طاعة ولي الأمر بين الإسفاف والإجحاف… وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك

تمهيد: عرض الواقع:

1-المسلم يتساءل في توظيف الدين:

في ظل حالة من توظيف نصوص الشريعة لأغراض الولاء والمعارضة، واستخدام تلك النصوص قطع غيار بديلة في الصراعات السياسية والحزبية والتعصب المذهبي لهويات فرعية دينية، أصبح المسلم يتساءل عن مدى صدقية توظيف تلك النصوص الشرعية، سواء في جانب الولاء للحاكم، أم في جانب المعارضة له، وأصبحنا نعيش حال من التوظيف المتضارب لنصوص الشريعة، مثل النصوص الآمرة بطاعة ولي الأمر، ومعارضتها بنصوص أخرى تحرم الظلم وتأمر بالعدل.

2-ضرب كتاب الله بعضه ببعض:

 مما يعني أن النصوص الشرعية قد ضرب بعضها ببعض، مع أن الحق في النظر في النصوص الشرعية دائما، هو الجمع بينها، وليس الأخذ ببعض وترك البعض الآخر، كما فعلت بنو إسرائيل، ومن أمثلة الاستخدام المفرِط للنصوص الشرعية، كان حديث صحيح مسلم، عن حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»، وتكمن خطورة هذا التوظيف، في أنه يولد شعورا  اجتماعيا بأن الدين لا يقيم العدالة في المجتمع، لطغيان سياسة جَلْد الظهر وضرب القفا على معنى الحق والعدالة، مع أن العدالة وإنصاف المظلوم، أمر شرعي لا مِراء فيه، بل إن إقامة العدل هي الأساس الشرعي للإمامة وسياسة المجتمع، حماية لقطعي الاستقرار.

3-تناقضات توظيف الدّين تهدد استقرار الأمة:

 ما سبق من توظيف الحديث النبوي يعني تحوُّل الذين يوظفون النص الشرعي إلى طبقة من رجال الدين المتحالفين مع السلطة، وهذا يعني إغلاق طرق الإصلاح في اعتقاد المجتمع، مما يؤدي مع طول الزمن إلى تهديد المجتمع برمته حكاما ومحكومين، وأن تتحول ديار المسلمين، إلى حيث أدارت رحاها الحرب، وألقت برَحْلها أمُّ قَشْعَم، نتيجة الإسفاف في توظيف النص الشرعي إعلاميا، سواء كان ذلك في جانب طاعة ولي الأمر، أم في جانب شق الصف وتدمير المجتمع من أجل العدالة، وافتراض قطعي العدالة على أنه نقيض قطعي الاستقرار، وهذا هو ضرب كتاب الله بعضه ببعض، بينما دين الله هو مسلك الجمع بين قطعي الاستقرار وإقامة العدالة معا.

أولا: نص حديث وإن جلد ظهرك:

دلَفْت يوما إلى بيت أحد الأصدقاء، فكان في المجلس رجل يذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من الاستهانة، وهو ما ورد في صحيح مسلم في   بَابُ الْأَمْرِ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ من خبر حذيفة رضي الله عنه: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ». وقد آثرت أن أضع سطرا تحت ترجمة الباب، لأهمية الترجمة في فهم معنى الحديث، مع العلم بأن ترجمات الأبواب في صحيح مسلم هي من صنيع العلماء كالإمام النووي.

ثانيا: التوظيف الإعلامي للحديث:

1-السُّنة ليست نشرة أخبار:

لا شك أن السنة لها سلطانها على المسلمين، ونصوصها محل تقدير منهم، ولكن حدث في هذا الزمن استخدام السنة قطع غيار ونشرة أخبار لأغراض خارجة عن المنهج الفقهي الأصولي، ولم يكن هذا الحديث الشريف بمنجاة عن هذا الاستعمال، مع أن الحديث الشريف لا يعمل وحده، ولكن يعمل أيضا مع جملة من النصوص الشرعية الأخرى، التي حضَّت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإطاعة الله تعالى ورسوله، ولا يخفى أن تحويل نص الحديث إلى مادة إعلامية على أنها من مظاهر الولاء، دون أحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ستعني حالة انشقاقية داخل المجتمع، حيث ينحاز قوم إلى الحاكم، وقوم آخرون إلى المظلوم، وتزداد الهوة بين المسلمين، بسبب تحويل الشرع إلى غنائم بين المتخاصمين.

2-التوظيف الإعلامي للسنة فُرْقة في الدِّين:

إن التوظيف الإعلامي للسنة يعني أننا أمام قوى شدّ عكسي، تهدد جماعة المسلمين، بسبب استخدام السنة المطهرة مادة إعلامية تنحاز إلى طرف دون آخر، ويصبح الحاكم معه بعض حق، والمحكوم معه بعض حق أيضا، والحق والدين هو الجمع بينها، لأن الشرع شهد لهما معا، ويجب أن يَبْقَيا معا، ونهى الشرع عن التفرق في الدين، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ) الأنعام، يعني لا تُفرقوا دينكم، بل خذوه جميعا، ولا شك أن اختطاف السنة بين الولاء والمعارضة، هو مِن عمل الذين فرقوا دينهم، وما يلفت النظر أن الآية في النهي عن التفرق في الدين، وإن الذين ضربوا كتاب الله وسنة نبيه بعضها ببعض في شيء ليسوا من النبي صلى الله عليه وسلم في شيء، وجعلت الآية أمْر المتفرقين في الدين إلى الله؛ لأنهم لا يُقطع نزاعهم في الرد إلى الله ورسوله، لأنهم عبثوا بالشرع وامتهنوه، فلا يفيد فيهم كتاب ولا سنة.

ثالثا: خلفية التوظيف ولاءً ومعارضةً والتأثر بثقافة العولمة:

1-الأمة منفِّذة وولاؤها لسيادة الشرع:

إن الشعار الأول الذي رفعه الصدِّيق الأول في أيام خلافته الأولى: أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فطاعة الله ورسوله أصْل شرعي، ولا شك أن الإجماعات العقدية والأصولية والفقهية هي التي تشكِّل أركان الحياة الاجتماعية للمسلمين، وأن هذه الإجماعات هي المعايير التي تقاس بها حياة المجتمع، وولاء المسلمين لها ومعارضتهم لمن عارضها، يعني لا يوجد انقسام على أساس المكاسب الدنيوية الفانية، حسب ثقافة العولمة في شأن الدولة والمجتمع، لأن أمتنا مكلفة بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحكام والمحكومون مأمورون، فيتصور الولاء للإسلام أصالة، وليس مطلقا للمنفذين له، سواء كانوا حكاما أم محكومين، وعليه لا يتصور أن تكون الموالاة إلا  للشرع ولا المعارضة إلا في الشرع، وعندئذ يُقطع النزاع إذا رددنا إلى الله ورسوله، وتظهر فائدة الرد للشرع، في رفع الخصومة ولزوم الجماعة.

2-امتهان النص الشرعي مانع من موانع الجماعة:  

أما إذا تم امتهان النص الشرعي في الخصومات، وأردنا أن نرد إلى الله ورسوله، وجدنا أنفسنا متخاصمين أصلا في الله ورسوله، بحسب حالة التوظيف الانتهازي للنص الشرعي، وهنا نكون قد فقدنا الملجأ الأخير لقطع النزاع، بسبب الفرقة في الدين الناتجة عن توظيفه في الهويات الفرعية المتخاصمة، وعلينا أن نلوم أنفسنا على الفُرقة المستمرة، لأن من يوظف الدين في دنياه، هو كمن يمسح حذاءه بغطاء رأسه، وبئس ما فعل، فإذا أردنا أن نرد للشرع فلن ينفع ذلك، بسبب امتهان الشرع في مكاسب فردية وفئوية، وهذا يعني أننا عوقبنا بما كسبت أيدينا، من تحويل نصوص الشرع إلى مادة إعلامية ونشرة إخبارية للخصومة في هويات فرعية: جغرافية وسياسية ودينية، على حساب مجموع الأمة، وهم أهل السنة والجماعة.

3- رياح العولمة وتأثيراتها في التدين:

إن هيمنة ثقافة العولمة في شأن الدولة والمجتمع، أدت إلى انقسام المجتمع على أساس دنيوي يقوم على المغالبة، دون تحكيم الإجماعات العقدية والفقهية لأهل السنة والجماعة، القادرة على حسم النزاع على أساس الحق النازل من السماء، لا على أساس الغلبة والقوة في نماذج الولاء والمعارضة الغربية، لأن الشرع لم ينزل للولاء ولا للمعارضة، بل هو فوقهما جميعا، وقاض عليهما، بموجب اعتقاد المسلمين، ومن هنا لا تكون المكاسب للأقوى والأكثر مالا وولدا، بل على وفق مقاطع الحقوق الشرعية، وليس حسب مقاييس رجال الأعمال، وإمبراطورياتهم الإعلامية، مما يعني أن الشريعة تخفف من غلواء الصراع والانقسام، لأن الحق لا يتقرر فيها على أساس المغالبة، بل على أساس الحق الشرعي، وأن الولاء للحق الشرعي، والمعارضة لما عارض الحق الشرعي، فالشرع هو قطب الرحى، وعليه المجتمع قرارًا ومَدارًا.

رابعا: رفض تقطيع السنة بين الولاء والمعارضة:

وعليه فإن تقسيم السنة إلى ولاء ومعارضة أمر مرفوض ابتداء من الناحية الشرعية، لأن موقع النبوة فوق الولاء والمعارضة، وعندما يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وعدم الانشقاق عليها، فإنه كذلك يأمر بكف الظلم عن المظلومين، وإن انقسام المجتمع إلى قسمين  يستخدمان الكتاب والسنة قطعا للغيار حسب الحاجة، هو كالذين جعلوا القرآن عضين، أي أعضاء مقسمة آمنوا ببعض الكتاب وهجروا بعضه الآخر.

خامسا: امتهان السنة ابتداء يعني عدم الفائدة في الرد إليها عند النزاع انتهاء:

قال تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) النساء، فهذا يعني أننا نرد إلى الله ورسوله عند وقوع الخصومة، فكيف إذا أصبحت الخصومة في استخدام السنة، فكيف نرد إلى السنة لقطع النزاع مع هذا الامتهان لها في دهاليز السياسة، وتضييع المظلومين، بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحويل السنة الجامعة، إلى أشلاء ممزقة على يدي تناقضات الولاء والمعارضة، التي تهدد سلامة المجتمع كله، وقطعي الاستقرار ولزوم الجماعة الذي هو من أهم إجماعات أهل السنة والجماعة وقطعياتهم.

سادسا: ليس الطريق من هنالك:

بعدما أصاب قريش ما أصابها في بدر اضطرت لتسلك إلى الشام من جهة العراق، في طريق وعر مُهْلِك، فقال حسان لأبي سفيان في ذلك : إذا سلكت الغور من بطن عالج…فقولا لها ليس الطريق من هنالك، ونقول للعولمة الثقافية ليس الطريق من هنالك، فلسنا ملزمين بها لنشق صفوف أنفسنا إلى ولاء ومعارضة، وجَعْل الكتاب والسنة عضين، كل حزب بما لديهم فرحون، نحن ننحاز إلى الإجماعات الشرعية الحاكمة، وهي المعيار الصحيح للكيانات والمؤسسات التي خير واجباتها إقامة العدل ونصرة المظلوم على وفق مقاطع الحقوق المقررة شرعا، وعلينا أن نعي ذلك ونحن نرى ما حصل لأهلنا في الشام والعراق من تواطؤ الطوائف الباطنية والغزو الخارجي عليهم، في عالم متوحش يجيد الكذب في الحرية وحقوق الإنسان، ومن العبث وإضاعة الوقت أن ننتظر النصر خارجا من غير بيوتنا، وعلى غير أيدي أبنائنا.

سابعا: ترجمة الباب في صحيح مسلم في لزوم الجماعة:

1-الحديث يمنع الخروج على الأمة ولا يعني الرضا بالظلم:

ليس في الحديث الشريف السابق الذكر، ما يَعني الرضا بالمنكر والظلم، بل إن ترجمة باب الحديث تدل على لزوم الجماعة، وهو: (بَابُ الْأَمْرِ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ) وعدم الخروج على الجماعة، وهو مظهر حضاري ضروري لإقامة العدل ونفي الظلم، والحديث ينص على أن مَن تعرّض لظلم، فلا يخرج على جماعة المسلمين، ويشق صفوفهم بسب ظلامته، ذلك لأن الشريعة الآمرة بالعدل الناهية عن الظلم، فيها بديل عن الانشقاق على المجتمع، الذي فيه هدم لبنيان المسلمين، وهذا البديل هو فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمجتمع دائم بدوام العدل مضمحل باضمحلاله، وإن المظلوم ليس وحده، بل معه ناصر من المؤمنين، بأمر شرعي من الله تعالى.

2-التطبيقات العملية للأمة تنهى عن الظلم تحت مظلة الجماعة: 

إن محاربة الظلم تحت مظلة الجماعة، يحرس بنيان المسلمين في عالم متوحش، وكذلك تصان الحقوق بالأمر بالمعروف وهو التطبيق العملي للصحابة والتابعين لهم بإحسان، حيث يجمعون بين النهي عن الظلم والأمر بلزوم الجماعة، فلا تعارض بينهما، إلا في ذهن الواقعين تحت تأثير العولمة الثقافية، الأسيرة لتناقضات الولاء والمعارضة القائمة على المغالبة والكثرة، وأن القانون بيد من هو أكثر مالا وأعز نَفَرا، لا على ما تستند له الشريعة في إجماعاتها العادلة.

ثامنا: قطعي الاستقرار مع رفع الظلم أمر غير قابل للتفاوض:

1-لزوم الجماعة فوق الولاء والمعارضة:

إن لزوم الجماعة مع تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرة المظلوم هي السمة الأساسية لأئمة السلف، وهم الصحابة رضي الله عنهم، أما الأئمة الأربعة فقد لزموا الجماعة في فقههم مع تحملهم صنوف الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل ولاة الأمر، وكلا هذين لا يمكن فصلهما بين شقاقات الولاء والمعارضة، فلا يمكن حماية قطعي الاستقرار مع استمرار الظلم، ولا يمكن أن يرفع الظلم دون قطعي الاستقرار، فكلاهما متلازمان، وهذا ما لا يجوز الاختلاف فيه.

2-المتكسبون بامتهان السنة يفرقون الأمة:

 وإن الذين يتكسبون رضا الحكام بامتهان السنة وتحويلها مادة إعلامية فإنهم يبغِّـضُون الحاكم إلى رعيته، كما أن تحويل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى معارضة تهدد قطعي الاستقرار، وينشرون البغضاء بين الحاكم والمحكوم، هي كمَن يطلب الماء البارد وسط النار، فيجب أن يستمر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحاكم والمحكوم على السواء، لأن هذا حماية كبرى لقطعي الاستقرار، الضروري لإنفاذ الحق ورده لصاحبه، هذا مع الإشارة أن الحاكم اليوم أصبح مؤسسة تنفيذية وقضائية، ليست مشخصا في فرد بعينه، بل هي مؤسسات، ودوائر، ووزارات متعددة، ويعامل كل منها بحسب مكانه وصلاحيتة، في مجال الإصلاح.

عاشرا: أحاديث إنكار المنكر معناها صحيح ولو كان بعضها ضعيف السند:

لا يعني بحال من الأحوال أن هناك أحاديث ضعيفة تجيز القول للظالم أنه ظالم أن ضعف الحديث يؤثر في معناه، بل معناه صحيح، فهو مندرج تحت قوله تعالى: لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) سورة النساء، وكذلك تحت الأحاديث الصحيحة الآمر بالمعروف والناهية عن المنكر، فيجب المصير إلى الجمع بين الأدلة، والتي تنتهي إلى وجوب نصرة المظلوم، دون الانشقاق على الأمة، حتى لا ترتكب المفسدة العليا، التي يزداد الظلم فيها ويتضاعف، فتعظم المفاسد وتتلاشى الأمة، ويصبح من يجب أن ينكر الظلم أو ظالما مظلوما.

حاديَ عشر:الخلاصة: الاستقرار والعدل أخَوان:

لا يمكن أن يقام العدل دون قطعي الاستقرار، ولا يمكن أن يبقى قطعي الاستقرار ولزوم الجماعة مع استمرار الظلم، فالعدل والاستقرار أخوان، وإن التضحية بأحدهما تضحية بأخيه، وإن تجنيد النصوص الشرعية لصالح النزاع والخصومة بين الولاء والمعارضة، هو تهديد لبقاء المجتمع، الذي لو انهار سقط الجميع، والواجب أننا عندما نتحدث عن العدالة أن يكون قلبُنا مع المظلوم وعيوننا إليه، وإن تحدثنا عن المظلوم وأنكرنا الظلم كانت عيوننا وقلوبنا على قطعي الاستقرار، وفي ذلك حراسة شاملة للجميع، وإن الانحياز إلى طرف الولاء أو طرف المعارضة، في مسائل الإجماع هو حالة غريزية تتبع الكراهية والأحقاد والدنيويات الفانية، على حساب ديننا واستقرارنا وأمننا.

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

عميد كلية الفقه المالكي

صبيحة الجمعة المباركة

2-جمادى الأولى-1439

19-1-2018

عَمان المحروسة

6 thoughts on “طاعة ولي الأمر بين الإسفاف والإجحاف… وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك

  1. ديسمبر 20, 2018 - صلاح

    احسن الله إليك و اثابك إحسانا بإحسان.

  2. مايو 19, 2019 - Mohamedjama

    Thank..yoi.brother..for.this.important.lesson

  3. يونيو 17, 2019 - غير معروف

    كلام عظيم وموزون ..
    أحسب أن المتكلم به صاحب وعي وعلم وعدل، قد تشبع بفهم الشريعة ومقاصدها..
    اللهم زده خيرا وصلاحا وثباتا..

  4. يوليو 10, 2021 - غير معروف

    أحسنت بارك الله فيكم وجعل ذلك صلاح نيتك وودعوتك وكنت مؤلفا لا فاتقا

  5. ديسمبر 13, 2022 - منتهى أبوعين

    تبارك الرحمن ما شاء الله ،،اثلجت صدري والله بهذا المقال النافع الجامع بين الولاء ورفع الظلم
    وما تقدمتم به دكتور من التأكيد على الإيمان الشامل ( أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ،،)
    هو الحلقة المفقودة الآن في الخطابات الدعوية والسياسية
    فشعيرة الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر أول شعائر الاسلام التي تعيد الأمور الى نصابها،،،،
    بوركتم وسددتم وجزاكم الله خيرا

  6. ديسمبر 14, 2022 - د. وليد شاويش

    شكرا دكتورة على اهتمامك بالموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top