القيمة الاقتصادية لتحريم ربا الفضل وضرورة تكامل الاقتصادي مع الفقهي

1-حرمت الشريعة بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر إلخ من الأصناف، فيما رواه البخاري عن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ».

2-أهملت الشريعة معيار الجودة والرداءة، فحرمت بيع1 كغم ممتاز من التمر قيمته عشرون درهما مثلا، بـ 2كغم من التمر الرديء كل 1كغم بعشرة دراهم، أي ولو كانت القيمة متساوية في السوق يعني 1كغم ممتاز =2كغم رديء، مما يعني أن ما يقبل عليه الناس ويرغبون به، ويرونه معقولا ابتداء من الناحية الاقتصادية منعته الشريعة.

3-وبالرغم من جواز معاملة 1كغم ممتاز يساوي 20 درهما، بـ 1كغم رديء يساوي 10 دراهم، إلا أن الشريعة اعتبرت أن الناس لن يفعلوا ذلك، لأن العادة لا تجيز ذلك لما فيه من الخسارة الواضحة، يعني أن الشريعة لم تلجأ إلى التحريم الشرعي واكتفت بالمانع العادي من مبادلة الرديء مع الجيد بالوزن نفسه .

4-يلاحَظ أن ربا الفضل في الحديث الشريف يقع في سلع أساسية يكثر الطلب عليها، وضيَّق الشرع على تلك المقايضة في سلع أساسية، ولكنه لم يمنعها منعا قاطعا مراعاة لظروف المناطق البُدائية، التي لا تستغني عن المقايضة.

5-بالرغم من جواز مقايضة الأجناس المختلفة متفاضلة كبيع التمر بالشعير متفاضلا في الكيل والوزن مع شرط التقابض، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى التعامل بالنقود  فيما أخرجه البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟»، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا»، وواضح أنه بالرغم من وجود عدة طرق جائزة عديدة في المقايضة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اقتصر على بيان المبادلة بالنقود، بقوله: «لاَ تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا»، وواضح في ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحال على التعامل بالنقود، بالرغم من وجود طرق مقايضة بديلة أخرى جائزة.

6-بما أن السياسة النقدية التي يديرها المصرف المركزي تعتمد على النقود، فإن المصرف المركزي يستطيع توجيه النقود إلى قطاعات الاقتصاد التي تحتاج إلى رعاية كالزراعة والصناعة، فيجري توجيه النقود عن طريق النظام المصرفي وسياسة السقوف الائتمانية، إلى رعاية القطاعات التي يخشى إهمالها في التمويل، ولولا التعامل بالنقود لعجز المصرف المركزي من رعاية تلك القطاعات، ولا يخفى التوجيه النبوي في أهمية التعامل بالنقود، وقيمته الاقتصادية بالنسبة لإدارة السياسة النقدية.

7-إن كثرة تداول النقود من يد إلى يد تعني زيادة الدخل القومي المقدَّر بالنقود، على فرض أن (الدخل القومي النقدي= كمية النقودXسرعة تداول النقود) فهذا يعني أهمية قيمة النقود في التداول، ودورها الاقتصادي الحيوي في التنمية، بخلاف ما لو تم التعامل بالمقايضة، وهذا يبين أهمية إحالة النبي صلى الله عليه وسلم على التعامل بالنقود.

8-بناء على ما سبق تظهر أهمية التكامل بين المعرفة الاقتصادية والفقهية، هذا التكامل الذي يبرز القيمة الاقتصادية لتداول النقود، وأفضليتها على المقايضة خصوصا في ضوء سياسة نقدية يديرها المصرف المركزي، لتحقيق التنمية عن طريق توجيه النقود داخل النظام المصرفي، ولا يتحقق ذلك لولا تضييق الشريعة على المقايضات في سلع مهمة وأساسية كثيرة التداول، كما لفتت الشريعة الانتباه لدور النقد، وأنه هو أساس التبادل، مما يعني أن للاقتصاد دورا محوريا في فهم الحكمة التشريعية في فضاء المعاملات المالية.

9- يلاحظ أن الشريعة رسمت نقطة توازن مهمة تراعي الظروف البُدائية، ولم تلغِ المقايضة نهائية، بل جعلتها في أضيق أحوالها، وفي الوقت نفسه أحالت على التعامل في النقود، وأنه هو الأصل وأهمية ذلك التعامل.

10-واضح أن الشريعة ترفع أسوارا عاليا عند إمكان وقوع الناس في المحظورات، فشرطت شروطا زائدة في السلع الأساسية، وهي الأصناف المذكورة في الحديث، أما حيث يوجد مانع عادي من التصرف كبيع 1كغم تمر ممتاز قيمته 20 درهما بكيلوا واحد ردي قيمته 10 دراهم، فإن الشريعة اتكأت في ذلك على المانع العادي، ولم تلجأ إلى المانع الشرعي حيث منعت 1كعم قيمته 20، ب2كغم مجموع قيمتهما مساوية وهي 20، فالمعقول اقتصاديا منعته الشريعة، مراعية مقاصد عليا بعيدة، في إحياء التداول النقدي، وحيث يوجد مانع عادي لم تحْتَج إلى بيان، لأن البيان عندئذ من تحصيل الحاصل.

للمزيد:

1-بحث منشور في مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية : العلة والحكمة من تحريم ربا الفضل دراسة في ضوء السياسة النقدي

 2-الحكمة من تحريم ربا الفضل رؤية مقاصدية في ضوء السياسة النقدية محاضرة في مدرسة أبي بكر الصديق للتعليم العتيق (فاس)

 وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

صبيحة الجمعة المباركة

14-4-2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top