اشتراط فراغ المال الزكوي من الدين

الصوتية 40: اشتراط فراغ المال الزكوي من الدين:
ويعني الفراغ من الدين أن لا يكون على المزكي دين، لأن الثروة أصبحت مشغولة بسداد الدين، وليست كل الأموال على نحو واحد، فمنها ما يمنع من الزكاة، ومنها ما لا يمنع من الزكاة، وما الديون التي تمنع وجوب الزكاة في المال؟ وما هي الشروط التي تمنع فيها الديون الزكاة من المال، ثم نتحدث عن زكاة المال الحرام.
س1: ما الأموال التي يؤثر فيها الدين فيمنع الزكاة فيها، فالدين على عروض التجارة والزكاة يمنع وجوب الزكاة إذا كان مستغرقا لها، فإذا كان تاجر السيارات له معروضات تجارية بقيمة خمسين ألفا، وعنده نقد بقمية عشرة آلاف يصبح المجموع ستين ألفا، فإذا كان عليه شيكات مؤجلة بسبعين ألفا لا تجب الزكاة، لأن الدين يمنع بالاتفاق وجوب زكاة في عروض التجارة والنقود، ولو كان من غير جنس العروض والنقود، وهذا محل اتفاق عند الفقهاء، وإن الدين حالا أم مؤجلا يُعَدُّ مانعا من موانع الزكاة إذا كان المال الزكوي عروضا أو نقود.
هناك أموال أخرى كالزروع والمواشي والركاز والمعادن، واتفق العلماء أن الدَّين لا يمنع وجوب زكاة المزروعات، مهما بلغت الديون، فالمزروعات تزكى بصرف النظر عن الدَّين، لقوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده، ولأنه مال ظاهر تتعلق به قلوب الفقراء، إلا أن السادة الحنابلة قالوا يستثنى من الدين ما أنفق على الزرع نفسه فقط.
وذهب الحنفية إلى أنه يمنع زكاة السائمة ولا يمنع زكاة الثمار، والشافعي يوجب الزكاة في السائمة فقط، أما المالكية فتجب الزكاة في الماشية مطلقا، معلوفة أم سائمة، عاملة أم غير عاملة، عليها دين أم لا، فإذا قدم الساعي أخذ الزكاة، ولا يسأل عن الدين أو كونها معلوفة أم لا، وكل هذه الاعتذارات عند المالكية غير مقبولة، فالمالكية هم أوسع المذاهب في إيجاب الزكاة في الماشية مطلقا، وهذا التعدد في الاجتهاد الفقهي نختار منه ما هو أصلح للفقراء والمحرومين، وهم لا يعلمون إن كان أصحاب الماشية عليهم ديون أم لا، وهذه أموال ظاهرة تتعلق بها قلوب الفقراء، ولو كان الدين يسقط زكاة الماشية لما احتاج مانعو الزكاة إلى الحرب وقد حاربهم الصديق، ولكان أهون عليهم أن يقولوا إن علينا ديونا للناس، ولم يكن الناس يعتذرون بهذه الاعتذارات عندما كان يأتيهم السعاة من الخليفة، فدل ذلك كله على أن الدين لا يمنع من وجوب الزكاة في الماشية.
س2: ما الديون التي تمنع الزكاة؟ هي الديون التي استقرت قبل وجوب الزكاة، فإذا كان الحول الأول من محرم، واستقر الدين قبل انتهاء الحول فيمنع وجوب الزكاة، فإذا كان عليه خصومة وحكمت به المحكمة بعد الأول من محرم، فإن الدين الجديد لا يسقط الزكاة، لأنه استقر بعد الحكم بعد انتهاء الحول، وكل الديون التي استقرات بعد انتهاء الحول، يعمل عليها في السنة الجديدة لا السنة الفائتة، ويعتبر مهر المرأة مستقرا على زوجها بالدخول، فيسقط الرجل مهر زوجته المؤخر، ويعتبره دينا مؤثرا في الزكاة، فإذا كان مع الزوج سبعة آلاف ومهر الزوجة المؤخر خمسة آلاف، يبقى ألفان وهي دون النصاب بناء على نصاب الذهب، فلا تجب فيها الزكاة، ونصاب الفضة أقوى من حيث الأحاديث وهو أحظى للفقراء، والديون محل النزاع في المحاكم لا تؤثر في منع الزكاة لعدم ثبوتها واستقرارها، ومثل ذلك نفقات الأقارب قبل الحكم بها من المحكمة أو قبل التراضي بين المتخاصمين، فلا تستقر إلا بالحكم أو بالتراضي، وأن يكون الحكم بذلك قبل انقضاء الحول. ومثل ذلك دين الكفالة، فلا يستقر إلا بعد أن يعجز المدين المكفول ويطلب القاضي من الكفيل التسديد، وهنا يستقر الدين على الكفيل وله أن يسقطه من وعاء الزكاة.
ملاحظة: مهر الزوجة يستقر بالدخول بها، وهنا يتكمَّل المهر بعد أن كان قابلا للتنصيف إذا حصل الطلاق قبل الدخول، وإن عُد المهر في بعض الأعراف مؤجلا إلى الطلاق أو الموت أيهما أقرب، ومن ثم يعتبر المهر الذي في ذمة الزوج بعد الدخول دينا مستقرا في ذمته.
ولو اشترى خالد سيارة بأقساط مؤجلة كل شهر 500 دينار لعشرين سنة قادمة، فيعتبر الدين المؤجل هنا مستقرا، وله أن يطرح الديون المؤجلة، ويعتبرها حالة في احتساب مال الزكاة، وعليه أن يسدد الثمن لأنه مستقر، وشرط ذلك أن يستقر الدين قبل حولان الحول.
س3: ما الشروط التي يكون فيها الدين مانعا من الزكاة:
مثال: اشترى أسامة شقة بمائة ألف وسدد منها خمسين ومعه عشرون ألفا، فهل نضع الخمسين ألفا من باقي الثمن الذي هو دين مقابل حصة أسامة من الشقة والخالية من الدين وهي ملكه السالم من الدين، ومن ثم بقيت العشرون ألفا لا ديون عليها ومن ثم تجب زكاته، أم نضع الدين الباقي من الثمن، وهو خمسون ألفا مقابل ما بيد أسامة من المال، فيصبح المال الذي بيده مشغولا بالدين، ومن ثم لا زكاة في العشرين ألفا التي بيده، لأن الشقة والأثاث مقتنيات ليست من وعاء الزكاة، وعند المالكية الفتوى في الاتجاه الأول، فتجعل الديون في مقابل الأموال غير الزكوية وهي حصته من الشقة والأثاث، والسيارة، والاتجاه الثاني وهو معتبر شرعا، حيث تجعل الخمسين مقابل العشرين، وتشغلها بالدين وهو مذهب السادة الحنفية، والمسلم يختار ما يحب أن يراه عند ربه، ومذهب الحنفية معتبر، وهنا محل اهتمام الإيمان العظيم، الذي يكتشف عند الأموال، وأكثر الامتحانات في القرآن في جانب الحياة الجماعية في الأموال، وهو من أصعب الامتحانات، واليوم اللقمة الحلال من العبادات النادرة على مانراه في الأسواق وما نسمعه، من الجرأة على أموال المسلمين، واللقمة الحلال تبين لك الطريق وتهديك إلى الصواب، وقد ذم الله بني إسرائيل بأكلهم السحت، وهو الرشوة، والغش في الصناعة، فنسأل الله تعالى أن نأكل من الحلال.
س3: ما حكم زكاة المال الحرام:
المال الحرام ولو كثر لا زكاة فيه، لأنه لا يملكه ملكا معترفا به شرعا، فهو كالعدم، ويجب أن يخرج المال جميعه لخبث ملكه، والزكاة لا تطهره، وهو غير مستطيع الحج ولو ملك مليونا، لأنه في نظر الشرع معدم.
مثال: شخص عنده سندات ربوية مائة ألف وجاءها فوائد محرمة عشرة آلاف فلا تزكى الفائدة المحرمة، ويزكى رأس مال السند، فمال السرقة، والغلول وهو السرقة من المال العام، ولا يقبل الله صدقة من غلول، وكل من يأخذ قطعة من مال المسلمين تكون غلا في رقبته يوم القيامة، فمنهم من تدوسه البقر يوم القيامة، ويأتي المقتول وقد تعلق برقبة القاتل، ويكوى مانعو الزكاة بدنانيرهم ودراهمهم التي منعوا الزكاة فيها، ومثال المال الحرام الأجرة على الفن المحرم الذي يثير الفاحشة بين المسلمين، لأن شرط المعقود عليه هو منفعة منتفعة بها شرعا، وإلا حرم عليه أن يأخذ عليه أجرا، ومثل ذلك كل عمل محرم كخدمة الربا، والمخدرات، والخمور فهذه كلها رواتب محرمة، وإذا استدرج الله العبد بهذه الأعمال فهذا عقوبة من الله.
وبالنسبة للعمل بالربا فإن كان مباشرا لعقد الربا، موظفا، كفيلا، شاهدا، وغير ذلك فهذا عمل محرم، لقوله تعالى: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، نحن لسنا عبيدا للواقع، ويمكن تحويل البنوك الربوية إلى إسلامية، أما إذا كان غير مباشر مع عقد الربا، كالعامل والفراش، ففيها قولان: الكراهة والتحريم، وهو إلى التحريم أقرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top