أهمية علم الصرف في استنباط الحكم الفقهي الأمثلة: حرض المؤمنين على القتال، تشميت العاطس، الله يخَلِّيك

إن من الأهمية بمكان معرفة علوم اللغة لفهم نصوص الشريعة، ومن العلوم اللغوية علم التصريف، ولهذا العلم أهمية كبرى في فهم النص، أردت أن أوضح أهميته فيما يأتي من الأمثلة، التي راعيت أن تكون من: الكتاب، والسنة، وكلام الناس:

أولا: معنى حرِّض المؤمنين على القتال:  

1-معنى (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً):

جاء في الكتاب العزيز: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ)، فكيف نفهم معنى التحريض؟ لا بد من معرفة الْـحَـرَض، وهو الإشراف على الهلاك، ومنه قوله تعالى في سورة يوسف: (قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85)، أي: لا تنسى ذكر يوسف حتى تشرف على الهلاك بسبب كثرة تذكرك ليوسف عليه السلام، فهل معنى تحريض المؤمنين هو حثهم على الهلاك؟

2- من فوائد التضعيف (التشديد، الشَّدَّة) عَكْس المعنى:

لا بد من معرفة معنى التضعيف (التشديد) حرّض، والتَّحْريض، ومن معاني التضعيف أنه يؤدي إلى معنى معاكس للفعل الأصلي، فمثلا الممرض أصلها من مرِض: ومعنى الممرض: الذي يزيل المرض، وهكذا الزَّبَّال: يزيل الزبالة، والمتهجد من هجد بمعنى نام، ومن تهجّد فقد أزال النوم، والتهجد هو القيام من النوم.

3-التهجد هو ترك النوم:

جاء في المفردات في غريب القرآن للراغب:( الهُجُود: النّوم، والهَاجِد: النّائم، وهجّدته فتهجّد: أزلت هجوده نحو: مرّضته. ومعناه:أيقظته فتيقّظ، وقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ [الإسراء/ 79] أي: تيقّظ بالقرآن، وذلك حثّ على إقامة الصلاة في الليل)، وعليه فإن الأمر حرَّض في الآية هو إزالة الهلاك،  وذلك بإنقاذ الأمة من يد عدوها ، وذلك الهلاك حاصل بسبب القعود عن حراسة الدين والدنيا، وأن هذا القعود هو سبب ظهور أعداء الأمة عليها، ومن ثَم وقعت الأمة في الـحَـرَض وهو الهلاك.

ثانيا: تشميت العاطس:

من السنة تشميت العاطس، وهو أن تقول له: يرحمك الله، والتشميت من الفعل شمَّت، وأصل شمَّت هو الفعل شَمِت، والشماتة هي الفرح بالبلوى في الغير، أما التشميت فهو إزالة الشماتة بالعاطس، بسبب ما أتى به من فعل في حضور الناس، وعليه؛ فإذا شمَّتَّ أخاك العاطس، فقد أحسنت إليه، لأنك أزلت الشماتة به، وهذه الإزالة هي من حق المسلم على أخيه المسلم، ونسمي هذه الإزالة للشماتة التَّشْمِيت، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (تشميت العاطس أي الدعاء له بإزالة الشماتة عنه).

ثالثا: دعاء الناس: الله يـخَلِّيك:

1-الله يخليك، و الله يأخذك :

يكثر الناس اليوم من دعائهم الله يخليك، يعنون بذلك الله يبقيك، يخلِّيك من الفعل خلاّه، ومنه قوله تعالى في سورة التوبة: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) ومعنى ذلك كما يقول أبو السعود في تفسيره الإطلاق:  (فدعوهم وشأنَهم ولا تتعرَّضوا لهم بشيء مما ذكر) قلت: ويقابل ذلك في الآية نفسها هو قوله تعالى:  (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ)،فمقابل التَّخْلِيَة هو الأخذ بالقتل والحصار، وهو ما يدل عليه السياق في الآية الكريمة .

2-كلام الناس موافق للغة وسياق القرآن الكريم:

وعليه فإن دعاء الناس اليوم بقولهم: الله يخليك فهو بمعنى يبقيك ولا يأخذك، ولهم في كلامهم مقابل الله يخليك وهو دعاؤهم الله يأخذك، كما هو وارد في قوله تعالى (وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ)، ويلاحظ من ذلك أن مدلول الله يخليك أو الله يأخذك عند الناس اليوم لا يخرج عن دلالة اللغة والقرآن الكريم، واستعمالهم لكلمة: الله يخليك بمعنى الله يبقيك، ومقابله الله يأخذك في الدعاء، هو صحيح، ولا غبار عليه من ناحية السماع في اللغة العربية، وهو مستفاد أيضا من سياق القرآن الكريم.

3-كلام الناس موافق للقياس الصرفي أيضا:

ويمكن أن يقاس دعاء الناس في الله يخليك أيضا على ما سبق بيانه في: التمريض، والتهجد، والتشميت، وهو إزالة الخلاء، ومعناه أبقاك، وعليه فإن كلام العامة اليوم: الله يخليك” موافق للقياس الصرفي في أن التضعيف من معانيه الإزالة، ومما هو مستقر في أصول الدلالة أن كلام الناس يُـحمَل على عرفهم، لا على عرف العرب في لغتهم قبل نزول الوحي، فكيف وكلام العامة اليوم موافق للغة، رواية وقياسا، وموافق أيضا للأصل الشرعي وهو حمل كلام الناس على عرفهم اعتبارا بقصدهم في الكلام، ولا يحاكمون  على وفق لسان العرب لابن منظور، ولا على معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، وهنا يتضح لنا لماذا اشترط في المجتهد أن يكون عالما بالصرف.

مقالة ذات علاقة:

ما معنى رمضان كريم؟

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

صبيحة الجمعة المباركة

18-8-2017

عمان الرباط

6 thoughts on “أهمية علم الصرف في استنباط الحكم الفقهي الأمثلة: حرض المؤمنين على القتال، تشميت العاطس، الله يخَلِّيك

  1. نوفمبر 10, 2018 - بلال

    خلاكم الله بالصالحات محرضا على الطاعات مشمتا لنا ان نذل فالجهل مظنته

  2. مارس 16, 2019 - غير معروف

    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد استفدت من هذا التوضيح جزاك اللة كل خير اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

  3. أغسطس 26, 2019 - غير معروف

    ما شاء الله

  4. مارس 31, 2020 - غير معروف

    ما شاء الله عليك يا دكتور وليد ..وزاك الله فضلا وعلما وعملا وإن شاء الله في ميزان حسناتك..تقبل تحياتي أخوكم..أبوبكر بروين من ليبيا

  5. مارس 31, 2020 - د محمود فهد مهيدات مفتي الكورة

    جزاكم الله خيراً وبارك الله في جهودكم دكتورنا الحبيب والغالي
    كم نفرح حينما نقرأ مثل هذه الطائف اللغوية والتي كم نحن بحاجة إليها وخاصة في عصر كثر فيه من يهرف بما لا يعرف

  6. خلاكم الله لنا وجعلكم نبراسا للأمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top