أهل السنة والجماعة بين الادعاء والإقصاء: الخطأ في طريقة تلقي العلم الشرعي (حجية الإجماع نموذجا)

الملخص

يعتبر الإجماع (اتفاق المجتهدين على حكم شرعي) حجة شرعية قاطعة باتفاق الأمة ماثلة في أهل السنة والجماعة، وشذت طوائف عن ذلك، كالخوارج والشيعة، ومع طول الأمد وتفشي حالة الآراء الشخصية في الدين، ظهرت قراءات مجتزأة لم تميز بين طريقة ثبوت الإجماع، وحجية الإجماع، نتيجة لتوهم أن التعدد في مسالك إثبات الإجماع هو خلاف في حجيته، فيظن الطالب أن مناقشة عالم لِمَسلك من مسالكه أنه يرُدُّ الإجماع، مما أدى إلى التشكيك في دليل عظيم من أدلة الدين، له قدرة عالية على جمع شمل الأمة، وتوحيد كلمتها، في وقت تظهر محاولات تسعى لتفتيت الديار الإسلامية لصالح الطوائف الباطنية المتواطئة مع التدخل الخارجي، فمن المهم جدا التمسك بالإجماع العقدي والفقهي، لتماسك المجتمع في مواجهة محاولات تفكيك البيت السُّني، وأن التمسك بمعالم أهل السنة والجماعة هو المعيار لكون المسلم والمسلمة منهم، وليس ادعاء لقب أهل السنة والجماعة بشيء إذا أخَلّ المسلم بمعالم أهل السنة والجماعة في التطبيق والواقع، ونخرج من النزاع في أهل السنة والجماعة بين الادعاء والإقصاء.

1-القراءة المُجتزَأة في حجية الإجماع:

تعددت أنظار الأصوليين في إثبات حجية الإجماع، وهل هو ثابت بالنقل أم بالعقل أم بالعادة، وإن انتهوا في الأمر أن الإجماع حجة قاطعة، ولكن تعددت مسالكهم في إثبات حجيته، ولما ظهرت قراءات مجتزأة تقرأ من العلم بابا، ولا تقرأ أبوابا أُخَر، التبس على أولئك القارئين أن اختلاف الأصوليين في مسلك حجية الإجماع وطريقة ثبوته، يعني اختلافهم في حجيته، فإذا قرأ ردّا على مسلك النقل في إثبات الإجماع، توهم بعض الطلاب أن ذلك رد لحجية الإجماع، ولكنه لو اطلع على كتاب الاجتهاد وشروطه، لاتضح لأولئك الطلاب أن الخلاف كان في مسالك إثبات حجية الإجماع، مع اتفاق أهل السنة على حجيته.

2-التباس طريقة ثبوت الإجماع بحجيته:

وآفة أخرى أن هناك من التبس عليه حجية الإجماع بثبوته، فإن رأى عالما يشككك في وقوع إجماع ما على حكم شرعي، ظن أنه لا يقول بحجية الإجماع، كترداد مقولة الإمام أحمد رحمه الله: من ادعى الإجماع فقد كذب، ولو أن القاريء أو من يهمه الأمر، رجع إلى أصول الإمام أحمد، لوجد المصدر الثالث من أصوله هو الإجماع، واتضح له الفرق بين دعوى ثبوت الإجماع ودعوى حجيته.

3- لا يلزم من مناقشة مَسلَك الاستدلال عدم الدّليل:

ومن أسباب اللَّبس في مسألة حجية الإجماع، أن يتوهم الطالب أن مناقشة أحد الإئمة لدليل من أدلة الإجماع، أنه يرد حجية الإجماع في الجملة، ولكنه لم ينتبه إلى دليل حجية الإجماع هو مجموع أدلة الإجماع: النقلية، والعقلية، والعادية، وما تؤدي إليه من حصول القطع بحجية الإجماع، فإذا نظر الطالب إلى دليل واحد لا يؤدي إلى القطع بالحجية، فتراه يطلب دليلا واحدا قاطعا لحجية الإجماع، بينما القطع حاصل بمجموع الأدلة المتضافرة على حجية الإجماع، مثل النية تتضافر الأدلة الشرعية بمجموعها على حصول القطع بوجوبها في الصلاة والصيام، لا بدليل واحد.

4- التشكيك في حجية الإجماع الثابت هو متابعة للخوارج والشيعة:

خلاصة الإشكال هو في القراءات المجتزأة غير المكتملة التي لا تتجاوز كونها فكرة عن الموضوع غير كاملة، حول أصل عظيم من أصول الدين، هذه الفكرة أدت إلى تشوش في الذهن، وأن عدم هذه القراءة خير منها، لأن الأفكار المشتتة في أذهان بعض الطلاب تتعب في إزالتها أكثر من التعليم نفسه، لقد أدت تلك القراءات المشوشة حول الإجماع إلى التشكيك في مَـعْـلَم من معالم هذه الأمة، وهو وحدتها وحرمة دمائها وأرضها في عصر الفرقة والشتات، ومن غير الإجماع لم يعُدْ هناك جامع يجمعها، لأن الإجماع دليل قاطعٌ لا يحتمل التخصيص والنسخ كالنص، لذلك جَحَدته الطوائف التي شذّت عن هذه الأمة كالخوارج والشيعة ومن شايعهم في مقولتهم بإنكار حجية الإجماع، وأصبح الإجماع الثابت عند أهل السنة معيارا حاسما في إثبات الأحكام الشرعية.

5-الإجماع يصنع التجانس في مجتمع العُمْران:

وإنني إذ أُنوِّه بالإجماع الثابت أؤكد على أصل جامع من أصولنا نحن أهل السنة، نسعى خلاله إلى استرداد التجانس والتوافق بين أهل السنة والجماعة، ليكون التجانس عاملا لوقف محاولات المزيد من تقسيمهم وإثارة النعرات والمذهبيات الضيقة داخل البيت السنِّي، مما يؤدي إلى مزيد من تقسيم ديار الإسلام وتفتيتها، وجعل دماء أبناء هذه الأمة نـَـهْبا للطوائف الباطنية التي خرجت من جُحْر التقية، وأصابت من دماء هذه الأمة على حين غرة، ولا بد من رفض صناعة الشك التي أصبحت أمرا لا يطاق، ولا بد من وضع ثقافة عامة للمسلمين توقف سيل الشك ليس للرد عليه ولا لمناقشته وإضاعة الوقت فيه، بل لأنه ليست له منهجية علمية وأنه وجهات نظر شخصية، وتحول إلى حالة من هوس الإبداع وحمى الكتابة.

6- أهل السنة والجماعة بين الادعاء والإقصاء:

إذا علمت أن الإجماعات وفق مرجعية الأمة (أهل السنة والجماعة) ، فإن مخالفة الإجماع جُرْحة في دين المسلم بقدر ما خالف هذا الإجماع بوصفه مَعْلَما موضوعيا يكشف الادعاء والإقصاء عن منهج أهل السنة والجماعة، كما أن التشكيك في الإجماع هي محاولة إخضاع تفسير الإسلام لمعايير فئوية خاصة، وتقديم الإسلام حسب دائرة المواصفات والمقاييس المصلحية والنفعية الضيقة، وعليه يصبح الميزان موزونا، والموزون ميزانا.

فالإجماع هو المعيار الذي يقيس نسبة الانحراف عن السنة والجماعة، وليس المنحرفون هم الذين يقيسون شرعية السنة والجماعة، وإن إجماعات أهل السنة هي التي تحدد معالمهم في العقيدة والشريعة، والتزام هذه الإجماعات هو المعيار الموضوعي العلمي غير القابل للتسييس والتوظيف، وعليه لا بد من إحياء معالم أهل السنة والجماعة، ليعلم الناس شخصية هذه الأمة التي سعت الطوائف الباطنية والقوى الغازية على تشويهها ومحوها، إن استطاعت ولن تستطيع، ولكن مرجعية أهل السنة والجماعة، بقيت ماثلة في جذر قلب هذه الأمة، وتحتاج إلى إظهارها وإزالة الغبار عنها، لا إلى التنازع فيها بما يشوش على عامة المسلمين، ويفسد عليهم قضاياهم المصيرية.

ملاحظة: ستأتيك تباعا مقالات: أهل السنة والجماعة بين الادعاء والإقصاء (انظر أسفل قدميك).

https://telegram.me/walidshawish

الطريق إلى السنة إجباري

وكبته عبد ربه وأسير ذنْبه 

د. وليد شاويش

مِن على ثرى مكة الطاهر

الجمعة 2-9-2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top