية، ويخلطون بينها وبين حرية حماية مصالح الشعب الأقوى، إذا كانت في جَيْب شعب آخر، فهذا أيضا هو حكم الشعب، وما تم فعله خلال الحروب الاستعمارية هو إرادة الشعب الحرة على حساب شعب آخر، وفي جميع الأحوال هي حكم الشعب على الشعب، والشعب وهو المرجع النهائي حسب ما يحدده دليل معمل الديمقراطية الأصلية الغربي، بوصفه الوكيل الحصري لجميع قطع غيار الديمقراطية الأصلية، ووكيل إصلاح الشعوب غير الناضجة، بحسب دليل استخدام الديمقراطية العملي.

7-ليست حالة الانتداب على فلسطين إلا حكم شعب بـِخَلع شعب من أرضه، وإحلال شعب آخر مستورَد، وهذا أيضا كله حكم الشعب، ولكن على شعب آخر، فلماذا يخلط المسلمون بين الشورى الإسلامية  والديمقراطية الفلسفية اللادينية الأم من غير الرجوع إلى دليل الاستخدام التطبيقي للديمقراطية؟ وأن الديمقراطية هي وريثة اللاهوت الإنساني باسم الدين والإله، ليصبح باسم لاهوت الشعب، وكلاهما المرجعية الإنسانية المطلقة، التي تستند إلى القوة لا المبدأ، وإن استندت إلى المبدأ أو المفهوم المكتوب فهو عائم يتيح للقوة أن تطبقه كما تشاء مما يعني تلك الأوراق الديمقراطية على الرفوف هي للقراءة والدعاية، لا علاقة لها بواقع التطبيق.

8- حتى تكون الديمقراطية ناجحة لا بد من إيمان الجميع بأنه لا توجد حقيقة شرعية مطلقة وثابتة تحكم الديمقراطية، لأن الديمقراطية هي حكم الفئة الأكثر مالا وأعز نفرا، وأن صناعة الأكثرية لصالح القوة تكون عبر صندوق الانتخاب،  يتولاها سحرة الإعلام والمشعوذين والمبخرين لحركة رأسمال المال، بعدما تم تجريد الإنسان من مرجعية الوحي والسماء وتحويله إلى كائن اقتصادي بيولوجي جنسي، يبحث عن الكلأ والماء والشهوة المحرمة.

ثالثا: لماذا الخوف من الإسلام في الديمقراطية الفلسفية:

1-إجماعات الإسلام سدود في وجه استبداد رجال الدين ورجال اللادين:

إن الإسلام يمتلك ثوابت قطعية في مجال العقيدة والشرعية، وهذا يعني لجم القوة وخصوصا سطوة رأس المال من التغول على الضعفاء، وهذه الإجماعات القطعية تقف في وجه اللاهوت الإنساني باسم الشعب ضد الشعب، مما يعني نزع الشرعية عن القوة الغاشمة والمستبدة سواء كانت باسم رجال الدين أم رجال اللادين، أما استبداد رجال الأعمال، الذي يحولون أموالهم إلى سلطة بقوة القانون، وإغراق الشعوب بالديون ثم الهيمنة عليها، فحسب الإسلام أنه حرم الربا، الذي يفرض شروطه الظالمة في الإقراض لالتهام مكاسب الأمة والقيمة الاقتصادية المضافة لصالح رجال الأعمال.

2-الإجماع طريق لوقف تناقضات الديمقراطية الفلسفية:

تناقضات الثورة، والشعب يريد إسقاط الشعب، هي تناقض داخل الديمقراطية نفسها، وتفرض نفسها على المجتمعات الإسلامية لتبقى أمتنا منقادة إلى بلد المنشأ والوكيل الحصري الغربي للديمقراطية، الذي يمنح الشرعية لمن يشاء، وينزعها ممن يشاء، ويمكن الخروج من تناقضات الديمقراطية والشعب يريد إسقاط الشعب، وتفتيت المجتمعات الإسلامية بهذا التناقض، وهو إحياء الإجماعات العقدية والفقيهة والأصولية في الأمة (أهل السنة والجماعة) لوقف حالة التشرذم والتدابر الذي يعيش عليه التدخل الخارجي، مما يعني تشكيل أمة متماسكة في العقيدة والسلوك، تستعصي على العابثين والمتلاعبين  سواء باسم الدين على يد الغلاة، أو باسم الشعب على يد الجفاة.

3- الإجماع يَحْرِم خصوم الأمة من كل أدوات الهيمنة والتدخل:

عندما نلتزم بالإجماعات العقدية والأصولية والفقهية للأمة، هذا يعني أن مرجعية الأمة هي من داخلها، ولا تنتظر من الغير أن يمنحنا الشرعية، أو يغريها بالديمقراطية ثم بعد فوزها بالديمقراطية ينقلب الشعب باسم الشعب على الشعب، ثم تسيل دماء الشعب على يد الشعب برعاية الديمقراطية العالمية، ويؤدي ذلك إلى تفتيت وتهديد الدولة القطرية بعدما فُصِلت عن جسم الأمة، وبدأ التدخل الخارجي يثير الطائفيات القومية والدينية، ويدعم كل الطائفيات ضد الأمة (أهل السنة والجماعة) من أجل تقطيع المقطَّع، وكل ذلك بتناقضات الديمقراطية نفسها، التي تحددها القوة على أرض الواقع، والذي يملك القوة الاقتصادية والتقنية والنفوذ هو الذي له حق تحديد ما هي الديمقراطية، أما الضعفاء الذين يطلبون شرعية الديمقراطية من الأقوياء، فهم أشد غباء من الذين كانوا يطلبون صكوك الغفران من رجال الدين في العصور الوسطى.

وكتبه الفقير إلى عفو ربه

د. وليد شاويش

الطريق إلى السنة إجباري

https://telegram.me/walidshawish

 25-7-2016 عمّان المحروسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top